سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الخمليشي: أعارض إلغاء الإعدام والقوانين الأوربية لا تنص على المساواة في الإرث قال إن المغاربة ليسوا فوضاويين حتى يدعوهم الأئمة إلى تسوية الصفوف في المساجد
دعا أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، إلى ضرورة النقاش والحوار للوصول إلى حلول مشتركة حول بعض القضايا الخلافية، منها مسألة المساواة في الإرث، وألا يعتبر كل طرف أن رأيه هو الحقيقة. وتوقف الخمليشي، خلال استضافته في برنامج «مناظرات المساء»، عند عدد من القضايا، منها ثنائية القوانين الوضعية والشرعية، إذ سجل أن اعتبار ما يصدره البرلمان المغربي قانونا وضعيا في حين أنا ما هو شرعي يتمثل في الخطاب الذي يوجه عبر القنوات التلفزية، هو أمر خطير وجب معالجته. ولم يتردد الخمليشي في التعبير عن موقفه المعارض لإلغاء عقوبة الإعدام، بالنظر إلى بعض الحالات التي يكون فيها القاتل ليس مجرد قاتل عرضي، بل يمارس جريمته بصورة بشعة. – قبل أيام تم إحياء يوم المساجد وسط تساؤلات عن حال هذه المؤسسات الدينية. كيف تقيم وضعية وحال المسجد في المغرب، خاصة وأن هناك من يرى أن هذه المؤسسة لم تكن في السابق تحظى باهتمام كبير؟ في اعتقادي، المسجد لم يكن مهملا في الماضي ولا كان يعيش خارج حياة المجتمع، لأننا نعلم جميعا أن كل ما كان يلقن من العلوم الإسلامية وغيرها كان يلقن داخل المساجد. هذا إضافة إلى الوعظ والإرشاد والتجمعات التي تكون في المسجد، سواء أيام الجمعة أو غيرها. نعم يمكن أن نقول الآن بأن مهمة المسجد أصبحت ربما أدق مقارنة بما كانت عليها من قبل، بالنظر إلى المستجدات والظروف، حيث بذلت مجهودات حتى يؤدي المسجد رسالته. أعتقد أن هذه المساجد تسير في خطتها، طبعا هي ليست وحدها في الميدان والمجال، لذلك قد يبدو تأثيرها محدودا نظرا لوجود فاعلين آخرين في حياة المجتمع وفي تكوين الفرد وانشغالاته. وعليه فإذا قدرنا أن مردودية المساجد محدودة فذلك بسبب وجود عوامل أخرى لها تأثيرها كذلك في الحياة الاجتماعية. – ماذا عن خطاب المساجد؟ أعتقد أن الخطاب في المساجد، سواء تعلق الأمر بخطب أيام الجمعة أو خارجها، لازالوا لم يستطيعوا أن يواجهوا الواقع كما هو ويخلقوا الخطاب الذي يؤثر على مسيرة الحياة الاجتماعية. – اليوم هناك من يقول إن جزءا من انفلات بعض الشباب راجع لكونهم لم يجدوا ذاتهم في هذا الخطاب، وفي المقابل فوسائل الإعلام ونموذج التدين المشرقي يأتي بخطاب متطور. ألا ترون بأن خطاب المساجد والوعاظ بعيدون عن الشارع؟ يمكن القول بأن هنالك بعض البعد، وهو أمر مرتبط في اعتقادي ليس بالأشخاص المخاطبين وإنما بالنظر إلى تكوينهم وثقافتهم. ففي العالم الإسلامي كله لازالت الثقافة التقليدية هي المسيطرة، ولا يزال الخطاب التقليدي هو الذي يفضله المتكلمون وأيضا المستمعون. الأمر يحتاج، في اعتقادي، إلى وقت لكي تنضج ثقافة أخرى مرتبطة بالواقع المعيش. فنحن اليوم نعاني هذه الإشكالات، والسبب هو أن 50 في المائة من مجتمعنا يعاني