شكل الخطاب الملكي ل20 غشت 2001 انتفاضة حاسمة نحو مراجعة الوضع العام لمشكل السكن بالمغرب، بالتأكيد على واجب التطبيق الصارم للقانون قصد تلافي تحريف اختصاصات الجماعات المحلية وتهاون بعضها في ميدان محاربة السكن غير اللائق، ودق الخطاب ناقوس الخطر، منبها إلى خطورة انتشار السكن الصفيحي والعشوائي، لما له من أثر سلبي على كرامة المواطن، وما يشكله من تهديد لتماسك النسيج الاجتماعي، داعيا إلى اعتماد برنامج وطني تضامني مضبوط المسؤوليات.وقال الملك بعد ذلك في خطاب 30 يوليوز 2003 بمناسبة الذكرى الرابعة لعيد العرش أن حصيلة المنجزات، لم تكن في مستوى جسامة التحديات، وحمل المسؤولية للجميع في تزايد البناء العشوائي، انطلاقا من المواطن الذي يدفع رشوة للمسؤولين وتهاون السلطات العمومية والجماعات المحلية، في محاربة انتشار مدن الصفيح، بدل التشجيع على توفير السكن اللائق. ورغم التحذيرات الملكية، فإن هذه المعضلة الاجتماعية مازالت تتسم بكثير من التعقيد وتتداخل فيها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية بالإضافة إلى اضطراب طرق التدبير المحلي لها، وانكشف ذلك بشكل واضح بعد الأحداث التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء في 16 ماي الماضي، حيث أثير موضوع السكن غير اللائق بحدة بعد أن كان كل منفذي العمليات الدموية ينحدرون من مدن الصفيح المنتشرة بكثافة في المدينة الاقتصادية للمغرب. وفي قانون المالية لهذه السنة تقول الحكومة إنها جاءت بمعالجة جديدة لمشكل السكن، فهل تنجح في تدبير هذا الشأن الحيوي والحساس في الفترة المقبلة؟ وضعية متفاقمة وأسباب مختلفة حسب الإحصاءات الرسمية، يقدر الخصاص السكني في نهاية 2002 ب مليون و24 ألف وحدة، ويعرف هذا العجز تفاقما بسبب التفاوت بين الطلب السنوي المقدر ب 125 ألف وحدة سكنية، والإنتاج الذي لا يتعدى 80 ألف وحدة سنوية. ويشكل الخصاص في الوحدات السكنية الواجب بناؤها 56 بالمائة من هذا الخصاص، كما أن السكن غير اللائق يشكل ثلثي الخصاص الإجمالي ويتكون من السكن غير القانوني (540 ألف وحدة)، ومن دور الصفيح(270 ألف وحدة) ويأوي 5,23 من الساكنة الحضرية. وتقطن حاليا 270 ألف أسرة بدور الصفيح وتتزايد وتيرة هذا السكن ب 15 ألف كوخ سنويا، وكلها تتمركز في محور القنيطرةآسفي. وبالنسبة للسكن غير القانوني، فيسكنه حاليا 540 ألف أسرة بوتيرة متزايدة بلغت 25 ألف وحدة سكنية. وبالنسبة للتقرير الاقتصادي والمالي لمشروع قانون المالية لسنة ,2004 فقد أشار إلى أن الوضعية الراهنة لها أسباب عديدة منها ما هو مرتبط بالطلب كالنمو الديمغرافي، حيث تضاعفت الساكنة الحضرية خمس مرات ما بين 1960 و,2002 وكذاك الهجرة القروية التي تساهم في الامتداد العشوائي للمدن ، حيث يشكل هذا العامل 40 بالمائة من النمو الحضري، بالإضافة إلى عامل ثالث وهو ضعف دخل الأسر الحضرية، والصعوبات التي تواجهها في الادخار، جعل 30 بالمائة من الساكنة الحضرية لا تستطيع الحصول على سكن قانوني.أما الأسباب المتعلقة بالعرض، فهي تكمن بالأساس في ضعف تدخل النظام البنكي في تمويل السكن، وضعف العرض العقاري، وتعددية الضرائب المطبقة على العقار .