تستقبل المؤسسات المالية بمدينة الناظور ثاني أكبر عدد من الودائع البنكية بعد الدارالبيضاء بما يفوق 14 مليار درهم (إلى حدود نهاية شهر فبراير الماضي)، دون احتساب تلك المرتبطة بنواحيها المحسوبة عليها إداريا. الرقم الصادر عن بنك المغرب يثير تساؤلات عدة، من قبيل كيف لمدينة لا تتميز بحركة اقتصادية نشيطة أن تتبوأ مراتب أولى على مستوى الودائع البنكية، علما بأنها كانت في وقت من الأوقات من أولى المناطق التي تهرع ساكنتها للاكتتاب في سندات الخزينة التي كانت تطلقها الدولة. البعض يرجع هذه المكانة التي تحتلها مدينة الناظور إلى ارتباطها بالأنشطة التجارية لمدينة مليلية وإلى تحويلات مغاربة الخارج من أصول ريفية، فيما يرى البعض الآخر أن عائدات تجارة المخدرات هي السبب الرئيسي في ارتفاع الودائع البنكية بهذه المدينة، إذ لو كانت تحويلات المغاربة المنحدرين من الناظور حاسمة لما تقدمت على مدينة أكادير التي يقيم عدد كبير من ساكنتها بالخارج، ناهيك عن النشاط الاقتصادي الكبير الذي تعرفه المدينة. شمال المغرب منطقة مرتبطة في مخيلة المغاربة بزراعة تنفرد بها وتجارة ظلت مداخيلها وأرباحها توزع بشكل غير عادل بين المتدخلين فيها، وجزء منها مغرب «غير نافع» لا تنعكس الملايير الكثيرة التي تدرها التجارة التي يتميز بها على مدنه. زراعة القنب الهندي أو «الكيف» بعدد من الأرياف بالشمال والاتجار في هذا النوع من المخدرات وتصنيعه بتحويله إلى «حشيش» وتصدير ما يناهز 90 في المائة من الإنتاج في اتجاه أوربا عبر إسبانيا، كلها عوامل ساهمت في خلق نشاط اقتصادي من نوع خاص بمجموعة من المدن الشمالية. يجمع من امتهنوا زراعة القنب الهندي، ممن التقتهم «المساء»، أن دخلهم المالي هو الأضعف في حلقة إنتاج وتسويق «الحشيش»، إذ إن دورهم ينحصر في الزراعة وحصد المحصول، ويستعين المزارع في عمله بزوجته وأبنائه، ومنهم الأطفال، إضافة إلى بعض العمال الموسميين مقابل أجر يومي عن العمل يتراوح ما بين 60 و70 درهما. «الدقاق» الماهر أجرته لا تقل عن 200 درهم في اليوم الواحد وقد تصل إلى 500 درهم، وذلك في المرحلة الموالية للإنتاج المرتبطة بالغربلة، وهندسة قطع الحشيش، و«الحمال» الذي يوصل «السخرة» ويقوم بعملية الشحن يتقاضى عن عمله ما بين 200 إلى 500 درهم للكيلو الواحد، وذلك لإيصالها إلى نقاط العبور حيث ترسو الزوارق النفاثة. سلسلة الإنتاج يتدخل فيها عدد المتدخلين والوسطاء وقياس انعكاسات تجارة «الحشيش» على جيوب المزارعين ومنتجيه والمُسهلين لعبوره عبر المدن في اتجاه الزوارق النفاثة، إضافة إلى حجم عائدات هذه التجارة على الوكالات البنكية في المناطق الشمالية وقطاعات تبييض أمواله، كل ذلك دفع «المساء» إلى معالجة هذا الموضوع من شقه الاقتصادي. التفاصيل في تحقيق شامل ينشر غدا.