مباشرة بعد اعتداءات 16 مايو 2003، ونظرا إلى أن الانتحاريين أتوا من الأحياء الأكثر فقرا والأكثر تهميشا في منطقة سيدي مومن بالدار البيضاء، فقد سارعت السلطات العمومية، في محاولة منها لمواجهة ظاهرة العنف، إلى الإعلان عن مخطط للقضاء على مدن الصفيح ومختلف أشكال السكن العشوائي، باعتبار أن مثل هذا النوع من السكن يشكل تربة خصبة لإنتاج مختلف نزعات التطرف والعنف. إن الرغبة في محاربة الهشاشة وأشكال الإقصاء الاجتماعي كانت حاضرة في سياسات الدولة منذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم سنة 1999، غير أن اعتداءات 16 مايو 2003 والربط المباشر بين الوضعية السوسيو-اقتصادية والإرهاب سرعا من وتيرة هذا الاهتمام. مرت صياغة السياسة السوسيو-اقتصادية كسياسة عمومية تروم القضاء على الأسباب المادية للإرهاب بمرحلتين: تتحدد المرحلة الأولى في الفترة الزمنية الممتدة بين ماي 2003 وماي 2005. في هذه المرحلة، كانت السلطات العمومية تسعى إلى الحصول على تشخيص للوضعية العامة للمغرب، خاصة في مجال محاربة الهشاشة والإقصاء الاجتماعي والفقر. ولعل هذا السعي تحكم، إلى حد بعيد، في الأسباب التي كانت وراء إنجاز تقرير «لخمسينية» الذي خصص الفصل الثالث منه لتثمين الإمكان البشري، متطرقا إلى جوانب الخلل التي اعترت السياسات الاجتماعية التي اعتمدها المغرب منذ الاستقلال. وفي هذا الفصل، كان هناك حديث عن سياسات محاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي، حيث تم تسجيل الاهتمام المتأخر بمحاربة الفقر والإشارة إلى خطأ التصور المعتمد. وقد حدد تقرير الخمسينية مكامن الخلل التي عانت منها السياسات الاجتماعية والسياسات المعتمدة لصالح الفقراء في: «ضعف التنسيق في ما بينها ومحدودية اندماجها في الزمان والمكان واتسامها بتعدد المتدخلين وتشتت الموارد وحصول تعثرات بين الأهداف والنتائج وغياب التناسق، فضلا عن الاتجاه في بعض الأحيان إلى الاستعمال غير المتضامن للتجهيزات وغياب تضافر الوسائل وعدم كفاية مشاركة الساكنة». تتحدد المرحلة الثانية في الفترة الزمنية التي تبدأ في 18 ماي 2005 ولازالت مستمرة. ففي هذا التاريخ، أعلن الملك محمد السادس عن انطلاق «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية»، والتي أرادها أن تكون مبادرة تتأسس على أساليب جديدة تقطع مع الأساليب التي كانت معتمدة في السابق ولم تأت بأية نتيجة. وقد حدد خطاب 18 ماي 2005 مبدأين ترتكز عليهما المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: يتعلق المبدأ الأول ب«التشاركي»، حيث دعا الملك إلى اعتماد مقاربة تشاركية بين السلطات المحلية والمجتمع المدني. ويتمثل المبدأ الثاني في تحديد الأولويات بشكل واضح على مستوى عدد أحياء المدن والجماعات القروية التي ينبغي أن تحظى بالأسبقية على صعيد محاربة الهشاشة والإقصاء الاجتماعي. لقد اعتبر «تقرير الخمسينية» المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مبادرة «تمثل قطيعة ذات أبعاد ثلاثية مع السياسات العامة لمحاربة الفقر التي تم اعتمادها منذ الاستقلال: قطيعة معلنة بإرادة سياسية على أعلى مستوى في الدولة... قطيعة متمحورة حول استهداف أحسن واندماج أفضل للتدخلات في الزمان والمكان... قطيعة في أساليب التمويل...». إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أصبحت هي محور السياسة السوسيو-اقتصادية قد حددت في مرحلتها الأولى أربعة برامج أولية: أولا: برنامج محاربة الفقر في المجال القروي باستهداف 360 جماعة قروية من بين الجماعات الأكثر فقرا. ثانيا: برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي في المجال الحضري باستهداف 250 حيا حضريا من بين الأحياء الأقل حظوة في المدن الكبرى. ثالثا: برنامج محاربة التهميش باستهداف خمسين ألف شخص ممن