وإن أول وسيلة استخدمها الشباب أنه نقل اهتمامه من موطنه إلى العالم الآخر، ومن القطر إلى العالمية، قاطعا عهدا على نفسه، أن يكون ذلك العامل على تخليص الأمة في الوقت نفسه من القيود الذي كبلتها، والتقاليد البالية والبلاء لتكون حاضرة في الآخرين، وفعلا هي رحلة من النوع المثير، بل هي نقلة مغامرة، وإن شئت فهي مرآة ترى فيها الأمة ذاتها من جوانب متعددة، رحلة توقظ فيها الشعور بالمسؤولية التي هي في ثقل الجبال، أمة تبحث وتنقب عن ذاتها ومصيرها، غير مستسلمة لليأس والتشاؤم؛ لأنه بدون معانقة الآخر لا وجود لها لذلك يجب أن تسعى للشعور بمزيد من الألفة مع الآخر، وعلاقة الأمة بالآخر حوارا وليست مسارا أحادي الاتجاه، إن الاستماع والتلقي والعطاء المتبادل، للوقوف عند قضايا كاشفة، تساعدها على مواجهة التصورات المغلوطة التي تمنع أبناءها الشباب من النبوغ والإبداع وتشدهم إلى الخلف. فلولا الشباب ما استطاعت أمة اختراق الحواجز ورؤية ما يكمن خلفها، وبالتحليل والتركيب ينتقل من المعلوم إلى المجهول، ومن الظاهر إلى الكامن، ومواصلة الاتجاه لاحتضان الآخر، وعليه سيبقى التعامل مع الآخر هاجسا ملحا لا يمكن إغفاله من طرف شبابنا، لكن في إطار من التفاعل الجاد المثمر حتى لا ينحرف بالإنسانية الطريق عن الأهداف السامية، التي من أجلها أوجد الله الإنسان على الأرض، وهنا أود أن أشير بعد استئذان القارئ الكريم، أن الهدف هو خلق علاقة بين شبابنا وشباب الآخر، حتى يحصل التلاقح الذي لابد من إيجاد الأرضية التي ينطلق منها العمل المشترك. ومن هنا دنا الشباب في ثبات جنان مسترسلا في سيره متدفقا كنهر يفيض خيرا على الأمة والإنسانية، لتتلاحم الأغصان بالأغصان، وأرواح تهيم في الأفق الفسيح طليقة، الكل ينهل من كوثر صاف، أو كصبح فاض نوره ومحا دجى زمان تعيس ولى إلى غير رجعة، ينساب كالقدر المصيب، يوجه العقل، وتدفع به حرارة في أعماق وجدانه تحرك المياه الآسنة الراكدة، لتنطلق فاعلة هادرة على الدرب البعيد، وخير ما أرصع به هذه المقالة قول الشاعر وكأنه يشدو بألسنة الشباب. نحن أعماق تحب الخير والنور الجميل وتحب الحب والأمجاد والعيش النبيل فأضيؤوا دربنا بالفجر والصبح الأصيل إن دنيا الله للأخيار جيلا بعد جيل والشباب يوم تتحرك ثوابته الحضارية ورسالته العالمية لم يستسلم ليواصل مسيرته متفائلا بنجاح يسلمه إلى نجاح آخر أجمل وأحلى، إنه خير مثال للعظمة ومن الأقوال المأثورة في هذا الصدد "من العظماء أن يشعر المرء في حضرتهم بأنه صغير، ولكن العظيم بحق هو الذي يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء" وقد كان ولا يزال ذلك شعوري مع الشباب، وأنا أشاهده يسد الشرخ الناتج عن عجز السابقين في سده وردمه، وبعث الحياة والحيوية في حياة الإنسانية؛ إذ لا يمكن لأي مجموعة بشرية أن تعيش منزوية في سراديب العزلة والغموض تتخبط في بيئة التفرقة والتصادم، ويا لكم أتفاءل وأنا أنظر فتية آمنوا بربهم يمدون جسور التفاهم والتعايش والتعاون المثمر بين البشر بمختلف أديانهم وأجناسهم، وكل فرد منهم يعد صانع تواصل قبل أن يكون صانع إيديولوجيات وأفكار. فما هو إذن مكان المسلمين في هذا العالم الجديد؟ علينا أن نرحل من التخلف واللحاق بالآخر للمشاركة في حركة الحياة، ولماذا نرضى لأنفسنا أن نكون في عين الآخر ذلك التابع الكسيح التي تضيع معه الذاتية؟ نحن لا نرضى هذه العزلة والانكفاء على الذات، والوحي يقرع مسامعنا، علينا أن نرحل من الماضي إلى المستقبل لأن القرآن الكريم يقول: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الاَرض يرثها عبادي الصالحون" [الاَنبياء، 104]. هذا البيات الثقافي والاجتماعي والسياسي طال مداه وإنه لن يخرجنا من هذا البيات إلا جيل من علماء الشباب، قدماه في الأرض ورأسه في السماء، جذوره في الماضي، وأغصانه تسابق الدنيا إلى المستقبل القريب والبعيد، وأنه لا مجال بعد الآن لعزلتنا عن الآخر، فهي مستحيلة أولا ومدمرة ثانيا، فالحواجز بين الناس والشعوب قد أسقطت لو كنا نفقه الوحي لأنه لسان الله الذي يقول: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" [الحجرات، 13]. يتبع في العدد المقبل…