الأمية، ناهيك عن كون جزء مهم مما نتلقاه على مستوى العلوم الدينية نتلقاه بأسلوب لا يضعنا أمام مشاكل الواقع ومواجهتها، ومن يقوم بهذا الخطاب الديني لازال لا يثق في نفسه ليواجه الحياة ويقترح ما يمكن أن يعالج مشاكل الحياة التي يعيشها، بل لايزال أسيرا للثقافة التي تفرض عليه النقل. – هذا يجرنا إلى وظيفة مؤسسة دار الحديث الحسنية في تكوين العلماء. ما هو تصوركم في مجال إنتاج عالم الغد، خاصة من حيث المضمون وإدخال العلوم الاجتماعية واللغات الأجنبية؟ في ما يتعلق بمضمون التكوين في دار الحديث الحسنية، فقد تغير تماما منذ سنة 2005، إذ أن الطلبة يتلقون، إلى جانب العلوم الشرعية والمواد الأساسية، العلوم الإنسانية الخاصة بالفلسفة والتاريخ ومقارنة الأديان والقانون وغيرها من المجالات. كما يحسنون عند تخرجهم لغتين أجنبيتين هما الإنجليزية والفرنسية، ولذلك فمن المأمول أن هؤلاء سيكونون نموذجا جديدا في ما يتعلق بخريجي ما نسميه بمؤسسات التعليم الديني. مثلا، بمناسبة ذكرى المولد النبوي، استدعى وزير الشؤون الدينية التونسي أحد طلبتنا لإلقاء درس حول المولد. وأرجو أن يكون هذا التجديد الذي أدخل في برامج دار الحديث الحسنية لبنة مهمة جدا في خطاب جديد للفقيه أو العالم، يستطيع به أن يواجه مشاكل الحياة ولا يكتفي بالنقل. ما يؤثر فينا بصورة أساسية ويعرقل مسيرتنا هو هذه الخطابات التي تأتينا من كل صوب وحدب، نظرا لوسائل التواصل التي لم تبق في حدود إمكانية الحد منها والتعرض لها. – بالإشارة إلى هذا الإشكال المرتبط ببعض الخطابات المنتشرة في الأنترنت والفضائيات، يطرح السؤال عن بعض التنظيمات التي كانت «معجبة» بنموذج التدين الشرقي، خاصة على مستوى الجامعات المغربية. كيف ترى هذا الأمر؟ هذا الأمر حدث وتضرر منه المغرب كثيرا، وكان السبب في ذلك أمران اثنان. الأمر الأول هو التحاق عدد من المغاربة بمؤسسات تعليمية بالمشرق العربي، فأتوا بالمعتقدات والخطاب الذي تلقوه هناك، والجانب الثاني يرتبط بكون المغرب لم تكن لديه أي رقابة في ما يخص دخول المطبوعات. وبعد ذلك جاءت مرحلة التلفزيون والأنترنت، لذلك بقي المغرب متأثر بهذا الخطاب. هذا التدين الذي نستورده يخلخل الأمن الاجتماعي، على اعتبار أن أشياء بسيطة جدا تدمج في الأمور الجوهرية للدين. أستغرب، مثلا، ما يقع يوم الجمعة، في أي مسجد من مساجدنا، عندما ينزل الإمام من المنبر إلى المحراب ويقول: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة»، وكأن المغاربة يصلون بشكل فوضاوي. التركيز على هذا الجانب المستورد، كما هو الشأن بالنسبة لتوسعة القدمين، هي أمور نقولها كل جمعة للمصلين عوض أن يقول الخطيب: «أيها المصلون ماذا أنتجت لكم هذه الصلاة؟ هل أنتجت ما يقوله الحق سبحانه إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فتكونون قد آتيتم وأديتم صلاتكم، أم لم تنتهوا عن الفحشاء والمنكر؟». أعتقد أنه ليست هنالك فوضى ليقع التأكيد كل يوم جمعة على تسوية الصفوف، وتجد الازدحام بشكل يجعل الإنسان ينحرف عن اتجاه القبلة. أضف إلى ذلك توسعة الرجلين لمنع دخول الشيطان، وكأن المساجد وكر للشياطين علما أنها بيوت الله المطهرة. هذه الأشياء وأمثالها من الأمور الهامشية التي دخلت للأسف في العناصر الأساسية للدين. – هذا السؤال يقودنا إلى نموذج التدين المغربي في ظل الانفتاح الذي يعرفه العالم، إذ لم يعد أحد يستطيع أن يحمي نموذجه من خلال إغلاق الأبواب، بل إننا دخلنا في حالة تنافس وكأننا في سوق. صحيح كان هناك مجهود مهم في ما يخص المؤسسات، لكن على مستوى الإعلام لم نصل إلى مرحلة منافسة التجارب الشرقية. كيف تقيمون هذه الأمور؟ أعتقد أنه لا ينبغي التشاؤم ولا المبالغة في التفاؤل. هنالك حقيقة مجهودات تبذل، وهي مجهودات تؤتي أكلها شيئا فشيئا، ونأمل إن شاء الله أن تستمر وأن تؤدي رسالتها. وفي نفس الوقت، يجب أن نعلم أن الحياة الاجتماعية ليست من السهولة بمكان أن تغير وجهتها بين عشية وضحاها، بل وأن تغيرها من الجذور فهذا الأمر غير ممكن، خاصة أن العوامل المؤثرة في الوضعية التي نشتكي منها لازالت قائمة وعاملة. وبالتالي هنالك، من جهة، الوضع الاجتماعي، وأقصد به ما تشكل من ثقافة اجتماعية في هذا المجال وليس من السهل إزالتها بسهولة. – ما هي رؤيتك للإعلام الديني في المغرب، وقدرته على تحقيق السيادة الإعلامية عوض اللجوء إلى القنوات المشرقية؟ مقارنة بالخطاب الأجنبي، فحسب اعتقادي هنالك الكثير من الأشياء التي ترتبط بالإمكانيات المادية. ثانيا فإذا تحدثنا، مثلا، عن الخطاب الديني المتلفز، فتلك المؤسسات بدأت تشتغل منذ عشرات السنين، في حين أننا لازلنا حديثي العهد. لذلك يمكن أن يلاحظ هاذ التفاوت، والواقع أن ذلك لا يعفي من المسؤولية كلها وأرجو أن يتصدى المجلس العلمي لمثل هذه التوجيهات التي تؤثر على مقدمي الإعلام، على اعتبار أن الأفراد الذين يحضرون إلى البرامج قد لا تكون لديهم الرؤية التي تجعلهم يقدمون خطابا مرتبطا بواقعهم الحياة. مثلا، نرى في التلفزيون فقيها لديه معلومات، لكن حياته الخاصة منعزلة فيأتي بنفس النظرة والعقلية إلى التلفزيون، وهو أمر يتطلب نوعا من التوجيه. هذا الأمر ينضاف أيضا إلى الإمكانيات المادية التي لها أيضا دورها سواء من حيث الذين يتولون الخطاب أو من حيث المقاربات الفنية التي تجعل المشاهد يتابع هذه البرامج. – هل تأخذون بعين الاعتبار، على مستوى دار الحديث الحسنية، مسألة التكوين في المجال الإعلامي، على اعتبار أن علماء الغد سيتعاملون مع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ولن يعتمدوا فقط على التواصل المباشر؟ للأسف، مثل هذه التكوينات ليست موجودة سواء في دار الحديث الحسنية أو باقي المؤسسات الأخرى. في المقابل، فإن عددا من المؤسسات في المشرق العربي تتوفر على أقسام للدعوة والوعظ والإعلام، وهناك تكوين خاص بهذه الشعب. بالنسبة إلى المغرب هذا الأمر لايزال غير موجود، ونرجو إن شاء الله أن يتحقق، وفي انتظار ذلك لابد من تنبيه الذين يقومون بتوجيه الخطاب الديني وتقديم الملاحظات التي تجعل المستمع أو المشاهد يتقبل الخطاب. – بالحديث عن الخطاب الديني، تبرز أحيانا بعض الأحداث التي تستحق من الدارسين أن يقفوا عندها، فبعضهم لديه خلط بين الدولة الدينية والمدنية وبين ما هو قانوني وما هو شرعي. كيف تنظرون إلى هذه الثنائية المرتبطة بما هو شرعي وما يسميه البعض بالقانون الوضعي؟ بالنسبة إلى الاختلاف إزاء بعض السلوكات ومظاهر الحياة فهذا أمر طبيعي. أما مشكل هذا التمييز بين ما هو قانوني وما هو شرعي أو ديني، فهو من الأشياء التي استوردناها، لأن عبارة القانون الوضعي، مثلا، جاءتنا من خارج الحدود ولم تنشأ في المغرب. أعتقد أن خلق هذه الثنائية لابد أن تترتب عليه هذه النتائج التي تشيرون إليها مادمنا نميز بين القانون الوضعي والشرعي، على اعتبار أن ما ندخله في المجال الشرعي قد ندخل فيه تلك التفاهات التي أشرتم إلى بعضها من قبل. وعندما يشعر شخص بأن هذا النوع من السلوكات هي دينية فلابد أن يتأثر عندما يرى انتهاكا لها، وبالتالي فمشكلتنا تنطلق من هذه الازدواجية. السؤال هو: كيف يمكن أن نقول بأن القانون الذي يصدره البرلمان المغربي المنتخب من طرف الشعب المغربي، ويصدر بظهير ملكي، هو قانون وضعي؟ فقد تكون هنالك بعض الجزئيات التي قد يراها البعض مخالفة للدين، ويمكن أن تناقش، لكن أن نستورد عبارة القانون الوضعي من خارج الحدود، والتي نشأت منذ بداية القرن الماضي، لنجعل كل ما يصدره البرلمان المغربي وبظهير ملكي قانونا وضعيا والشرع هو ما نراه في الخطاب الذي يوجه في القنوات، فهو أمر خطير ويجب أن يعالج. أنا لا أقول إن كل ما يصدر من قوانين هي نفسها الشريعة، لكن إذا كانت هنالك بعض الجزئيات التي تخالف الشريعة فيمكن مناقشتها، والحال أنه يجب أن ندقق معنى الشريعة. فلا يكفي أن أراها أنا مخالفة للشريعة لأحكم على المغاربة بأنهم يخالفون الشريعة، وبالتالي فالمشكل الأساسي ناتج عن هذه الثنائية التي ما نزال نجدها للأسف في مؤسسات تكوينية في بلادنا. ومن ثم فالثنائية المرتبطة بالقانون الوضعي وأحكام الشريعة تجعلنا أمام مثل هذه المشاكل المرتبطة ببعض الأحداث التي تشيرون إليها. – هناك اعتداءات طالت بعض المواطنين بسبب اللباس أعتقد أن العلاج ينبغي أن يكون في تصحيح الاعتقاد. بالنسبة إلى من يرى أن هذا التصرف أو السلوك مخالف لعقيدته، فالعقيدة هي روح الإنسان، والحل هو تصحيحها وليس إرغام صاحبها على أن يتغاضى عما يراه مخالفا لها. مشكلنا يرتبط بهذه الازدواجية التي جاءتنا من خارج الحدود، وقد عانينا منها ولا نزال، وكل ما يحدث في العالم الإسلامي ناتج عن هذه الثنائية. – كيف يمكننا، اليوم، أن نخرج من الجدل المثار حول مسألة الإرث، فهناك من يدافع عن موقفه بنص شرعي قطعي في القرآن، لكن القوانين الدولية تنص على المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة؟ أولا، في اعتقادي أن ما ينقصنا هو الاستماع إلى بعضنا، والمناقشة لكي نصل إلى حل مشترك. لا ينبغي أن يعتبر كل فريق أن رأيه هو الحقيقة، وما عداه ضلال. هذا هو المنطلق، لأن القرآن يقول «وأمرهم شورى بينهم»، أي أن تستمع لرأيي وأستمع إلى رأيك ثم نصل إلى حل. أشرتم في هذا السؤال إلى مشكل الإرث والمساواة في القوانين الدولية، والحال أن هذا الأمر غير صحيح. مشكل الإرث معقد جدا ويستحيل أن تصل فيه إلى حل يرضي الجميع، لكن في نفس الوقت، فمن دعوا إلى المساواة في الإرث أو لمن رد بأن ذلك مخالف للقرآن، ينبغي أن يجيبوا عن بعض الأسئلة ليبرروا رأيهم. فبالنسبة إلى من يرون بأن التغيير أو مناقشة أحكام الإرث خارجة عن الشرع، يجب أن يجيبوني عن السؤال التالي. بالنسبة لهذا المجال فهناك أمر يتعلق بالتعصيب، على اعتبار أن هناك كثير من الشكايات حول هذا الموضوع، والقضية الثانية ترتبط بقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين. للذين يقولون لا مناقشة في هذا الموضوع، فحسب ما نجد لدى من يكتبون الآن في موضوع المواريث فعندما يصلون إلى هذه النقطة يقولون إن الولد أعطي له سهمان لما هو مطلوب منه من النفقة، بينما تحصل البنت على الصداق وغير ذلك. العلة، إذن، ترتبط بالتزام الرجال بالنفقة، أو ما يطلب منهم من النفقات على اعتبار أن النساء نفقتهن عادة على الرجال. السؤال هو: حسب الإحصاء الأخير، أكثر من مليون عائلة تمولها نساء، وطبعا هناك ملايين النساء اللواتي ينفقن على أنفسهن، وبالتالي فإذا تغيرت الوضعية الاجتماعية فعلى هؤلاء أن يجيبوني عن المبدأ المقرر في أوصول الفقه الذي يقول إن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. إذا كان التعليل هو النفقة وإذا تغير المجتمع فأصبحت المرأة تنفق مثل ما ينفقه الرجل، فيجب أن يقدم هؤلاء جوابا لأن المبدأ يقول إن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. – ماذا عن التعصيب؟ كذلك الأمر بالنسبة إلى التعصيب الذي لا نناقشه ونسعى لكي نقنع بعضنا البعض، فالتعصيب كان يعطى للرجال لأنهم كانوا يتحملون التعويض عن قريبهم الذي ارتكب جريمة خطأ أو ما يسمى ب»الدية». فقد يؤدي الأخ والعم وابن العم ولا تؤدي البنت شيئا، والآن لم يعد هذا الأمر، فضلا عن أن سند التعصيب مقرر بحديث، وهناك طائفة لم تأخذ به باعتباره حديثا ضعيفا. وبالتالي فالسنة نفسها التي قررت الإرث للعصبة هي التي فرضت الدية عليهم، وبالتالي ففرض الدية تركناه وهو من السنة، لكن نتمسك بهذا ونقول لا نناقشه. أنا لا أقول بأن هؤلاء على صواب أم خطأ، لكن يجب أن يبرروا رأيهم. – ماذا عن الذين يطالبون بالمساواة في الإرث؟ المساواة مبدأ معروف، لكن هل المساواة في الإرث تدخل ضمن هذه المساواة التي نتحدث عنها. أقول لا، على اعتبار أن المساواة في الغرب الذي نستشهد به، أول قانون قررها هو القانون الفرنسي عقب الثورة الفرنسية ل1789، وهناك المبادئ الثلاثة: الحرية، المساواة والأخوة». القانون الفرنسي، شأنه في ذلك شأن القوانين الأوربية الأخرى أيضا، فهو لا يقرر المساواة في الإرث بهذا المفهوم الذي يبنى على فرض هذا الأمر. صحيح أنه عندما يكون هناك ولد وبنت فهما يتساويان، لكن في نفس الوقت فقد خول الموروث أن يصي لأحد