ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تجليات الخط العربي في العمارة الاسلامية
نشر في المسائية العربية يوم 03 - 07 - 2010


للمسائية العربية
محمد البندوري- مراكش - المغرب
يعتبر موضوع العمارة الإسلامية من الموضوعات الكبيرة والمتشعبة والمترامية الأطراف، ولا شك أن من مترامياته مجال الخط العربي، هذا العنصر الذي أنجب في جزيرة العرب ونما وترعرع، وصار مكتمل الشروط الجمالية، في ظل الدولة الإسلامية على طول وعرض امتدادها الجغرافي.
وبالعودة إلى المصادر القديمة، نجد ابن قتيبة قد خصص له مساحة أدبية ونقدية، من خلال رسالته في الخط والقلم، ونجد أبا بكر الصولي من خلال كتابه أدب الكتاب،قد وضع بابا مفصلا حول الخط والقلم ،وكذلك الجاحظ في رسائله أو من خلال كتاب الحيوان، ونفس الشيء لأبي حيان التوحيدي، وابن الصايغ من خلال التحفة، وغيرهم . وقد عنيت الدراسات الحديثة والمعاصرة بعنصر الخط العربي من خلال تخصيص العديد من المؤلفات، كروح الخط العربي ونفائس الخط العربي ومصور الخط العربي وبدائع الخط العربي وغيرها. ومن تم تبدو المفارقة جلية بين المصادر القديمة والمؤلفات الحديثة في تناول مجال الخط العربي بدءا من التسمية.
*- الخط العربي في علاقته بالإنسان والعمارة
إن العلاقة التي تربط الخط العربي بالإنسان والعمارة لا تتخطى نطاق العلاقة الجدلية ذات النسق الثلاثي المجتمع الغير قابل للتفكيك، في ارتباط وثيق بحلقات الاستخلاف، ونهج التعمير على مختلف تفرعاته، والتي تنبني في عمقها على مبدأ التوحيد .
وللتدليل على ذلك، تذكر المصادر القديمة " أن أول من كتب الكتاب العربي والسورياني والكتب كلها آدم عليه السلام ..كتبها في طين وطبخه، فلما أصاب الأرض الغرق، وجد كل قوم كتاب فكتبوه، فأصاب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي." وفي صبح الأعشى :" .. وقيل إنها أنزلت على آدم عليه السلام في إحدى وعشرين صحيفة، وقضية هذه المقالة أنها توقيفية علمها الله تعالى بالوحي."وهناك من أسند ذلك إلى إسماعيل عليه السلام :" قال السهيلي رحمه الله في التعريف والإعلام: والأصح ما رويناه من طريق أبي عمر بن عبد البر[] رحمه الله يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول من كتب بالعربية إسماعيل عليه السلام."
إلا أن بعض الدراسات الحديثة والمعاصرة تعتبر أن هذه الروايات، هي من قبيل الخرافة، ومن ذلك ما أورده ولفنسون :" لا شك أن هذه الروايات مشبعة بروح البساطة...حتى لتبدو للباحث أقرب للخرافات منها إلى الحقائق التاريخية."ويقول تمام حسان:" يروي الرواة العرب عن نشأة الخط روايات متعددة يبدو منها لأول وهلة عنصر الخرافة والبعد عن القبول."
أقول: لا يجب تغييب مجال الرواية الشفهية الذي شكل نواة تواثر الأخبار وكل المرويات في عصور تمتد في عمق الزمن القديم، حيث تتعرض الصحف للضياع، إما لبلاها أو لتآكها بفعل القدم، وليست الدلائل المادية السبيل العلمي الوحيد الأوحد المثبت للحقيقة العلمية. وإن كان الدليل المادي أكثر واقعية في استكشاف الحقائق، إلا أن هناك من الروايات الشفهية، ما ثبت الحقيقة أو ساعد على تثبيتها، وبين تين الخلتين، يظل الباحث حسيرا لأن الموضوع يضرب بجذوره في أعماق القدم.
