عطفا على البرنامج العلمي والثقافي لمؤسسة دار الحديث الحسنية، ودعما وتعزيزا لبرنامج التكوين المعمق في العلوم الأساسية، ألقى فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم الوافي(*) درسا في موضوع: المقدمات العشر لمحمد الطاهر ابن عاشور دراسة في المضمون والمنهج وذلك يومه: السبت 16 أبريل 2011 على الساعة التاسعة صباحا. افتتحت جلسة العلم هذه بآيات من الذكر الحكيم، ومن ثم بدأ الأستاذ إبراهيم الوافي بإلقاء محاضرته، موضحا في البداية أن عرضه سيكون عبارة عن مقدمات في علوم القرآن بصفة عامة، ثم مقدمات في علوم التفسير، وبعد ذلك الحديث عن مناهج المفسرين باقتضاب، ليركز في الأخير على منهج الطاهر ابن عاشور. استهل فضيلة الدكتور حديثه بالقول: إن مما ينبغي أن يهتم به من اختصه الله بحكمته، ووفقه لفهم دينه وشريعته، واتباع سنة نبيه، الاشتغال بالقرآن الكريم وتدبره، وكد الفكر في تحصيل علومه؛ لأنه كلام الله المنزل على عبده ورسوله، من أجل إرشاد الخلق وهدايتهم إلى مفهوم وحيه ومقصد رسالة نبيه؛ فكان القرآن بذلك هو الرسالة الإلهية المخاطبة للبشرية جمعاء على حد سواء، خطاب إقناع واستدلال وبرهان. مؤكدا على أن المغاربة لم يراهنوا قط إلا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعيا منهم وإدراكا أن هذا الدين مبني على علم الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم بالله؛ ومن ثم فإنه لا يدعوهم إلا إلى ما يحييهم من وحدة الدين والعقيدة وجمع الكلمة ووحدة الصف، فكانوا متشبثين بالقرآن والسنة على الدوام، وكان لذلك أثره العميق في عقلية الأمة وفكرها وسلوكها وكافة مظاهر حياتها الخاصة والعامة امتثالا لقوله تعالى: "وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون" [سورة المؤمنون، 52]. منبها إلى أنه إذا كان أهل الصدر الأول قد تلقوا القرآن والحديث من أفواه الرجال بالتلقين؛ فإن الأمر لم يقف عند ذلك لما كثر أهل الإسلام وتوسعت الأمصار، واحتاج الناس إلى الانتقال من المرحلة الشفوية إلى مرحلة الكتابة والتدوين، فدونت علوم القرآن والتفسير، وقيد الحديث مخافة ضياعه. ومن هنا انتقل فضيلة الدكتور للحديث عن التطور التاريخي لمفهوم "علوم القرآن" الذي كان يشمل في البداية كل ما يمت للقرآن بصلة، ثم بدأت أنواع علوم القرآن تظهر واحدة تلو الأخرى، وتستقل على مستوى التأليف، ليتم جمع أصولها تدريجيا على مستوى مقدمات التفاسير، ثم على مستوى تآليف جامعة لأصول أنواعها مثل: فنون الأفنان لابن الجوزي، والبرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي. وأما من حيث محتوياتها فتنقسم إلى قسمين: 1- علوم تتحدث عن تاريخ القرآن ( نزوله، تدوينه، مكيه ومدنيه...)؛ 2- علوم أخرى مساعدة على فهم القرآن (القراءات القرآنية، علوم اللسان، أصول الفقه، دلائل الإعجاز..). وعليه فإن مصطلح علوم القرآن يراد به العلوم المتولدة عن القرآن أو المستندة إليه، والتي هي أدوات مساعدة وأساسية لتسهيل فهم كتاب الله تعالى على الوجه الصحيح. وأكد فضيلته على أن علوم القرآن وما يرتبط بها من العلوم الاستمدادية المساعدة على فهم النص ضرورية لمن يتعاطى تفسير كتاب الله تعالى، بل عليه الإلمام بها قبل التصدي لتفسير القرآن العظيم. وختم الأستاذ عرضه بالتأكيد على أهمية هذه المقدمات المنهجية، ومشيرا إلى أن تتمة الأجزاء المتبقية من هذا المحور العلمي ستكون في محاضرات مقبلة إن شاء الله، ثم فتح المجال للإجابة عن تساؤلات الطلبة ذات الصلة بالموضوع. (*) أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر/ كلية الآداب والعلوم الإنسانية، شعبة الدراسات الإسلامية أكادير. ورئيس المجلس العلمي المحلي بإنزكان آيت ملول.