الورثة زيادة على حظه. فإذا كان له ولدان يمكن أن يصي لأحدهما بالثلث فيأخذ سهمين والآخر يحصل على سهم واحد، وإذا كان لديه ثلاثة فله الحق في أن يصي بالربع لأحدهم. نحن لا نقول إن القانون الفرنسي ظالم، لكن هناك محكمة حقوق الإنسان التي أنشئت سنة 1959، وتضم جميع الدول الأوربية، فكل المواطنين لهم الحق في رفع دعوى أمامها إذا كان هناك مساس بالمساواة، والحال أنه لا علم لي أن هناك فرنسيا واحدا، أو من باقي الدول الأوربية، رفع دعوى إلى هذه المحكمة يقول فيها إن القانون يسمح للموروث أن يعطي لأخي أكثر مما أحصل عليه. السبب في ذلك هو أن هناك، من جهة، الوظيفة الاجتماعية للملكية، وهذا سبب توزيعها على الأقارب، لكن إضافة إلى ذلك هناك حقوق للموروث أي صاحب المال، الذي كما نرى بالنسبة لأوربا لم يستطع المشرع أن يمس إرادته، وله الحق في أن يميز بين ورثته ويصي بماله لغير ورثته في بعض القوانين. بالنسبة إلينا، كان المال عادة في يد الرجال، ومن ثم فالرجل يترك المال وذكراه أي المال المعنوي، والذي يحافظ على اسمه هو الولد في حين أن البنت ينتهي حمل اسم أبيها بوفاتها. أنا لا أقول إن هذا الأمر صائب أو خاطئ، لكن أوضح السبب الذي يجعل المورث عندنا في المجتمع الإسلامي يجعل المرأة لا تتمتع حتى بالنصف إلى يومنا هذا، ونحن في القرن الخامس عشر. لنرجع إلى محاكم التوثيق لنرى الوسائل التي يعمد إليها الآباء لحرمان بناتهم، وهناك فتاوى فقهية سايرتهم في بعض الأشياء، من قبيل الوقف أو الهبة وغيرها. فهذه العقلية هي التي يجب أن نبحث عن علاج لها، فنحن نرى أن هنالك ثقافة لدى الأفراد يجعلون الإرث خاصا بالذكر، على اعتبار أنه يحفظ النسب، وحتى في القرآن، فعندما لا يكون هنالك نسب يستوي الورثة في درجة واحدة، ومن ذلك: «ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد»، و»إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس». – قبل أيام أقدمت السعودية على إعدام رجل دين شيعي، فاندلعت أزمة أحد أوجهها هو الجانب الديني. ما رأيك في تحريك بعض وسائل الإعلام هذا النقاش بين السنة والشيعة؟ في اعتقادي، إلى غياب النضج الديني والسعي وراء تحقيق مصالح من وراء ذلك. فهنالك من يدفع بهذا التطاحن، وآمل أن يكون كل من أهل السنة والشيعة في مستوى الوعي الكافي الذي يحول دون انزلاقهم لا قدر الله إلى المزيد من التطاحن القائم الآن. لحد الآن، وللأسف، فالكثير من الضحايا كانوا بسبب هذا التطاحن. – ماذا عن عقوبة الإعدام بشكل عام؟ ربما قد تكون الآن القوانين الجنائية، ومنها القانون المغربي، تتوسع في تقرير هذه العقوبة لكن إلغاءها نهائيا فلا أرى ذلك. – هذا يعني أن هناك بعض الجرائم التي تقتضي بقاءها، أليس كذلك؟ هنالك بعض الحالات التي يكون فيها القاتل ليس مجرد قاتل عرضي بل يمارس جريمته بصورة بشعة، ونقرأ من حين إلى آخر عن بعض الجرائم التي تحدث في المغرب أو خارجه. هذا هو رأيي الشخصي، وقد يكون غير مقبولا، لكن لا أرى أن أقول لأي شخص اقتل من تشاء وبأي طريقة بشعة تختارها ولكن حياتك مصونة ولن يمسها أحد، فشخصيا لا أؤمن بهذا المبدأ. – بمناسبة ذكرى المولد النبوي، وجهت انتقادات إلى بعض الزوايا بشأن بعض الممارسات. كيف تقيمون الممارسة الصوفية ودور الزوايا في المغرب؟ من جهة، من الصعوبة بمكان أن تجمع الزوايا كلها في بوتقة واحدة، وحتى بالنسبة إلى حقيقة الأعمال التي تقوم بها فأنا لا أتوفر على كل عناصرها. أنا لا أزكي أحدا ولا أتهم أحد، لأن عناصر الحكم غير متوفرة، فلا يمكن أن أقول إن كل ما تمارسه هذه الزاوية أو تلك سليم أو غير سليم لأن ذلك يتطلب الإحاطة بالعمل الذي تقوم به. في رأيي الشخصي حتى وإن كان هناك انتقاد فينبغي أن يركز على تصرف محدد وليس توجيه الاتهامات بشكل عام لأن ذلك لا يفيد شيئا، وأيضا لأن أعراض الناس وعقائدهم مصونة وكل واحد له الحق في أن يفهم الدين كما يراه وليس من ضروري أن يرى الدين كما أراه أنا وإلا فهو مخطئ، لأن هذا الأمر هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة التي نحن عليها. ومن ثم يجب أن يكون هناك الإيمان بحق الآخر في أن يفهم نصوص الدين كما هي، بشرط ألا يمس بحرية الآخرين ولا ينبغي أن أحكم عليه بفهمي أنا خاصة عندما يكون الفهم عشوائيا. – في موضوع آخر، تشير الأرقام إلى أن جزءا غير يسير من الذين يتوجهون إلى تنظيم داعش، خاصة من أوربا، هم شباب من أصول مغربية، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن تدين الجالية. ماذا أنتج الفاعل الديني للجالية، وهل حرفة الإمام في أوربا أصبحت حرفة من لا حرفة له؟ أعتقد أن الوضع في أوربا لا يختلف عن الوطن بالنسبة للمغرب وغيره، فما نشاهده داخل الوطن، ومما كنا نتحدث عنه من استيراد كثير من الأفكار والآراء، هو نفسه الموجود الآن بالنسبة للجالية. مع الأسف هناك تيارات ودول إسلامية لها إمكانيات مادية اشتغلت منذ سنين مع الجالية، وهيأت كل وسائل التوجيه وتثقيفها بالثقافة التي تريد، والآن نرى نتائج ذلك. هذه الأمور شملت بناء المساجد والمراكز الثقافية وتوفير الوعاظ والمرشدين. – ألا ترى بأن بعض دول أوربا كانت تستقوي على دول عربية وإسلامية من خلال تشجيع تنظيمات تنشط فوق أراضيها، وهي اليوم تكتوي بذلك؟ ربما هذه الدول الأوربية لم تكن تحسن تقدير ما يتفاعل داخل مجتمعاتها، وكانت هناك مصالح سياسية ربما كانت تحركها. فما وقع منذ بداية هذا القرن كان مفاجئا حتى بالنسبة للسياسيين الأوربيين، والآن ظهرت أشياء لم يتوقعوها، وهذا هو السبب الذي جعل هذه الظاهرة تبرز. أيضا لا يجب أن ننسى وضعية هؤلاء الشباب في تلك المجتمعات من خلال الحرمان والبطالة والأمية، وأغلبهم من الهامش ومن المنحرفين وبين عشية وضحاها يصبح الشاب جهاديا. – ماذا عن الرصيد العقاري للمساجد التي يملكها المغرب والمجهودات المبذولة لامتلاك مساجد في كبريات العواصم الأوربية، خاصة أن الأتراك مثلا وغيرهم يسيطرون على عدد من المراكز الدينية والثقافية؟ أعتقد أن هناك مجهودات تبذل بقدر الاستطاعة. أما بالنسبة للأتراك وغيرهم، فالجالية التركية هي أقدم جالية مسلمة في أوربا وهي الآن تخطت مرحلة الجالية المغربية سواء على مستوى المجال المعرفي والاقتصادي والسياسي. الجالية ليست عبرتها بالعدد بل بدرجة التأثير، وهذا التأثير يكون بالمعرفة والإعلام والسياسة، والدليل هو أن الجالية الإسرائيلية أو اليهودية رغم قلتها فإنها تستطيع أن تؤثر لأنها دخلت المجال السياسي والإعلام والبحث والمعرفة، ونفس الشيء بالنسبة إلى الجالية التركية. أما الجالية المغرب فلازالت مرتبطة مثلا في إيطاليا وإسبانيا بالجيل الثاني المرتبط بالطلبة والتلاميذ، وإلى حد ما في فرنسا وبلجيكا أخذ بعض المغاربة يدخلون المناصب السياسية والمواقع الاقتصادية، غير أن ذلك يتطلب وقتا لنصل الجيل الخامس أو ما بعده لنحقق اندماجا حقيقيا وتكون هناك مشاركة في البحث العلمي والمجال السياسي وإدارة عجلة الاقتصاد والإعلام، لكي يكون هناك تأثير. المغرب حسب إمكانياته الذاتية عمل ما في استطاعته، لكن لا أعتقد أنه يملك الإمكانيات التي تتوفر عليها بعض الجهات الأخرى. لا يصلح تسمية الأبناك بالإسلامية لأن الدين يقوم على الأخلاق وما ننسبه إلى الدين هو ما يكون أكثر رأفة بالمحتاج – إلى جانب الملف المتعلق بالإرث، يدور نقاش اليوم حول ما يسمى بالأبناك التشاركية أو من يسميها بالإسلامية. كيف تتابع هذا النقاش؟ النقاش سيبقى لأن الأمر طبيعي. هذا الموضوع أصدرت فيه كتابا تحت عنوان «الربا..نصوص وممارسة»، وبالنسبة إلى رأيي الشخصي، فكلمة إسلامية غير سليمة إطلاقا لسبب بسيط هو أن الإسلام أو الدين يقوم على الأخلاق. عندما نرى هذا النوع من الأبناك فالجميع يتفق على أن أرباحها أكثر من أرباح الأبناك التقليدية، وهذه الأرباح تأتي من المقترضين والمتعاملين معها. فعندما يضطر صاحب المال لطلب ماله الذي يحتاجه فتفرض عليه شروط أقسى، فهذا ليس إسلاميا. وكوني أغير اسم القرض بالبيع فهذا لا يعني شيئا، لأنه حتى في الفقه الإسلامي، فالعبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني. لذلك لا أرى إطلاقا مبررا لتسميتها إسلامية، والحال أنه يمكنها تسميتها بذلك إن كانت معاملاتها أكثر رأفة بالمحتاجين من الأبناك الأخرى، وما عدا ذلك فتعويض القرض بالبيع لا يفيد شيئا لأن الأمر يرتبط بالحقائق الدينية المتعلقة بدورها بالأخلاق. الآن اختير لها اسم الأبناك التشاركية وهو اسم لا أعتقد كذلك أنه يغير من الأمر شيئا لأن كلمة التشارك، من جهة، وضعت في العنوان فقط، أما بالنسبة للمضمون فهي ستبقى تتعامل بتلك العقود التي كانت من قبل من قبيل المرابحة والمبايعة والصكوك وغيرها. أما التشارك بمفهومه الحقيقي فهو أمر مستبعد لأنه من الناحية العملية فقد جربته هذه الأبناك وتبين لها أنها تضيع في رأسمالها، وبالتالي فذلك التشارك يبقى في حالات استثنائية خاصة أو مع مؤسسات رسمية. وبذلك فهي أبناك مثل الأبناك الأخرى ولا أرى أن كلمة التشاركية تفيد شيئا، وما ينبغي أن يكون مفيدا وننسبه إلى الدين هو الذي يكون أكثر أخلاقا ورأفة بالمحتاج ويكون فيه صاحب رأس المال أقل جشعا.