لقد انتقل الإنسان من ثقافة الكتابة الطينية إلى ثقافة الجدار، ولعل الدلائل المادية في هذا المجال كثيرة ومتنوعة، بتنوع الثقافات والحضارات القديمة . ولا شك أن الإنسان في صياغته للثقافة الكتابية، قد استقى من الطبيعة ومن محيطه البيئي ما أمده بخلق أنماط تعميرية نفعية، تساعده على الاستخلاف في الأرض وتمنحه قوة الاستمرار والتقدم. فنحت الإنسان حروفه وصففها تصفيفا بديعا على الجدران وعلى الصخور، ليغذي بها مجاله النفعي من كتابة عقود البيوع والشراء ومواثيق الحروب والهدنة وغيرها، مما بقي مخلدا لانتصاراته ومدونا لوجوده، ومن تجليات ذلك، أنماط الخطوط الضاربة في أحضان التاريخ مثل الكتابات المسندية ذات الزوايا الحادة التي نحتها الحميريون. يقول ابن خلدون:" وكان لحمير كتابة تسمى المسند، كانوا يمنعون من تعلمها إلا بإذنهم."
ويعتبر الخط الحميري من أجمل الكتابات المنحوتة على الجدران، فالكتابات المسندية تمتاز عادة بتناسق الحروف والتصفيف الدقيق .
أما بخصوص الكتابات الخطية العربية، فإنها تتجلى في كل الوسائل العمرانية ولعل من أقدمها ما أورده كامل بابا، في أحدث ما وصل إليه الباحثون بهذا الصدد، حيث يقول :" ذهب المستشرق الهولندي (فان دي برادن) إلى أن الكتابة العربية والكتابة الكنعانية كانت نشأتهما في شبه جزيرة سيناء، ففي سنة 1904م و1905م اكتشفت في سيناء نقوش بخط يقرب من الخط المصري الهيروغليفي." وتذكر المصادر، أن منطقة سيناء كانت عربية تحت إمرة عربية، وقد لاحظ فان دي برادن" أن منطقة سيناء التي عثر فيها على هذه النصوص، كانت تابعة للعالم العربي.. وأن سكان هذه المنطقة الذين كانوا يعملون في مناجم النحاس والفيروز، هم الذين اخترعوا على الأرجح هذه الألفباء ليكتبوا بها لغتهم التي تحوي ثمانية وعشرين صوتا، والتي يرجح أنها لغة عربية، أما النقوش التي تركوها فيعود تاريخها إلى زمن يتراوح بين 1500 و 1800 قبل الميلاد." أما انتشارها في الشرق فقد كان "على يد أهالي مدين، وهم الذين أشاعوها في الغالب بين سكان بادية الشام الذين كانوا يتوافدون للقيام بمناسكهم في (دير الله) ." علما " أن ألفباء دير الله تحتوي على ثمانية وعشرين صوتا، وإن آثاره الخطية تنطق بلغة عربية."
وهناك نقوش خطية أخرى مثل نقش أم الجمال ونقش النمارة ونقش حران، هذا الأخير الذي يقول عنه عفيف البهنسي:" إن كتابة حران على الجدران تشكل أساس الخط المدني الذي نراه في المصاحف."
وبالإضافة إلى هذا النسق الترابطي الخطي العمراني، فقد قدم د. عبد النعيم محمد أخصائي الأثريات دراسة شاملة اعتمادا على الفن الصخراوي تستبعد نظرية الأصل الخارجي، وتقوم على دراسة المجال من داخله بعيدا عن كل تأثير خارجي.
