في بادرة رمزية قام موظفو جامعة القاضي عياض بتنظيم شكل احتجاجي فريد من نوعه ، فاختاروا في ظل جو الاحتقان و التوجس الذي خيم على أجواء الجامعة أن يسطروا هذه المرة مطلبهم الأساسي بأجسادهم. كانت حقا لحظة مميزة تلك التي قرر فيها الموظفون أن يكتبوا كلمة "كرامة" على أرض الجامعة التي يعملون بها و يظهروا للجميع بأنهم لن يتنازلوا و لن يحيدوا قيد أنملة عن حقهم في ممارسة عملهم في جو يسوده الاحترام المتبادل و يحكمه مبدأ الشراكة و التشاور من أجل الصالح العام. إقدام الموظفين على خطوة مثل هذه له حمولة سيميائية عميقة و هو في حد ذاته إشارة رمزية تنضح بكل معاني الإصرار و الصمود في وجه التعسف و الشطط في استعمال الصلاحيات و السلطات. هذه البادرة تظهر أيضا مدى وعي هذه الفئة من العاملين بالجامعة و تبرهن لجميع الفاعلين بالحقل الجامعي بأن الموظفين قادرين على التعبير عن مطالبهم بشتى الأشكال الاحتجاجية الحضارية التي يخولها لهم القانون و بأنهم قادرون أيضا على خلق أشكال مبدعة تعكس مدى انخراطهم في معركة الكرامة و مدى تشبتهم بهذا المطلب الأساسي. أن المغرب يعيش عهدا جديدا تمارس فيه الحريات و تحترم فيه الاختلافات و يعامل فيه الناس على قدم المساوة، سواء كانوا رؤساء أو مرؤوسين، وجهاء أو مساكين. تحتاج عقلية بعض المسؤولين الجامعيين إلى تحديث حقيقي لكي يجعلها تواكب ما يحصل اليوم ببلدنا العزيز و إلى جهد جهيد لكي تستوعب مدى البون الشاسع الذي يفرق ما كان بما هو كائن اليوم. جامعة القاضي عياض دخلت نفقا طويلا و مظلما لا مخرج منه إلا بنهج سياسة التوافقات و التواصل الحقيقي الذي يأسسه الحوار و المعاملة المتوازنة. لا أحد يمكنه التنبؤ بمستقبل الأحداث بعد أن أكملت احتجاجات الموظفين شهرها الثالث و لكن الكل مجمع على أنه قد حان وقت التغيير ، و لا مفر من "الكرامة"...