فرصة لنبش الذاكرة على دور المدارس العتيقة في تاريخ المغرب. المسائية العربية يعتبر معهد العرفان للتعليم العتيق الخصوصي الكائن بحي الرياضبآسفي أحد المعالم الدينية على الصعيد الوطني والإقليمي التي تعنى بالتعليم العتيق , والذي يروم إلى تعزيز التكوين لفائدة الطالبات والطلبة في العلوم الشرعية بموازاة مع تعليم يستهدف النهوض بمجموعة من القدرات والكفايات التعليمية , لفائدة فئات عمرية مختلفة مثل تدريس التكنولوجيات الحديثة كالمعلوميات وغيرها . للإشارة فالمعهد تسهر على تسييره إحدى جمعيات المجتمع المدني "جمعية ابي بكر الصديق "وقد وضع اللبنات الأولى لتأسيس حجر الزاوية لهذه المعلمة الدينية الأستاذ عبد الرزاق الوزكيتي رئيس المجلس العلمي لآسفي , وهو المشرف العام على تسيير دواليب المعهد , هذا وقد نال المعهد برسم موسم 2013م /1434ه شرف جائزة محمد السادس للكتاتيب القرآنية بفروعها الثلاثة في شخص السيد عبد الرزاق الوزكيتي (جائزة التسيير) . يتم تسيير المعهد ببنية بشرية على رأسها المشرف العام السيد عبد الرزاق الوزكيتي, أما دواليب التسيير الفعلي فتعود لكل من الحارس العام الأستاذ عبد الكريم عدنان ,أما الأمانة والاقتصاد فيتولاها الأستاذ رشيد الولاد في حين يسهر مجموعة من الأستاذات و الأساتذة الرسميين والمتطوعين ,على تدريس البرامج التعليمية المقررة وتبسيطها لفائدة الطالبات والطلبة , بتركيبة تلامذية تصل إلى عدد إجمالي يقارب 500 من المتمدرسات والمتمدرسين وبنسبة مهمة قاربت الموسم الماضي حوالي 138 من الداخليات والداخليين في حين باقي الطالبات والطلبة يتلقى دروسا تتميز بالمرونة اللازمة التي تمكنهم من متابعة تعليمهم بالمدارس العمومية . هذا ويطمح المعهد لإبرام شراكات مع المؤسسات التعليمية لمد جسور التواصل في إطار مقاربة الانفتاح على مختلف فعاليات المجتمع المدني, من مؤسسات عامة وخاصة وجمعيات المجتمع المدني, بغية النهوض بالحقل الديني بالمغرب وحفظ الهوية المغربية , هذا ولازال المعهد المشكل من ثلاثة طوابق يعرف مجموعة من أشغال الترميم والصيانة والتجهيز والتي تحتاج لمد يد المساعدة له خاصة وانه يعتمد بالدرجة الأولى سواء في الإطعام , التشييد والتسيير على هبات المحسنين حسب ما صرح لنا به المسؤول عن المعهد . وهنا لابد من الإشارة بكون المدارس العتيقة بالمغرب طالما كانت بمثابة اللوح المحفوظ للهوية المغربية ونبراسا للحضارة العربية والإسلامية والتي انطلقت أضواءها منذ قرون مضت ,حفظت للمغرب مذهبه المالكي وأثثت اللبنات الأولى لتعليم أصيل وتقليدي يوطد علاقة المغاربة بالدين الإسلامي على مر السنين . هذا ويأتي بناء صرح هذه المعلمة الدينية بالمنطقة كجسر للتواصل يربط حاضر المنطقة العبدية الحمرية الدكالية بتاريخها التليد , حيث كان الأمراء والنوابغ يتلقون أبجديات العلوم المختلفة بالمدرسة الأميرية على بعد حوالي 65 كيلومتر من أسفي , بالضبط ببلدة الشماعية في اتجاه مدينة مراكش بمعلمة شاء لها الاندثار لكن بقيت أسوارها شامخة , تؤكد أن هاهنا نحث الإنسان والتاريخ معا حروف أبجديات الفروسية والرماية وركوب الخيل والعلوم الشرعية وكان تأسيسها يرجع للسلطان محمد بن عبد الله بن إسماعيل (من 1710 إلى 1790)،الذي اختار منطقة "احمر"للمدرسة الأميرية والتي أرخت لفترة من تاريخ المغرب و شكلت في وقت من الأوقات محجا للأمراء والسلاطين والنخبة من علية القوم من الفئات المثقفة آنذاك ضمن بعثاث علمية