كان هذا الرجل المنحدر من الزاوية البودشيشية يسعى إلى لعب دور المصلحين التاريخيين الذين عرفهم التاريخ الإسلامي، والذين راح يعدد أسماءهم ومحنهم. ومباشرة بعد خروجه من الاعتقال عام 1978، تجاوز منعه من الخطابة وإلقاء الدروس في مساجد المملكة بإصداره لجريدة «الجماعة». وعكف على تأليف الكتب والمراجع الفكرية والنظرية لتنظيمه الصوفي السياسي، تنظيم بدأه بتأسيس ما سمي بأسرة الجماعة ثم جماعة العدل والإحسان. تغير مسار حياته عام 1974 بإقدامه على توجيه رسالة «الإسلام أو الطوفان» إلى الحسن الثاني، وأعقبها بشراء كفن يحمله معه في انتظار ما سيقع، لكن رد الملك الراحل لم يكن بذات الطرق التي استعملها مع اليساريين، بل أرسله ليستريح في مستشفى الأمراض العقلية ببرشيد. ورغم اعتقاله مرة أخرى والحكم عليه بالسجن والإقامة الجبرية، فإن قوة وشعبية الرجل لم تعرف إلا تزايدا، وبات الحج المتزايد لأتباع الجماعة يقض مضجع الحسن الثاني، خاصة أن خصمه المتصوف يرفض إمامته الدينية ويطعن في شرعية حكمه دينيا. ويتجاوز دور الزعيم الحزبي أو السياسي إلى مكانة المرشد التي لم يكن الملك الراحل يطيق سماعها. حرص عبد السلام ياسين على إبقاء جماعته خارج أي رهان مسلح ّأو استعمال للقوة، مما أكسبها قدرة على التأقلم والاستمرار. لكن مشكلة التنظيم أنه ظل منذ تأسيسه مرتبطا بشخص الشيخ، لكنه ولوحده كان قادرا كل مرة على إزعاج الحسن الثاني ودفعه إلى التأمل النظري في اجتهادات ياسين.