ثلاثة أيام تمضي، فتتحرك جحافل العناصر الأمنية بكل أصنافها، تتصدرها قوات التدخل السريع، والأجهزة المتطورة لمحاربة الشغب، وطابور طويل من سيارات الإسعاف .. كل المؤشرات تؤكد أن الجهات الرسمية مصرة على تنفيد القرار بأي ثمن كان، وأن الأعداد الغفيرة التي خرجت الجمعة الماضية لن تخيف المسؤولين ولن تثنيهم عن إغلاق أبواب دور القرآن دفعة واحدة، من جهتها ، بدأت جموع السلفيين والجمعيات المدنية المساندة لها تتقاطر على الدور، وتستعد لمواجهة هذه الحشود المدججة بالعصي والزجاجات الواقية، بالاحتجاج والتنديد و بالتكبير والتهليل، وبقراءة القرآن ورفع الرايات المغربية، كان الموقف مؤثرا، أسئلة كثيرة تطرح دون أن يلقى لها الحضور جوابا محددا، هل سيرضخ السلفيون للاوامر ويغلقوا ابواب دورهم وينسحبوا في سلام؟ أم سيركبون رؤوسهم وسيدخلون في مواجهات مجهولة العواقب ؟ هل سيعتصمون ...وهل ستفلح تدخلات وزراء وبرلمانيو حزب العدالة والتنمية الذين استفادوا كثيرا من سند الشيخ المغراوي وأتباعه في فك العزلة عن دور القرآن؟ وهل سيدخل مناضلو حزب المصباح في تحالف مع السلفيين في مواجهة ما اعتبروه ظلما وحيفا في حقهم. في الجهة المقابلة، رجال الأمن المرابضين أمام دور القرآن تحت أشعة الشمس الحارة: هل سيعمدون إلى إخلاء تلك الدور بالقوة، ولم اصطفت سيارات الإسعاف وتلك المزودة بخراطيم المياه؟ وما ذنب أطفال أقل من عشر سنوات يتواجدون داخل قاعة الحفظ يتلون كتاب الله، وعيونهم تترقب ما يجري بالداخل والخارج . توصل المحتجون بساندويتشات من أجل سد جوعهم وحصل الاختلاف حول مصدرها، حيث البعض أشار إلى رئيسة المجلس الجماعي، وآخر إلى المحسنين من المتعاطفين والمنتمين إلى دار القرآن، وبدلا من ان يتقاسموها بيهم، فضلوا إهداءها إلى العناصر الأمنية، وكأنهم بفعلهم هذا يؤكدون :" على تمسكهم بالسلم ونبذ العنف، والحرص على وحدة الشمل والعفو عند المقدرة، أما المسؤولين الأمنيين فبدورهم كانوا يسعون لتنفيذ الأوامر وتجنب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الاصطدام، كما كانوا يترقبون ما يصدر عن شيخ المغراوي من تعليمات لأتباعه. وأملهم أن يفضي ذلك إلى انسحاب السلفيين سلميا و بدون مشاكل، مكتب جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، وجمعيات المجتمع المدني يدخلان في تشاور، ورغم الاختلافات في المواقف، إلا أن الجميع كان يترقب أن ينفرج الوضع وتفضي الاتصالات الجارية بين الشيخ عبد الرحمن المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بالمسؤولين المحليين و غير المحليين إلى نتيجة. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لم تكن خارج التغطية، فقد أصدرت بيانا تستنكر فيه "كل الادعاءات التي تحاول أن توهم بعض الناس" أن القرار الذي اتخذته لإغلاق الأماكن التابعة ل(جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة) بمراكش والتي تسميها (دور القرآن)، فيه منع لتعليم القرآن والتضييق على نشره. وأضافت الوزارة، بصفتها المسؤولة عن تدبير الشأن الديني، ومن ضمنه التعليم الديني في إطار التعليم العتيق، في بيان أن هذه "الادعاءات لا يمكن أن يصدقها الناس من حيث يكذبها منطق التاريخ في المغرب ويفندها واقع العناية بالقرآن الكريم في المملكة المغربية". وأكدت الوزارة أن قرار إغلاق أماكن التعليم التي تسميها الجمعية سالفة الذكر ب"دور القرآن" صدر طبقا للقانون، مشددة على أن "كل تعليم يستهدف العموم، ويكون مضمونه الدين، سواء كان تحفيظا للقرآن أو تعليما للعلوم الشرعية، يقع تحت طائلة قانون التعليم العتيق، بقطع النظر عمن يقوم به أو الأماكن التي يتم فيها. مشيرة إلى أن أصحاب الأماكن التي شملها قرار الإغلاق رفضوا تسوية وضعيتهم إزاء السلطات الوصية على التعليم العتيق في الآجال المقررة، كما أنهم لم يقبلوا الإشراف الذي يخوله القانون لسلطات الوصاية على التعليم العتيق بالرغم من التنبيهات المتكررة منذ حلول الآجال المحددة قانونيا. وأضافت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن "الذي يخضع حتما لضوابط القانون هو النشاط الممارس ومدى مطابقة ممارسته للقانون، سواء كان القائم به شخصا طبيعيا أو معنويا، جمعية أو غيرها"، مبرزة أنه "على كل شخص ذاتي أو معنوي يريد أن يعلم القرآن للصغار أو الكبار أن يؤسس كتابا قرآنيا بعد الحصول على ترخيص يعطي لنشاطه في هذا المجال الشرعية، كما يعطيه الحق في الحصول على الدعم المنصوص عليه قانونا، ويستتبع في نفس الوقت المراقبة التربوية المنصوص عليها". أخيرا يرن هاتف الشيخ المغراوي ليطلب من رواد دار القرآن والمتعاطفين معها بالانسحاب ريثما ينظر في الأمر