«ماعندي حتى الصندالة، ونخلص غرامة ديال 30 مليون!»، يصرخ محمد معبرا عن رفضه للذعيرة التي توصل بها، إثر متابعته باتهامات تتعلق بقطع أشجار الأرز خارج القانون، فغير بعيد عن مدينة آزرو، وجد عدد من المبحوث عنهم بتهمة نهب «الذهب الأخضر» ملاذا «آمنا» وسط الجبال، حتى إذا وصل خبر قدوم عناصر الدرك الملكي لاذ الملاحقون من طرف العدالة بالفرار. في هذه المناطق تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، لتقفز أسعار حطب التدفئة إلى مستويات لا تستطيع معها الأسر الفقيرة أن توفر هذه المادة الحيوية، خاصة تلك التي لا يمكنها استغلال الشجر الميت. «سعر الحطب وصل هذه السنة إلى درهم واحد للكليوغرام، فضلا عن مصاريف نقله»، يوضح محمد، الذي لم يتردد في التأكيد على أن من يضطرون لاقتناء الحطب لابد أن يوفروا ميزانية تتجاوز 4000 درهم في موسم البرد. دفء الغابة «مداخيلنا المالية ضعيفة، وإذا لم نكن نتوفر على حطب التدفئة، فلا يوجد سبب لنستمر في العيش وسط هذه الجبال الباردة». هكذا لخص حمو، أحد سكان قرية آيت بوزيان، القريبة من مدينة تمحضيت، قساوة العيش في هذه المناطق التي تزداد حدة في فصل الشتاء، وقد يضطر التلاميذ إلى الانقطاع عن الدراسة، فيما يواجه المرضى ظروفا صعبة تصل حد نقل النساء على نعوش الأموات. هذه السنة تأخرت الأمطار والثلوج، لكن برودة الطقس زحفت على سكان هذه الدواوير الفقيرة بشكل مبكر. هنا يتراوح سعر القنطار الواحد من حطب التدفئة بين 100 و120 درهما، أي ما يكفي لسد حاجيات ثلاثة أو أربعة أيام، ليضطر السكان إلى العودة للسوق قصد شراء الحطب من جديد. في المحصلة، ميزانية حطب التدفئة قد تصل إلى 1200 درهم للشهر. بيد أن مصالح المندوبية السامية للمياه والغابات تسمح لسكان الغابة باستغلال الحطب في محاولة للتخفيف من أعباء الحياة في هذه المناطق. يقول حمو بنبرة حادة: «لا يمكنهم أن يمنعوننا من استعمال حطب التدفئة، لأننا نعيش هنا ب«البركة» وبدون مدخول قار»، ثم زاد موضحا: «الحياة صعبة جدا في الجبال، ونحتاج لأبسط مستلزمات العيش ولا نطالب بالرفاه». وحسب الإحصائيات الرسمية، يقدر الاستهلاك الإجمالي لحطب التدفئة بحوالي 11.3 مليون طن، منها 6 ملايين طن مصدرها الغابة، بما يشكل 53 في المائة. وتستحوذ المناطق القروية على نصيب الأسد من استهلاك الحطب بنسبة 88.7 في المائة، بينما تقدر النسبة على مستوى المدن ب11.3 في المائة. بيد أن المعطى الخطير هو التفاوت الحاصل بين الشجر المقطوع والقدرة الإنتاجية للغابة. وهكذا، فإذا كانت الغابات المغربية تحقق معدل نمو سنوي يقدر ب 3.25 ملايين طن، فإن استهلاك الحطب، المحصل عليه بشكل مباشر من الغابات، يصل إلى 6 ملايين طن، وهو ما يجعلها تواجه عجزا يقدر ب3 ملايين طن. عصابات منظمة إلى جانب العجز الحاصل بين العرض والطلب، تواجه الغابات إشكالية انتشار بعض العصابات المنظمة المختصة في نهب شجر الأرز، والتي تعمل على توجيهه نحو بعض المدن الكبرى قصد استغلاله في الصناعات الخشبية. هذه العصابات تكون مدججة بأدوات متطورة، وبأسلحة نارية وبيضاء قصد مواجهة أعوان وأطر مندوبية الغابات والقوات العمومية المشاركة في عملية التصدي لأعمالها التخريبية. الغوص في خبايا عمل هذه «المافيات» يجعلنا أمام