ويستنتج من هذه الشواهد الأثرية، ذاك الدليل على مكانة العرب الثقافية، فقد كان لهم دور في تطوير الثقافة العالمية، من خلال نقوش طور سيناء، كما شكل الخط العربي في علاقته بالإنسان العربي وبالعمران إثباتا للمكانة المعرفية والثقافية ، وبرهانا على أن مجال الكتابة كان سائدا في جزيرة العرب على خلاف النظريات التأميمية التي ظلت لردح من الزمن، تجرد الإنسان العربي من هذا المكسب.
2*- الإسلام جعل من الخط العربي مكونا أساسيا في تأسيس خصائص العمارة الإسلامية
ببزوغ الإسلام، أصبحت وظيفة الخط العربي، من خلال تجلياته العمرانية المختلفة، تحمل طابعا أخلاقيا وتربويا ، تدل على ذلك، الشواهد العمرانية الإسلامية، ولعل البوادر الأولى لذلك تتجلى في الرسائل التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، يدعوهم فيها إلى الإسلام وعمارة الأرض بالصلاح والخير . ومما يميز كتاباتها هو الخط الكوفي القديم ، المختزل للمعاني التربوية الأخلاقية،المتبدية أولا، في الخاتم النبوي. حيث جعل صلى الله عليه وسلم اسمه أسفل اسم الجلالة، مما ينم على تأدبه مع ربه ، وتتبدى تلك العلاقة التربوية المبنية على حسن ومكارم الأخلاق. والتي ستظهر وتبدو تأثيراتها في الصحابة رضوان الله عليهم وفي التابعين وتابعيهم، ويلمس هذا الأثر من خلال تجليات الخط العربي في العمارة الإسلامية، خصوصا مع ازدهار العمران والاستبحار فيه حين فترات الازدهار الاقتصادي، يقول ابن خلدون:" واختط بنو العباس بغداد وترقت الخطوط فيها إلى الغاية لما استبحرت في العمران وكانت دار الإسلام ومركز الدولة العربية."وفي موضع آخر، أعزى ابن خلدون انقطاع صناعة الخط إلى انتقاص العمران وهو مؤشر على العلاقة التي تحكم الخط العربي والعمارة الإسلامية، تلك التي هذبها الإسلام وقومها ووجهها،حتى سمت بالخط العربي إلى مراتب جمالية بهرت العالم في أزمنة مختلفة، ويكفي إيراد ثلاثة نماذج لذلك:
1- إن الخليفة العباسي الواثق أنفذ ابن الترجمان بهدايا إلى ملك الروم فرآهم قد علقوا على باب كنيستهم كتابا بالعربية، فسأل عنها فقيل له هذه كتب المأمون بخط احمد بن أبي خالد استحسنوا صورتها فعلقوها.
2- في عصر النهضة، يخضع ليوناردو دافنتشي إحساسه ويسلم ريشته للخط العربي والزخرفة الإسلامية من خلال تأثره بالمعمار الإسلامي. 3- إن رائد الفن الحديث بابلو بيكاسو صرح بأن أول شيء أراد الوصول إليه وهو النقطة، وجد الخط العربي قد سبقه إليه منذ آلاف السنين.
إن دواعي هذا الانبهار نتجت عن ارتباط الخط العربي بطقوس الفن الإسلامي العريق، وكذلك بتجليه في العمارة الإسلامية ، فالذي ميز الكتابات العربية على مختلف وسائل العمران منذ الصدر الأول من الإسلام، هو الطابع الكوفي الذي اتخذ أشكالا مختلفة، وتنوع إلى أنماط هندسية، ساعدت على إضفاء طابع إسلامي مجسد للعبارات الدينية الصرفة. ومع اتساع الرقعة الإسلامية التي امتدت من المحيط إلى المحيط، امتدادا في أوربا حتى حدود فيينا، ومرورا بوسط سيبريا، فسح المجال أمام تنوع الثقافات إلى تنوع أنماط الخط العربي، بل وخلق أساليب ذات مميزات وخصائص تنفرد بها كل منطقة عن الأخرى. ويتبدى ذلك جليا في النماذج الخطية الموسومة في كل مناحي العمارة الإسلامية. فظهر أسلوب الكوفة وبغداد مع سيادة الطابع الديني، وظهر أسلوب الحجاز ومصر من خلال خط الثلث، وبزغ الأسلوب الأسيوي الذي طور خط الثلث إلى النستعليق حيث أنار معمار شيراز وخراسان والسند، إلى جانب الخط الفارسي، الذي وسم العمارة الأسيوية بجمال سلاسته وتوسط حجمه، وفي أقصى شرق آسيا، بدا الطابع المنغولي شمال الصين بارزا من خلال تجلي الخط العربي المنغولي في مختلف وسائل العمران.