وتكمن الاختلالات الداخلية لقطاع السكني في الفارق الكبير بين ثمن المتر المربع في السكن القانوني وغير القانوني، بالإضافة إلى عدم ملاءمة بعض القوانين وصرامة المساطر في مجال التعمير، والمضاربات العقارية والتساهل في تطبيق التشريع العمراني والمعاير التقنية الخاصة بالسلامة. وحسب أحمد توفيق احجيرة، الوزير المنتدب المكلف بالإسكان والتعمير، فإن عقم النظام التمويلي الوطني يعتبر من الأسياب الرئيسية لاستفحال ظاهرة البناء العشوائي والسكن غير اللائق، وللإشارة فالقرض العقاري والسياحي والقرض الشعبي يتدخلان وحدهما في تمويل السكن الاجتماعي بحوالي 80 بالمائة من سوق القروض العقارية، عكس الأبناك الأخرى التي تتدخل فقط في 20 بالمائة المتبقية. ومن الأسباب الحقيقية أيضا قلة الوعاء العقاري الضروري لإنجاز المشاريع السكنية، بسبب تعدد الأنظمة العقارية كالأراضي التابعة للدولة وأراضي الكيش والجماعات السلالية وأراضي الأحباس، وهذا يؤدي إلى تعقيد مساطر اقتناء الأراضي وتحفيظها، الأمر الذي يشجع على المضاربات العقارية والزيادة في تكلفة تلك المشاريع. ويثار مشكل آخر على مستوى المؤسسات والشركات العمومية التابعة لوزارة الإسكان، حيث يرى البعض أنها أصبحت تشكل عبءا على الدولة بسبب سوء تسيير بعضها وعدم الدقة في تقدير جدوى بعض المشاريع السكنية، وبالتالي عدم فعاليتها في الإنجاز السريع لها. وتجدر الإشارة إلى أن هناك عشر مؤسسات جهوية للبناء والتجهيز، أربعة منها في وضعية غير جيدة، وتعول الحكومة على هذه المؤسسات في تحقيق التوازن المالي، بل تحقيق أرباح كفائض من أجل استثماره في المشاريع الاجتماعية. ومن أسباب ضعف إنتاج بعض تلك المؤسسات هو أنها تتعامل فقط مع القرض العقاري والسياحي الذي كان يحتكر تمويل مشاريع السكن. ويذكر أيضا أن العديد من المشاريع التي برمجت منذ التسعينات لحل أزمة السكن بالمغرب، ما زال بعضها لم يتم أو لم يشرع في إنجازه لحد الساعة، خاصة منها التي خصصت للقضاء على دور الصفيح بمدينة الدارالبيضاء، كمشروع الحسن الثاني لإيواء سكان كريان سنطرال، ومشروع سيدي معروف، ومشروع سيدي المومن الحي وغيرها، وقد سلطت أحداث الدارالبيضاء الضوء مجددا على تلك المشاريع، وكانت المبادرة الملكية بعد تلك الأحداث لإعطاء انطلاقة جديدة لتلك المشاريع وغيرها. البرنامج الحكومي لمعالجة إشكالية السكن جاء في التصريح الحكومي الذي قدمه الوزير الأول ادريس جطو سنة 2002 أن الحكومة ستعمل على بلوغ هدف إنتاج 100 ألف وحدة سكنية اجتماعية سنويا، ومراجعة الإنتاج العمومي للسكن، واعتماد تفويض الاختصاصات في ميدان السكن الاجتماعي إلى المسؤولين الجهويين، وتعبئة الأرصدة التابعة للدولة والجماعات المحلية، وتحمل تكاليف الربط بشبكة البنيات التحتية، والتقليص من كلفة عوامل إنتاج السكن الاجتماعي، وتحسين الأنظمة الخاصة بتحفيز المنعشين العقاريين الخواص، ومراجعة القروض الخاصة بالسكن الاجتماعي. وحسب قانون المالية لسنة ,2004 فإن البرنامج الوطني لمحاربة السكن غير اللائق، الذي أعلن عنه محمد السادس في خطابه بتاريخ 20 غشت ,2001 سيهدف إلى محاربة مدن الصفيح، وإعادة هيكلة السكن غير اللائق لصالح 630 ألف أسرة، وتبلغ التكلفة الإجمالية لهذا الرنامج ب 29 مليار درهم ، وسيتم إنجازه على مرحلتين كل واحد منهما تمتد على مدى 5 سنوات وسيكون موضوع اتفاقيات بين السلطات الحكومية وولاة الجهات المعنية.كما أنه ستوضع رهن إشارة المنعشين العقاريين الراغبين في إنجاز عمليات السكن الاجتماعي أراضي للدولة مجهزة وبأثمان تفضيلية في إطار اتفاقيات، وستحل عملية تعبئة الأراضي هاته محل الإعانات العمومية الممنوحة لفائدة القطاع.