عمل منظم ومحكم. فهناك فرق مختصة في القطع والنشر، وأخرى مختصة في النقل والتخزين على مستوى الدواوير، إلى جانب المجموعة المكلفة بالنقل والتوزيع في مراكز التسويق. وحسب معطيات حصلت عليها «المساء»، فإن المجموعة الأولى، التي يتراوح عدد أفرادها بين 5 و15 فردا من الساكنة المحلية، تتكلف بقطع ونشر الأشجار الغابوية باستعمال آلات ميكانيكية تسهل عملها بشكل سريع. هذه الممارسات تتم ليلا، وفي مناطق وعرة بعد القيام بعملية استطلاعية للأشجار ذات الجودة العالية. لكن قبل أن تبدأ هذه المجموعة عملها، فإنها تتوصل بتقرير من «فرق الإنذار والرصد». مهمة الأخيرة تتمثل في مراقبة جميع تحركات رجال المياه والغابات باستعمال مختلف وسائل التواصل. وبعد انتهاء عملها، يتم اللجوء إلى الدواب المروضة قصد اختراق الجبال الوعرة وتأمين عملية النقل إلى حين الوصول إلى المركبات المختصة في تزويد المراكز والأسواق. وجود هذه المافيات المدججة بأنواع مختلفة من الأسلحة البيضاء وأخرى نارية تستخدم عادة في مجال القنص، يؤدي إلى تسجيل اعتداءات على أعوان المياه والغابات، والتي طالت 171 عونا غابويا، خلال ثلاث سنوات. وتراوحت مدة عجز الأعوان المستهدفين بين 20 و120 يوما. هذه العمليات الإجرامية تكبد المغرب سنويا خسائر فادحة على مستوى ثروته الغابوية، بما يعادل 5 مليارات و300 مليون سنتيم. وتشير حصيلة العمل بالدورية المشتركة، بشأن محاربة ظاهرة الاعتداء على الثروات الغابوية والتصدي للاعتداءات على المشرفين على حراستها، إلى أنه تم حجز 115 سيارة، و628 من الدواب المستعملة في عملية النهب، بيد أن الأهم هو الانخفاض الكبير لحجم الشجر المقطوع بنسبة 64 في المائة. غرامات ثقيلة خلال إنجازنا لتحقيق سابق حول نهب شجر الأرز، التقينا بحدو مغو، رئيس إحدى تعاونيات الخشابين في منطقة غابوية بالأطلس المتوسط. وبعد حوالي سنتين، سنلتقي مجددا مع حدو في نشاط نظمته المندوبية السامية للتخطيط في إطار عملية للتشجير وتوزيع مجموعة من الأفرنة على الساكنة المحلية. هذه المرة سيكشف لنا حدو عن غرامة ثقيلة توصل بها قبل أيام، وتحمل اتهاما بقطع شجر الأرز خارج القانون. قيمة الغرامة، كما اطلعت عليها «المساء»، تصل إلى 113 مليون سنتيم. الرجل ينفي صلته بأي عملية لنهب لشجر الأرز، ويعتبر هذه المتابعة مجرد «تعسف» في حقه. بيد أن المندوبية السامية للمياه والغابات، قدمت توضيحاتها ل«المساء»، بخصوص هذه النازلة. وفي هذا الإطار، سجلت أن الأمر يتعلق برئيس تعاونية بالأطلس المتوسط، تجمعه بالمندوبية السامية عقدة هو مطالب بموجبها بحراسة القطعة الغابوية التي يستغلها ومسموح له فقط بقطع الأشجار المطبوعة بمطرقة الدولة، غير أنه أباح لنفسه التكتم على جنحة قطع عود الأرز الأخضر، الذي قدر ب312 ألفا و600 متر مكعب من خشب الصناعة. واعتبرت المندوبية، في ردها على أسئلة «المساء»، أن «الدلائل التي تمت معاينتها في عين المكان تشير بشكل قاطع إلى تورطه في ارتكاب الجنحة. لذلك تمت متابعته بما نسب إليه وتم الحكم عليه بغرامة ب113 مليون سنتيم من طرف المحاكم واستنفدت كل وسائل الطعن وبذلك اكتسب الحكم القضائي قوة الشيء المقضي به». أفرنة متطورة لم يجد المسؤولون عن تدبير القطاع الغابوي في المغرب من سبيل للحد من