البيعة المغربية عبر التاريخ ترد لفظة البيعة في المعاجم العربية لتدل على التزام جماعة من الناس بالطاعة والولاء نحو أمير من الأمراء ليتولى تسيير شؤونهم دينا ودنيويا. قال ابن خلدون في مقدمته: "البيعة هي العهد على الطاعة". وقد ظهرت البيعة مع ظهور الإسلام. فكان يفد على رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام وفود تُبايعه على قبولها للدخول في الدين الإسلامي الجديد عن اقتناع، وإيمان برسالة التوحيد، وعبادة الله وحده الذي لا شريك له: "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم" والالتزام بطاعة رسول الله في أوامره ونواهيه التي نزل بها الوحي: "وما ءَاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوه" [الحشر، 7]. وكان من بين هذه البيعات الواردة في السيرة النبوية "بيعة العقبة" و"بيعة الحُديبية" و"بيعة الرضوان" و"بيعة النساء" بعد فتح مكة و"بيعة الأنصار" على الجهاد في غزوة الخندق: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما حيينا أبدا وهكذا صار الصحابة في تقديم بيعتهم للخلفاء الراشدين، كبيعتهم لأبي بكر الصديق بالخلافة إثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبعهم التابعون الذين بايعوا أولي أمرهم وأئمتهم على التعهد بالتشبث بنصوص الكتاب والسنة، وسيرة الخلفاء الراشدين: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي" وبروح البيعة بين الراعي والرعية: "كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته". ومن خان بنود البيعة فقد أساء إلى نفسه، ومن تمسك بها فقد أحسن إلى نفسه: "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن اَوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجرا عظيما" [الفتح، 10]. أما في التاريخ المغربي؛ فإن البيعة تمثل ميثاقا دستوريا يقوم على الشورى، كما أنها عقد وعهد: عقد وكالة بين أفراد الأمة وولي أمرهم لإصلاح أمورهم وأحوالهم، ونشر المساواة والعدل فيما بينهم، والمحافظة على مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، وحماية بلادهم من الفتن والأهوال وعهد بين الحاكم والمحكوم يضبط واجبات وحقوق كل منهما، وهكذا يلتزم المحكوم للحاكم بالطاعة والامتثال في إطار نطاق القوانين الشرعية، مع مراعاة التقاليد والأعراف المرعية، وبإبداء النصح والنصيحة عند الاستشارة، وبنبذ الممنوعات المحرمة شرعيا وقانونيا، وبالإخلاص والوفاء سرا وعلانية فيما يكلف به المحكوم من فروض وواجبات وبالقيام بها بكل إتقان، وبتجنب كل غش أو تدليس أو نهب أو زور أو سرقة أو فساد، تأكيدا للعهد الذي لا تجوز خيانة أمانته. ويلزم الحاكم في المقابل بوجوب صيانة حقوق المحكومين ومكتسباتهم المشروعة والمحافظة على أمنهم وسلامتهم، والسهر على صحتهم وتثقيفهم، وتنوير عقولهم وأفكارهم، ونشر العدالة فيما بينهم، وإغاثتهم في كل نكبة طبيعية تصيبهم أو هول يؤذيهم، والدفاع عن ببلدهم وتغوره ووحدته الترابية والدينية ضد كل مغتصب أثيم ومتسلط لئيم، وإسناد الولايات والمسؤوليات لأهل المروءة والكفاءة والاقتدار.. يتبع في العدد المقبل..