ليغرفوا من ينابيع العلوم وليتمرس رجالات المستقبل بركوب الخيل وفنون الحرب , منهم السلطان المولى سليمان والسلطان المولاي الحسن الأول والسلطان مولاي عبد الحفيظ، كما شكلت مجمعا لجهابذة العلماء والفقهاء المغاربة أمثال محمد بن عبد الواحد بن سودة أستاذ الحسن الأول، والتهامي بن عبد القادر المراكشي المدعو بابن الحداد المكناسي و شعيب الدكالى و ظلت تستقبل الأمراء العلويين ومرافقيهم ابتداء من أبناء محمد بن عبدالله إلى أبناء السلطان الحسن الأول، ان تطرقنا اليوم للحديث عن معهد العرفان يقودنا للحديث عن الأدوار الطلائعية التي لعبها التعليم العتيق بالمغرب والتي كان يتوزع بين التسيير والتدبير الجماعي الذي يعتمد على المحسنين في شكل هبات كما هو الشأن بالنسبة لمعهد العرفان ثم الشق الأكاديمي الخاضع لتسيير مؤسساتي تابع للدولة ولكن ليس في عصرنا الحاضر وانما يجرنا للحديث عن جامع القرويين الذي تم تأسيسه عام 245 ه/859م والذي يذكرنا بتاريخنا العلمي حيث صنف جامع القرويين كأقدم الجامعات العلمية على الإطلاق التي أنشئت في تاريخ العالم، وحسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية فإن هذه الجامعة هي أقدم واحدة في العالم والتي لا زالت تُدرس حتى اليوم. جامع وانتقل من مرحلة الجامع إلى الجامعة في عهد دولة المرابطين، حيث قام العديد من العلماء باتخاذ المسجد مقرا لدروسهم. وفي عصر دولة بني مرين دخل جامع القرويين مرحلة الجامعة الحقيقية، حيث بنيت العديد من المدارس حوله وعزز الجامع بالكراسي العلمية والخزانات. كل ذلك يبرز بجلاء أن المرأة العربية المغربية المسلمة لم تكن يوما سجينة ردهات البيوت والمنازل وأنها لم تكن تخاطب الرجال من وراء حجاب وإنما كانت نبراسا للعلم والمعرفة وهي بكل بساطة فاطمة الفهرية الغالمة بامور التشييد والعمارة ,والتي جعلت من جامعها جامعة و معلمة للقرويين وغيرهم , تخرج فيها علماء الغرب والشرق ، وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة. درس فيها سيلفستر الثاني غربيرت دورياك، الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م، ويقال أنه هو من أدخل بعد رجوعه إلى أوروبا الأعداد العربية. كما أن موسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودي قضى فيها بضع سنوات قام خلالها بمزاولة التدريس في جامعة القرويين. كما درّس فيها الفقيه المالكي أبو عمران الفاسي وابن البنا المراكشي وابن العربي وابن رشيد السبتي وابن الحاج الفاسي وابن ميمون الغماري، زارها الشريف الإدريسي ومكث فيها مدة كما زارها ابن زهر مرات عديدة ودون النحوي ابن آجروم كتابه المعروف في النحو فيها. ولقد اشتهر من فاس جماعة من أهل العلم ونسبوا إليها منهم أبو عمرو عمران بن موسى الفاسي فقيه أهل القيروان في وقته. وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء وهو أشهر رياضي في عصره، وأبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وكان قد هاجر من الأندلس وتوفي بفاس. ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن عربي الحكيم وابن مرزوق. وخلاصة القول أنه طالما كان ولازال للمدارس الدينية العتيقة دورها المهم ولو اختلفت أسماؤها ومسمياتها و انها لامحالة تشكل قيمة مضافة للمشهد المغربي في الحفاظ على الهوية المغربية ويبقى أبرزها مشهد القراءة الجماعية للقرآن الكريم بالطريقة المغربية الصرفة الذي حفظ لقرآن الكريم حفظه في الصدور .