انشغلت وسائل الإعلام الإيطالية في الأسبوع الماضي بذكرى المحرقة وبما أسمته «معاداة السامية». فقد خصصت غالبية الصحف الإيطالية صفحات هامة للحديث عن هذا الموضوع بأبعاده المختلفة (التاريخية، الإنسانية، الثقافية، الدينية وحتى الفنية)، ليترك المجال للقنوات التلفزية لبث برامج وعرض أفلام تحكي معاناة الشعب اليهودي مع النظامين الفاشي والنازي إبان الحرب العالمية الثانية. القناة الرابعة الإيطالية عرضت فيلم «دي بيانيست» (عازف البيانو) لمخرجه البولندي الفرنسي رومان بولانسكي، ذي الأصول اليهودية، في وقت عرضت فيه قناة راي الثالثة برنامجا وثائقيا يحكي معاناة اليهود الإيطاليين مع النظام الفاشي، أما القناة السابعة فقد عرضت، في يوم الذكرى، وبشكل متتالٍ، أفلاما سينمائية تؤرخ لهذه المرحلة. السياسة الإيطالية هي الأخرى خلدت لهذه الذكرى وبشكل رسمي من خلال حكومة سليفيو برلسكوني ورئاسة الجمهورية والبرلمان الإيطالي التي نظمت جميعها لقاءات وحفلات حضرها ممثلو الجالية اليهودية بإيطاليا ويهود آخرون قدموا من جميع أنحاء العالم. وكانت الفاتيكان قد سبقت جميع من بإيطاليا وأوربا إلى تنظيم زيارة للبابا بنيديكتوس السادس عشر في بداية الأسبوع الماضي إلى كنيس اليهود الأكبر بروما لتخليد ذكرى «الهولوكوست» مستغلة الحدث لتحقيق أهداف ديبلوماسية واستراتيجية محضة كما كشفت عن ذلك بعض الصحف الإيطالية. فالبابا ومعه كل من في الفاتيكان يجدون أنفسهم محرجين بين الاعتراف بحركة القساوسة ليفيبفراني الذين ينفون المحرقة عن اليهود وبين إرضاء الجالية اليهودية بإيطاليا التي تعادي كل من ينفي هذا التاريخ لتعتبره معاديا لما تسميه «السامية». فقد كانت الجالية نفسها، رغم قلة عدد أبنائها، قد خلقت أزمة كبيرة للفاتيكان بعد أن قرر بنيديكتوس السادس عشر الاعتراف بحركة ليفيبفراني الكاثوليكة التي ينفي قساوستها، وعلى رأسهم القس الإنجليزي ريتشارد وليامسون، المحرقة عن اليهود ليعتبروها كذبة كبرى صدقها الغرب. وكانت الخلافات بين الجالية اليهودية بإيطاليا والفاتيكان قد اشتدت قبل أيام بعد أن قرر البابا القيام بقداس للمباركة والترحم على روح البابا بيو الثاني عشر الذي يعتبره اليهود، خصوصا منهم الإيطاليين، أحد المساندين للنظامين الفاشي والنازي والمعادين للسامية. ورغم تدخلات ومحاولات مكثفة لعدد من رجال الدين الكاثوليك ورجال السياسة الإيطاليين لإخماد الخلاف والتوتر بين الطرفين، فإن ذلك لم يكن كافيا بعد أن أعلن الأسقف البولندي تاديوسيز بييرونيك، في حوار له مع الجريدة الكاثوليكية بروما «بونتيفيكس» في الأسبوع الماضي، أن المحرقة لا أساس لها من الصحة وأن اليهود يستغلونها لتحقيق دعاية كبيرة لهم من أجل كسب تعاطف شعوب العالم معهم . تصريحات الأسقف البولندي كان لها وقع داخل الفاتيكان والجالية العبرية بإيطاليا بعد أن جلب أدلة تاريخية وطالب بتخصيص يوم ذكرى حتى للفلسطينيين وشعوب أخرى داستها آلة الإبادة. ولم يغفل تاديوسيز الإشارة إلى أن الإعلام يتحكم فيه اليهود في جميع بقاع العالم، وأنه السبب وراء انتشار فكرة المحرقة وخلق عدد من الروايات حولها. تصريحات الأسقف البولندي، خصوصا المتعلقة بسيطرة اليهود على الإعلام، جاءت مطابقة لأبحاث الإيطالي ماورومانّو، المختص في تاريخ الصهيونية، الذي أكد أن نسبة كبيرة من اليهود يشغلون مناصب القرار بعدد من المنابر الإعلامية الإيطالية، أمثال كليمنتي ميمون مدير القناة الإيطالية الخامسة، وغاد لينر مسير برنامج بقناة لاسيتي، وفيمّا نيرنستياين بصحيفة لا ستامبا، إضافة إلى مساندين للطرح الإسرائيلي، وعلى رأسهم الإيطالي فيلتري مدير صحيفة ليبيرو اليمينية، وآخرين.