ويكون الفتح الثاني للأندلس على يد عبد الرحمان الداخل، وتأسيس الدولة الأموية بها كانت أقوى دولة إسلامية بأوروبا بسبب جهود أهلها وتضافر عبقريات أبنائها لتشييد حضارة ما زالت تكتشف كنوزها، عصرا بعد عصر، في مجال العلوم والفنون حتى غدت الأندلس كوكبا أضاء سماء أوروبا بكافة أبواب المعرفة، وقد اكتنفها ظلام الجهل والخلافات الدينية. وقد أدى هذا الفتح إلى انبثاق حضارة عربية في هذه الرقعة الجغرافية تتميز عن الحضارة العربية في الشرق.، وذلك بسبب تفاعلها المباشر مع الحضارة الأوربية. ولما أصبحت قرطبة عاصمة للأمويين جعلوا منها مركزا ثقافيا هاما أمه طلاب العلم من أوروبا وإفريقيا وآسيا، وازدهرت جامعة عبد الرحمان الناصر في عهد الحكم الثاني ازدهارا عظيما، وجلبت لها كتبا عديدة من خزانات الإسكندرية ودمشق وبغداد. وقد قصد الأندلس في هذه الفترة من تاريخ الأندلس عدد من الأدباء والشعراء والمفكرين والفنانين قادمين من المشرق العربي. كما قام عدد من أدباء الأندلس ومفكريه بزيارات مقابلة إلى هذا المشرق وخاصة بغداد منارته الحضارية، وإلى مدينة الإسكندرية حيث آوى إليها عدد من الأعلام الأندلسية الذين طبعوا الحياة السكندرية بالطابع الأندلسي كالإمام الشاطبي القادم من مدينة شاطبة والأمام أبو العباس المرسي القادم من مدينة مرسية وأحد أعلامها الصوفيين. فتولد عن هذا التفاعل والتمازج الثقافي المشترك بين الأندلس والمشرق نشاط فكري هام في القطاع الأندلسي من المغرب الإسلامي، شمل جميع نواحي الإبداع الثقافي والعلمي فنشطت حركة التأليف في الآداب وعلوم اللغة والقانون والفقه والفلسفة والطب والعلوم والزراعة والبيطرة والصيدلة والعطارة، بالإضافة إلى الخبرة المشرقية التي عمت الأندلس وأدخلها الأندلسيون في أوروبا بعدما طورها في كل من المجالات الحرفية والمعمارية والصناعية والنباتية والعلمية والفلكية… يتبع العدد المقبل بحول الله…