الحكومة حريصة على عدم تهديد السلم الاجتماعي، عبر التأكيد على الحفاظ على سعر الخبز في الحدود التي لا توفر دواعي التوتر الاجتماعي، في نفس الوقت تسعى إلى إضفاء نوع من الشفافية على عملية استيراد القمح حتى وصوله إلى المخابز والتجار، لذلك اقترحت نظاما جديدا، قبله مستوردو القمح ويتحفظ عليه أرباب المطاحن. المساء ينتظر أن يلتقي وزير الفلاحة والصيد البحري، يومه الإثنين، ممثلين عن الفيدرالية المغربية للمطاحن للحسم في بعض النقاط العالقة ذات الصلة بالنظام الجديد لدعم الدقيق، الذي يرتقب أن يدخل حيز التطبيق ابتداء من فاتح فبراير القادم ويستمر العمل به إلى غاية 30 ماي القادم. وقد استعرض وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، في الأسبوع الفارط، على مستوردي القمح وأرباب المطاحن تفاصيل النظام الجديد المقترح الذي يروم الحفاظ على سعر الدقيق اللين في حدود 3.50 دراهم، الشيء الذي سيسمح بحصر سعر الخبز في حدود 1.20 درهم، في نفس الوقت الذي تسعى فيه الدولة عبر النظام المقترح إلى التحكم جيدا في الدعم وإضفاء شفافية أكبر على نظام الفوترة الذي حامت حوله الكثير من الشكوك. وكانت الحكومة قررت، في شتنبر الماضي، تقديم دعم مباشر لأثمان القمح وإلغاء حقوق الجمرك على الواردات منه، وهي المبادرة التي سمحت بالحفاظ على أسعار الدقيق في حدود 3.50 دراهم للكيلوغرام عند الشراء من المطاحن، مما ساعد على عودة سعر الخبز إلى 1.20 درهم على إثر الاحتجاجات التي أثارها لجوء المخابز إلى الزيادة في سعره ب30 في المائة، معللة ذلك بارتفاع تكاليف الإنتاج التي تؤثر سلبا على هوامشها من الأرباح. النظام الجديد المقترح يحافظ على السعر الذي حددته السلطات العمومية عشية الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث يفترض أن يبيع مستوردو القمح اللين القنطار الواحد ب250 درهما للقنطار لأرباب المطاحن في الموانئ، في نفس الوقت الذي يفترض فيه أن يلجأ هؤلاْء الأخيرون إلى بيع الدقيق لأرباب المخابز والتجار ب 3.50 دراهم للكيلوغرام عند أبواب المطاحن، غير أنه تبين أن هذا النظام الذي اعتمد في شتنبر، بحثا عن السلم الاجتماعي، انطوى على خلل تجلى في كون المستوردين استعصى عليهم في بعض الأحيان استرداد الفرق بين سعر البيع المرجعي الذي فرضته الدولة والمحدد في 250 درهما للقنطار والسعر الحقيقي الذي اشتري به القمح في السوق الدولية، على اعتبار أن المستوردين يقدرون المتأخرات التي توجد في ذمة الدولة تجاههم ب2.5 مليار درهم. قبل مستوردو القمح النظام الجديد الذي اقترحته السلطات العمومية في الأسبوع الفارط، على اعتبار أنه يلبي انتظاراتهم، خاصة أن الدولة ستتدخل في الميناء من أجل تمكينهم من استرداد الفرق بين السعر المرجعي والسعر الذي اشتروا به القمح من السوق الدولية. هذا النظام يحفظ حقوقهم ويحفزهم على السعي إلى تأمين حاجيات السوق الداخلي. غير أنه يبدو أن النظام الجديد أثار تحفظات أرباب المطاحن، خاصة في ما يتعلق بالتعويض الجزافي الذي يخصص لنقل القمح من الموانئ إلى المطاحن، والذي حدد في ما بين 0 و16 درهما للقنطار، حسب المسافة. وهذا ما يرى فيه أرباب المطاحن تقليصا لهوامش ربحهم، فقد أوضح مصدر من الفيدرالية المغربية للمطاحن ل«المساء» أن تكلفة نقل القمح من ميناء الدار البيضاِء إلى الراشيدية، مثلا، تصل إلى 32 درهما، وهو ما يمثل ضعف السعر الجزافي الأعلى الذي تقترحه السلطات العمومية، مشيرا إلى أن أغلب شحنات القمح تنتهي في ميناء الدارالبيضاء، على اعتبار أن جل الموانيء الأخرى غير معدة لذلك. يشار إلى أن واردات القمح سجلت ارتفاعا كبيرا خلال السنة الفارطة بسبب الجفاف الذي ضرب المغرب والتهاب أسعاره في السوق الدولية، حيث تجاوز 400 دولار للطن. وأفضى ذلك في السنة الفارطة إلى الزيادة في مخصصات صندوق المقاصة الذي تأثر بالتقلبات الخارجية، فقد ترتب عن ارتفاع سعر القمح، على الخصوص، انخفاض في موارد الصندوق الخاص بسبب تخفيض الرسوم الجمركية وإلغائها فيما بعد، مما نتج عنه نقص في الموارد ب500 مليون درهم وانخفاض في موارد الحساب الخاص، ومن جهة أخرى تغطية الفارق في ما يخص السعر المستهدف بكلفة إجمالية تقدر بمليار درهم.