استنزاف المخزون الغابوي غير اللجوء إلى توزيع أفرنة متطورة على سكان الجبال، وهو ما سيمكن من خفض الاستهلاك بما يناهز 80 في المائة. هذه الأفرنة متعددة الاستعمال، ويمكن استغلالها للتدفئة وطهو الأطعمة والخبز. ليس هذا فحسب، بل إن هذه الأفرنة ينتظر أن تحد من معاناة النساء اللواتي يتكلفن بجلب الحطب يوميا، وهي العملية التي تستغرق في المتوسط حوالي ثلاث ساعات. في المحصلة ينتظر أن يتم خلال الفترة بين 2015 و2024 تجهيز 60 ألف بيت بهذه الأفرنة الإيكولوجية، وذلك بميزانية تقدر ب6 ملايير سنتيم. نجاح هذه الاستراتيجية سيمكن المغرب من تخفيض نسبة استهلاك حطب التدفئة بحوالي 20 مرة. وأكدت المندوبية السامية للمياه والغابات، خلال ورشة مخصصة لموضوع تدبير إشكالية حطب التدفئة وتوفيره لسكان المناطق الجبلية، مع بداية موسم البرد، أنه لا يمكن للموارد الغابوية بمفردها أن تلبي حاجيات المواطنين، وأن الاستغلال لا يهم إلا القيمة المضافة، أي الطاقة الإنتاجية للغابة، وكل استغلال فوق هذه المستويات سيؤدي إلى تدهور واختلال النظم البيئية. وسجلت المؤسسة أنه يتعين توفير موارد تكميلية لخشب التدفئة، بهدف تمكين سكان هذه المناطق بشكل خاص من تدبير الفترات المتسمة بقساوة المناخ، كالولوج إلى الطاقات الشمسية، والتقنيات البديلة والغاز لتوفير الطاقة حسب خصوصية كل منطقة، مع إيجاد كيفيات لتدفئة المرافق العمومية بهذه المناطق، كالمؤسسات التعليمية والمستوصفات وغيرها. * الحافي: الأحكام الصادرة ضد عصابات نهب الثروات الغابوية ارتفعت ب25 في المائة – مع انخفاض درجات الحرارة يزداد الإقبال على حطب التدفئة. ما هي الإجراءات المتخذة لتخفيف الضغط على الغابات؟ بحكم التوسع الديموغرافي، لم تعد الغابة تلبي حاجيات السكان، وهو ما يفسر الضغط المتزايد على الأشجار الحية، خصوصا في فصل الشتاء الذي يعرف ارتفاع الطلب على حطب التدفئة والحطب المخصص للطهو. ولهذا الغرض، وبهدف تلبية حاجيات السكان من المواد الخشبية، وعلى رأسها حطب التدفئة، تسهر المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر على تنظيم سمسرات عمومية سنوية بمختلف جهات المملكة من أجل بيع المنتجات الغابوية، التي تتم عبر تحديد الكميات المعروضة للبيع وفق مقتضيات تصاميم تهيئة الغابات. ويخضع تسويق حطب التدفئة من طرف المستغلين الغابويين لشروط العرض والطلب. كما تسهر على عقلنة كل الوسائل لاستعمال الحطب، خاصة عبر استعمال الأفرنة متعددة الاستخدامات وذات النجاعة الطاقية العالية، وتخصص كمية مهمة منها سنويا يتم توزيعها على الساكنة المستهدفة، التي توجد في مناطق نائية أو معزولة) 3180 فرنا تم توزيعها خلال هذه السنة بغلاف مالي يقدر ب 3,6 ملايين درهم، مقارنة مع السنوات الخمس الفارطة التي شهدت في مجملها توزيع ما يقرب 1417 من الأفرنة المحسنة بغلاف مالي ناهز 2,5 مليون درهم في إطار عقد برامج مبرمة مع مصالح الخارجية). وتشمل هذه الإجراءات أيضا تنظيم الساكنة في إطار تعاونيات، قصد تمكينهم من التمويل الذاتي على مستوى الحطب بشكل قانوني وإشراكهم في حراسة الغابات وأشغال التنقية، إلى جانب ضبط ممارسة حق الانتفاع، حيث يستفيد ذوي حق الانتفاع من التعويضات عن المساحات المشجرة إلى حين اكتسابها مناعة ضد الرعي. ماذا عن المقاربة الزجرية؟ الاستراتيجية المتبعة من طرف المندوبية السامية ترتكز على محورين أساسيين. أولهما وأهمهما الشراكة والتعاون المسؤول كقاعدة، ليبقى الشق الزجري كاستثناء. فقد تم وضع مناهج وأساليب الشراكة مع ذوي الحقوق لبناء تنمية حقة تروم استغلال الموارد الطبيعية في حدود ما تسمح به أنماط ووسائل التنمية المستدامة، ووضع إطار تعاقدي مع التعاونيات الغابوية، والجمعيات الرعوية، تضمن دخلا قارا وتؤسس لتثمين هذه الموارد عبر أساليب التحويل واستخلاص أكبر قيمة مضافة. أما المحور الثاني، فيعالج أشكال الترامي اللامشروع على الثروات الغابوية. فالدورية المشتركة بين المندوبية السامية ووزارة الداخلية ووزارة العدل، الصادرة في 2011 كان الهدف منها التصدي لهذه العصابات عبر مناهج الرصد والمراقبة وتحريك المساطر وتفعيل القوانين ومتابعة هذه العصابات أمام المحاكم وتتبع وتطبيق الأحكام الصادرة، حيث ارتفعت نسبة الأحكام الصادرة ب25 بالمائة مقارنة مع السنوات الماضية قبل التفعيل، في حين أن نسبة المخالفات عرفت انخفاضا ملموسا. وكمثال على ذلك، عرف إقليمإفران نسبة انخفاض تقدر ب45 بالمائة بين سنتي 2014 و2015. ما هي أبرز ملامح المخطط العشاري 2015-2024 للمحافظة على المخزون الغابوي؟ لقد وضعت المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر خطة عمل جديدة متعلقة بالعشاري المقبل 2015-2024، تتبنى من خلالها رؤية طموحة للتدبير المستدام للمناطق الطبيعية وترمي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف أولها الحد من التعرية المائية بالأحواض المائية على مستوى 33 حوضا مائيا، عن طريق إنشاء 2 مليون متر مكعب من سدود الترسيب وتشجير 190 ألف هكتار. كما تستهدف هذه الخطة مكافحة التصحر عن طريق تثبيت 8000 هكتار من الكثبان الرملية الساحلية والقارية عبر معالجة ميكانيكية وبيولوجية لكل مجال، ستساهم في حماية 240 ألف هكتار من الأراضي المهددة مباشرة بالترمل، 120 كلم من مقاطع الطرق على مستوى 10 أقاليم. وتشمل الخطة التكيف مع تغير المناخ وتدبير المخاطر، لاسيما عن طريق تهيئة الغابات وتوفير المعدات اللازمة لحماية أفضل ضد الحرائق والأمراض والطفيليات، متابعة عمليات إعادة التوازنات للنظم البيئية وإعادة استيطان الوحيش في موائله الطبيعية، علاوة على تكثيف عمليات التشجير وبلورة نماذج مندمجة لتدبير المجال عن طريق إعادة تشجير 600 ألف هكتار ودراسة التهيئة التشاركية بالمجالات الغابوية على مساحة 4,5 ملايين هكتار. وفي نفس السياق، يتضمن هذا المخطط دعم خلق أحزمة خضراء وتهيئة الغابات الحضرية والمحيطة بالحواضر على مساحة 100 ألف هكتار، من خلال توزيع 60 مليون شتلة، ومكافحة عوامل تدهور النظم الإيكولوجية للغابات من خلال التدبير التشاركي للمراعي، وتحسين تدبير القطيع عبر تأسيس 300 جمعية رعوية مع تخفيف الضغط على استهلاك خشب النار. أضف إلى ذلك، تثمين الموارد الطبيعية الغابوية، كاستخلاص الزيوت الأصلية والفطريات وبعث دينامية السياحة الأيكولوجية في المنتزهات الطبيعية والصيد القاري والقنص بخلق سلاسل الإنتاج في إطار الاقتصاد الاجتماعي، ومتابعة عمليات تحسين الحكامة المجالية وتدبير الموارد البشرية والمالية والوسائل اللوجستيكية.