إن علاقات التبادل الحضاري التي نسجت عبر القرون بين العرب وغير العرب بين المسلمين وغير المسلمين، ساهمت بنصيب وافر في ازدهار كافة فنون المعرفة وإثراء الحضارة الإنسانية. فالحوار بين الحضارات وتبادل أنواع الثقافات بين الدول والتلاحم بين الأديان السماوية أصبح اليوم أولوية ملحة لا مناص منها للتعايش السلمي، والارتقاء الفكري والإغناء الحضاري الإنساني عبر كل دول المعمور التي تحكمها العولمة وتقودها التكنولوجيات المتطورة. الأندلس وإشعاعها خارج حدودها في عهد الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي بالمشرق خرج طارق بن زياد من طنجة في رمضان (92ه-711م)، وعبر على رأس جيش لجب المضيق الذي يفرق بين القارتين الأوروبية والإفريقية والذي سيجمعهما الربط القار فيما يستقبل الزمان، والتحم عند وادي لكة بجيش لدريق ملك القوط، وتم النصر لطارق بن زياد في معركته الحاسمة التي عرفت في التاريخ، بمعركة "فتح الأندلس" وقد شبه بفتح مكة الذي وقع أيضا في شهر رمضان. ثم وجه طارق حملاته إلى قرطبة وغرناطة ومالقة وطليطلة عاصمة القوط. وتلاقى مع موسى بن نصير في قشتالة، وفتحا معا أقاليم أرغونة وقشتالة وسرقسطة وبرشلونة حتى وصلا إلى جبال البرانس. فزعزع بذلك عرش أباطرة الروم واكتشف هو وأهله في الأندلس التربة الخضراء ذات الثمار والأزهار والرياحين الزكية والأنهار المتدفقة والجبال الشاهقة والقرى الآهلة. وفي هذا الفتح يقول أحد الشعراء في الروض المعطار من قصيدة له: ألا إنه فتح يقر له الفتح فأوله سعد وآخره نجح سرى القائد الميمون خير سرية تقدمها نصر وتابعها فتح وكان سبب نجاح هذا الفتح هو أن طارق بن زياد، الذي تأصلت فيه الصفات الحربية والروح المعنوية العالية، كان يثق في نفسه وفي جنوده، ويعلم أنه يواجه قوات أوفى منه سلاحا وأدق منه نظاما، ولكنه يقاتل قتال الواثق بالنصر فينشر الرعب في صفوف أعدائه. فيتفرقون شر مذر وينهزمون شر هزيمة. وكان شعاره قول الشاعر: في الجبن عار وفي الإقبال مكرمة والمرء بالجبن لا ينجو من القدر يتبع في العدد المقبل..