يعانون من الهشاشة القصوى، إضافة إلى الأشخاص المتكفل بهم على صعيد الهيئات العمومية أو الجمعوية. رابعا: البرنامج الأفقي، وهو برنامج وطني يروم دعم العمليات ذات الوقع الكبير والتأثير المباشر على التنمية البشرية في كافة الجماعات القروية والحضرية غير المستهدفة من البرنامج الأول أو البرنامج الثاني في إطار المرحلة الأولى، وذلك باقتراح مجموعة من المشاريع على صعيد العمالات والأقاليم. بذلت السلطات العمومية جهودا كبيرة للتعريف بمختلف جوانب السياسة السوسيو-اقتصادية المنتهجة من أجل محاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي والهشاشة. وقد انصب التعريف على ثلاثة جوانب أساسية: يرتبط الجانب الأول بمختلف الأوراش التي انطلقت في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها في ماي 2005. وقد سخرت السلطات العمومية مختلف وسائل الإعلام الرسمي التابعة لها من قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية وصحف. يتعلق الجانب الثاني بمختلف إسهامات وأنشطة «مؤسسة محمد الخامس للتضامن»، التي كانت قد أحدثت سنة 1999 والتي حددت مجالات تدخلها كأولويات في برامج عملها بين 2004 و2008 في الآتي: - المساهمة في تحسين الخدمات الاجتماعية بالوسط القروي، كتزويد الدواوير بالماء الشروب ومحو الأمية والتربية وولوج العلاج الصحي. - تأمين الحماية للساكنة في وضعية هشة، جراء آفة الفقر، كالأطفال المتخلى عنهم واليتامى والنساء الوحيدات والعجزة. - تحسين ظروف عيش السكان ذوي الدخل الضعيف، (تقرير الخمسينية. ص: 130-131). وتهدف مؤسسة محمد الخامس للتضامن، كما جاء في قانونها الأساسي، إلى «محاربة كل أشكال الفقر والتهميش الاجتماعي والعمل بجميع الوسائل، وخاصة عن طريق التضامن من أجل تقديم المساعدة إلى الأشخاص المعوزين أو إلى من هم في وضعية اجتماعية هشة». يتجلى الجانب الثالث في مخططات وزارة الإسكان، خاصة على مستوى دعم السكن الاجتماعي والقضاء على مدن الصفيح. ورغم أن السلطات العمومية كانت حريصة على التعريف بسياستها السوسيو-اقتصادية، فإنها صادفت صعوبات عديدة لإضفاء المصداقية على أوراشها لدى الرأي العام، خاصة وأن عدد الأوراش المعلن عنها لم يكن في مستوى النتائج المباشرة المحصل عليها، وازدادت هذه الصعوبات بتوالي صدور تقارير عن منظمات دولية، خاصة تقارير برنامج الأممالمتحدة للتنمية المتعلقة بتصنيف الدول على مستوى مؤشرات التنمية البشرية، حيث ما فتئت هذه التقارير تشير إلى المراتب المتأخرة التي يحتلها المغرب على الصعيد الدولي، بل إن بعض التقارير بدأت تحذر من تفاقم الوضعية السوسيو-اقتصادية في المغرب، مما يمكن أن تترتب عنه اضطرابات اجتماعية في المستقبل. لقد وجدت السلطات العمومية نفسها، من أجل الرد على التقارير «المتشائمة» الصادرة عن المنظمات الدولية حول الأوضاع السوسيو-اقتصادية في المغرب، ملزمة بانتهاج ثلاثة أساليب: - يتجسد الأسلوب الأول في التشكيك في صدقية تلك التقارير، وبالتالي في حقيقة الرتبة التي يحتلها المغرب بين الدول على صعيد مؤشرات التنمية البشرية استنادا إلى كون الحكومة المغربية تزود المنظمات ذات الاختصاص بمعطيات إحصائية دقيقة، في حين تقدم كثير من دول العالم الثالث معطيات إحصائية مغلوطة. - يتمثل الأسلوب الثاني في تبرير عدم تحقيق نتائج ملموسة تنعكس إيجابا على الأوضاع السوسيو-اقتصادية بحجم الانتظارات والآثار السلبية العميقة للسياسات الاجتماعية المنتهجة قبل سنة 1999. - يتجلى الأسلوب الثالث في توضيح سياقات الأوراش المعلن عنها من أجل محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي. فهذه الأوراش هي من أجل القيام بإصلاحات «بنيوية»، وبالتالي فإن نتائجها لن تظهر بشكل مباشر، بل تحتاج إلى بعض الوقت، ومن الخطأ تبخيس الجهود التي تبذل في هذا الإطار.