وبالتوجه إلى المنطقة الغربية من الرقعة الإسلامية، تتخذ ملامح العمارة خصائص خطية ذات أبعاد دلالية، وأخرى جمالية، يتبدى ذلك من خلال الأساليب الخطية في الأندلس والمغرب الأقصى ، ففي غرناطة أثبتت بعض الدراسات الإحصائية أن بهو السفراء(قراميش) لوحده يحتوي على 3116 كتابة عربية، وتتكر (ولا غالب إلا الله) أكثر من مائة مرة، وهو ما ينم على تجسيد العلاقة الوجدانية القائمة على مبدأ التوحيد والخضوع لله عز وجل. فأمام الإنجاز الغرناطي الفخم ، فإن الايمان بعظمة الله قائم ، والتكرار ملازم للوقع في البصر، ومنه إلى الا شعور، باعتبار أن مجال الرؤية البصرية، الذي بدأ مع ابن رشيق من خلال العمدة، ونما بالموازاة مع توظيف الصورة الجمالية خلال هذه الفترة مع حازم القرطاجني، من خلال منهاج البلغاء، والتجسيدات التي طالت مجال الأشكال البديعية مثل التختيم مع أبي البقاء الرندي، والتشجير وغيرها مما برز في القرنين السادس والسابع الهجريين، قد كان له الأثر البليغ في اكتساب الخط المرئي دلالات بصرية، تقتحم مجال ألا شعور بفضل المتكررات من الحروف أو الكلمات أو الجمل. وهذا الأسلوب، تميزت به غرناطة تحديدا. أما من حيث البعد الجمالي والذي يتحدد هو الآخر بالرؤية البصرية، فقد اعتبر النقاد التجليات الجمالية للخط العربي في العمارة الإسلامية، الأنموذج الأقوى الدال على روعة وحسن الخط مقارنة بباقي الاستعمالات، بالرغم مما يصدفه المنحى الجمالي من نقدات تتخد سبلا متعددة. لكن هناك دراسات، تمنح الجمال حقا، وتخصص له حيزا دلاليا استشهادا بالآيات القرآنية الكريمة:" والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم والخيل والبغال لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون."
فالجمال والزينة يحملان دلالة مقصدية تعبدية داخل البناء التشريعي ولعل من التفاسير التي وردت في هذا الشأن، تدل على ذلك. ومن الآيات :" يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم
يعلمون." "﴿ ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين." ﴾وفي الحديث الشريف: إن الله جميل يحب الجمال.
إن هذا البعد، قد حضر كذلك في التجربة المغربية بالموازاة مع الطابع الديني الذي ميز كل تجليات الخط العربي في العمارة الإسلامية، يتجلى ذلك في النصوص القرآنية بالخط المغربي المبسوط أو المجوهر أو غيرهما من الخطوط المغربية التي وسمت العمارة الإسلامية بدليل خطي صرف.
وتتجلى الاستعمالات اليومية للخط المغربي في النقود والأنسجة وكل وسائل الحياة اليومية. وكلها تتوحد في اتخاذ الشكل الجمالي الأمثل وكذلك في اشتمالها على العبارات الدينية ذات الدلالات التوحيدية أو الإرشادية أو غيرها.