وقد تم تحديد وعاء عقاري يبلغ 700,6 هكتار يهم مدن الدارالبيضاء ومراكش وأكادير وفاس وطنجة وتطوان والقنيطرة وتمارة وسلا. ويطرح قانون المالية لسنة 2004 مقاربة جديدة لمعالجة إشكالية السكن ترتكز على محورين أساسيين هما التقريب بين العرض والطلب في الوقاية من انتشار السكن غير اللائق، لذلك قررت السلطات العمومية الرفع من الإنتاج السنوي للسكن الاجتماعي على المدى المتوسط إلى 100 ألف وحدة على شكل سكن جاهز أو نصف جاهز أو بقع أرضية مجهزة للسكن الفردي أو عبر إعادة هيكلة أحياء السكن العشوائي. ونظرا لضعف القدرة الشرائية للساكنة الحضرية التي لا تستطيع الاستفادة من العرض السنوي للسكن والبالغ 85 ألف وحدة سكنية، تقرر توفير منتوج سكني جديد للفئة ذات الدخل الضعيف بثمن تفضيلي يتراوح ما بين 80 ألف درهم و120 ألف درهم. وتم وضع بعض الإجراءات من أجل تمكين الأسر ذات الدخل الضعيف والمتوسط من الحصول على السكن، كتزويد صندوق التضامن السكني بإيراد سنوي يقدر بمليار درهم، وإحداث ثلاث صناديق من أجل تشجيع الأبناك التجارية للتوجه إلى القروض الرهنية طويلة الأمد، ويتعلق الأمر بصندوق ضمان الموظفين ومستخدمي القطاع العام، وصندوق ضمان لمستخدمي القطاع الخاص وصندوق ضمان خاص بالفئات ذات الدخل غير القار والضعيف. وفي خطاب فتح الله ولعلو، وزير المالية والخوصصة، بمناسبة تقديم مشروع قانون المالية لسنة ,2004 قال إن إصلاح نظام السكن سوف لن يقتصر على الوسط الحضري، بل سيشمل كذلك المجالات القروية، وذلك من خلال تبسيط مساطر الترخيص والعمل بمجانية التصاميم النموذجية للبناء ومد المساعدة التقنية من طرف الوكالات الحضرية. ويوجد قيد الدرس الآن مشروع قانون يقر بفرض عقوبات على مشجعي السكن العشوائي، ومن المنتظر أن يتم عرضه أمام البرلمان في الدورة الخريفية الحالية. ويهدف هذا المشروع إلى تطبيق العقوبات ضد كل من ثبت تورطه في تشجيع السكن غير اللائق وغير القانوني، وانتشار مدن الصفيح. ويتضمن مشروع القانون في خطوطه العريضة تطبيق عقوبات حبسية، تصل إلى 5 سنوات حبسا نافذة في حق كل من ثبت تورطه بصفة مباشرة أو غير مباشرة في هذه الظاهرة. ولا يستثني المشروع المنتخبين والسلطات المحلية والمستفيدين من السكن العشوائي أو غير القانوني. وبالإضافة إلى العقوبات الحبسية يتضمن مشروع القانون كذلك غرامات مالية كبيرة، خصوصا في حق المضاربين والمستفيدين، تصل إلى أضعاف قيمة اقتناء البقع الأرضية. إعداد: عمر العمري مقتطف من نص خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش خلال هذه السنة: الكل مسؤول عن انتشار السكن الصفيحي والعشوائي لقد دق خطابنا لعشرين غشت 2001 ناقوس الخطر، منبها إلى خطورة انتشار السكن الصفيحي والعشوائي، لما له من أثر سلبي على كرامة المواطن، وما يشكله من تهديد لتماسك النسيج الاجتماعي، داعيا إلى اعتماد برنامج وطني تضامني مضبوط المسؤوليات. وبعد سنتين، وبدل أن أعاين، خلال زياراتي التفقدية لأقاليم المملكة، القضاء التدريجي على السكن الصفيحي، ألاحظ بمرارة انتشاره في عدة مدن، بل إن أحياء صفيحية قد ظهرت وتضخمت، لتصبح مدنا عشوائية قائمة الذات. ومثل هذا البناء العشوائي لم ينزل من السماء، ولم ينتشر في الأرض بين عشية وضحاها. بل إن الكل مسؤول عنه، وذلكم انطلاقا من المواطن الذي يدفع اليوم رشوة لمسؤول، قد يأتي غدا بالجرافة، ليهدم براكته أمامه، إلى مختلف السلطات العمومية والجماعات المحلية، المتهاونة في محاربة انتشار مدن الصفيح، بدل التشجيع على توفير السكن اللائق. فهل يجوز، والحالة هذه، اعتبار ذلك قدرا محتوما. إن تشبعنا بالروح الإيجابية، يجعلنا نعتبر أن الوضعية، وإن كانت مقلقة، فإنها غير ميؤوس منها إذا تجندنا لمعالجتها، بكل استعجال وحزم، وإلا فقدنا التحكم فيها، تاركين مدننا تتحول إلى بؤر للإقصاء والانغلاق، والحقد والتواكل، بدل أن تكون فضاءات للتضامن الاجتماعي، والإنتاج الاقتصادي، والازدهار العمراني، والانفتاح الحضاري. وهذا ما لا أرضاه لبلدي وشعبي، الذي أتولى أمانة قيادته، ضمن ملكية تستمد قوتها من تجذرها وقربها من الشعب ولذلك أحرص على تفقد أحوالك ميدانيا، طول السنة في مختلف الجهات لتحفيز المبادرات وتفعيل مشاريع التنمية.