وقد اتخذت التجليات منحى جماليا آخر، في العهد الحديث والمعاصر، حيث بدت صور الحروف في أشكال تعبيرية مغايرة للمألوف، سواء على الخزف أو الخشب أو غيرها من الوسائل، كما غزا الخط المغربي الشعر الحديث في نطاق البحث عن بلاغة جديدة تخرج القصيدة العربية من روتينها المعتاد، إلى شكل جديد يتخذ من الخط رمزا دلاليا يعتمد الرؤية البصرية مجالا تعبيريا قبل السمع.
خلاصات
1 الخط العربي مظهر من مظاهر الجمال في العمارة الإسلامية.
2 استطاع الخط العربي من خلال تجلياته أن يرسخ طابعا خاصا تعرف به العمارة الإسلامية لدى جميع الأجناس.
3 تفوق الخط العربي في إضفاء الطابع الروحاني على العمارة الإسلامية ، بقيمة جمالية وأشكال دلالية.
4الخط العربي بانصهاره في العمارة الإسلامية، قد ساهم في تربية الذوق وتهذيبه، وساهم في مزج المجال الجمالي بالجانب الروحي .
5 تجلي الخط العربي في العمارة الإسلامية، ساعد في لفت النظر إلى ما يعبر عنه النقاد بمجال الرؤية البصرية.
6 العلاقة الثلاثية (الخط الإنسان العمارة)، نجحت في تأدية أدوارها المختلفة لأنها قامت على المبادئ التربوية والأخلاقية.
الهامش:
- الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها لابن فارس تحقيق عمر فاروق الطباع مكتبة المعارف بيروت
- لبنان 1993م ص 382 -صبح الأعشى للقلقشندي ج3 ص 9 والروايتان وردتا في عدة مصادر ومراجع منها الفهرست لابن النديم والمزهر للسيوطي وغيرهما.
- هو عبد الرحمان بن عبد الله الخشعمي السهيلي حافظ ضرير عالم باللغة والسير توفي بمراكش سنة 581 ه وعنوان كتابه المذكور : التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام ج3 ص 313(صبح الأعشى في صناعة الانشا لأحمد بن علي القلقشندي شرحه وعلق عليه محمد حسين شمس الدين دار الكتب العلمية بيروت لبنان الطبعة الأولى 1407ه 1987/ ج3ص 13) والامام السهيلي هو احد الرجالات السبعة بمدينة مراكش .
- هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي من كبار حفاظ الحديث مؤرخ بحاثة ولد بقرطبة وتوفي بشاطبة سنة 40ه (الأعلام 8/240)( صبح الأعشى 3/13)
- صبح الأعشى، سابق، ج3 ص13
- تاريخ اللغات السامية ولفنسون (أبو ذؤيب) دار القلم بيروت لبنان الطبعة الأولى 1980م ص 197
- اللغة بين المعيارية والوصفية تمام حسان كلية دار العلوم جامعة القاهرة ودار الثقافة البيضاء مطبعة النجاح 1400ه 1980م
- المقدمة لابن خلدون طبعة جديدة كاملة مصححة دار صادر بيروت الطبعة الأولى 2000م ص 310 8-
- روح الخط العربي كامل بابا دار العلم للملايين ودار لبنان للطباعة والنشر الطبعة الثالثة يناير 1994 ص
- نفسه ، ص20
- نفسه، ص 21
- نفسه، ص21
- نفسه، ص 21
- جريدة الشرق الأوسط عدد 8517 الأحد 11 محرم 1423 24 مارس 2002 الرياض الصفحة آثار وعمارة
- المقدمة، سابق، ص 312
- روح الخط العربي سابق، ص 16.
- مقالة حول تطور الخط العربي – محمد البندوري مجلة التواصل العدد1 ص19
-سورة النحل الآيات 5-6-7-8
- سورة الأعراف.:31و32
- الحجر الآية 16


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.