دائما كان «رفاق» بنعبد الله على خلاف مع «إخوان» بنكيران. أما حين تبنت حكومة عبد الرحمن اليوسفي، «خطة إدماج المرأة في التنمية» التي كان طرحها سعيد السعدي، القيادي في التقدم والاشتراكية، فقد تحول الصراع إلى رهان قوة، حيث كل طرف نزل إلى الشارع لإثبات أنه الأقوى وأن الشارع في صفه، لكن بعد كل ذلك وبعد رياح الربيع التي حولت «العدالة والتنمية» من حزب يصارع من أجل الحيلولة دون حله إلى حزب يقود الحكومة، عاد «رفاق» بنعبد الله ليشكلوا حلفا قويا مع «البيجيدي»، في الوقت الذي اختارت نزهة الصقلي ورفيقها السعدي عدم مباركة هذا الحلف، الذي يقوده نبيل، ابن الراحل محمد بنعبد الله، كاتب كلمات الأغاني الشهير، والذي غنى له الراحل اسماعيل أحمد القصيدة الرومانسية «اذكري». قبل ثلاث سنوات كان مفاجئا أن يحتل حزب العدالة والتنمية صدارة الانتخابات التشريعية التي نظمت، قبل أن تنتهي رياح الربيع العربي. في هذه الثلاث سنوات الماضية، وهي بالمناسبة عمر حكومة بنكيران، كان مثيرا للانتباه أن الأغلبية الحكومية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، ضمت أيضا ورثة «الحزب الشيوعي». كما كان مثيرا للانتباه أن يقول رئيس الحكومة لحليفه أثناء المشاورات «بغيتكم تسخنو ليا كتافي»، وأن يرد بنعبد الله بابتسامة، وكأنه يقول له «كون هاني». في بداية العام 2012، وأثناء مشاورات تشكيل الحكومة ظل بنكيران يقول إنه يريد التحالف مع الأحزاب الديمقراطية، لكن مع ذلك كان مفاجئا أن يضع رفاق نبيل بنعبد الله أيديهم بأيدي إخوان بنكيران، هم الذين كانوا يتبادلون الشتائم والسباب والاتهامات. بل إن الرفاق الذين كانوا يتبنون «خطة إدماج المرأة في التنمية» واجهوا مقاومة شديدة، من «الإسلاميين»، الذين نزلوا بصفوف متراصة إلى شوارع مدينة الدارالبيضاء للتعبير على رفضهم هذه الخطة، التي راهن عليها «الحداثيون كثيرا. لذلك صور كثيرون تحالف «البيجيدي» و«البي بي اس» بأنه تحالف هجين، واعتقد الكثير من المتتبعين أن حكومة بنكيران ستضطر عاجلا إلى البحث عن حليف جديد، لكن الذي وقع هو أن حزب الاستقلال، الذي من المفروض أنه أقرب الحلفاء إلى العدالة والتنمية هو الذي نزل أولا من قطار الحكومة، بينما يستمر حزبا الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار في وضع رجل في قطار الأغلبية الحكومية ورجل أخرى في مربع الأصالة والمعاصرة. أما رفاق بنعبد الله فقد عادوا إلى الواجهة، وهذه المرة بعد أن أصبحوا الحليف الذي أوفى بتعهداته للحزب الإسلامي في الانتخابات التي جرت يوم رابع شتنبر الجاري وما تلاها من انتخابات على صعيد الجهات. لذلك يتساءل كثيرون هل انتهى زمن العداوة بين «الرفاق» و«إخوان» بنكيران؟ لو كان يعتة حيا؟ في مربع المعارضة أيضا أثير الكثير من مثل ذلك، فحين التقى مسؤولون من ثمانية أحزاب سنة 2011 في «التحالف من أجل الديمقراطية» حاولوا جاهدين إقناع المتتبعين بأن التصنيفات الإيديولوجية يمينا ويسارا أصبحت متجاوزة، لكن رغم ذاك كان غريبا أن تتحالف أحزاب من اليمين واليسار وأقصى اليمين. لذلك لم يستمر هذا التحالف سوى أسابيع، إذ في النهاية سقطت كل شعارات «عقلنة المشهد السياسي». لكن أليس في المغرب تبنى التحالفات السياسية فقط على أساس حسابات الربح والخسارة؟ في حالة بنكيران وبنعبد الله، قال رئيس الحكومة غداة تشكيل الحكومة إن تحالف حزبه «البيجيدي» مع حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقاً) لم يكن سهلاً، فيما كان بنعبد الله أكثر وضوحا وهو يرد على منتقديه بأنه «لو كان الزعيم الشيوعي الراحل علي يعتة حيا، لاتخذ نفس المواقف التي اتخذها هو في عهد حكومة بنكيران». قبل أن يتابع:«أصعب شيء، هو أن تكون في هذه الحكومة، وأسهل شيء هو أن تكون في المعارضة». أما ليبرر التحول من موقع الحزب «الحداثي» الذي يهاجم كل ما يأتي «الإسلاميين»، فقد قال في ذات تصريح «هل هناك قرار اتخذته الحكومة، ويمكن أن يمس بالمشروع المجتمعي الديمقراطي مثلا فالتزمنا الصمت؟ ما يثلج صدرنا –والكلام دائما لبنعبد الله- هو أن رئيس الحكومة يساير ما نعبر عنه». أكثر من ذلك لا يتردد الرفيق في القول دائما «نحن جزء من التجربة الحكومية كره من كره وأحب من أحب، وهي تجربة ناجحة، وسندافع عنها لأنها تجربة الصدق والإخلاص والعمل والجدية، بالرغم من العراقيل التي تواجهنا، والذي يربطنا بحزب العدالة والتنمية هو المعقول»، لكن بنعبد الله نفسه هو الذي كان قال غداة انتخابه أمينا عاما ل»بي بي إس» خلفا لإسماعيل العلوي (ماي 2010) إن تشاور حزبه مع «البيجيدي» لايعني أن هناك تلاقيا ممكنا مع «العدالة والتنمية» حول المشروع المجتمعي وأنه لا يمكن أن يتحالف الحزبان على مستوى تدبير الشأن العام الوطني، وأن «التقدم والاشتراكية» سيبقى وفيا للكتلة الديمقراطية واليسار بدرجة أولى. وبدرجة أقل التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية. على اعتبار أن مع هذين الحزبين كانا جزءا من الحكومات التي شارك فيها الحزب في السنوات الأخيرة. وأيضا عشية الانتخابات التي وضعت «البيجيدي» في المقدمة كان يقول بنعبد الله إن حزبه جزء من الكتلة الديمقراطية، وليس في أي مكان آخر. لكن أليست التحالفات السياسية في المغرب تبنى فقط على أساس حسابات الربح والخسارة؟ «شيطنة الاسلاميين» في المغرب. وبعد أعوام من الصراع بين طرف يقدم نفسه «حداثيا» يدافع بين المناصفة بين المرأة والرجل، وأساسا عن الحريات الفردية وتيار محافظ متهم بأنه مارس ضغوطا كبيرة أثمرت حذف عبارة الدولة المدنية من الدستور، وإدراج المكون العبري ضمن الروافد الثقافية للمغاربة، بدلا من المكون الهوياتي، وتعويض عبارة المغرب بلد مسلم ب»دولة إسلامية». لا يتردد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في الدعوة إلى الكف عن «شيطنة الإسلاميين»، رغم أن حزبه وأحزاب أخرى كانت خاضت معارك شرسة ضدهم في قضايا المرأة وحقوق الإنسان، بل إنه في العهد الجديد كانت أول قضية تعرف حراكا عاما في الشارع، هي قضية خطة إدماج المرأة في التنمية التي طرحتها حكومة عبد الرحمن اليوسفي، والتي عرفت من خلالها مسيرتين مليونيتين، في الرباط مدعمة للمكاسب الجديدة للمرأة وفي الدارالبيضاء تتزعمها التيارات الإسلامية رافضة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، خاصة في الإرث، على حد وصف التيار المناهض لهم. على أي فقد تحول كل شيء، وأصبح واقعا ما كان إلى وقت قريب أقصى ما يمكن توقع حدوثه. «رفاق» بنعبد الله الذين كانوا يضعون يدا في يد مع المطالبين بحل «البيجيدي»، هم أنفسهم الذين أصبحوا أكثر اقتناعا بجدوى الاصطفاف إلى جانب العدالة والتنمية، وهم كذلك كانوا أول من اقتنع بجدوى المشاركة في حكومة يقودها الإسلاميون. وفي هذا الظرف لم يكتف بنعبد الله بأن أكد في كل المناسبات أن حزبه جزء من هذه التجربة وأنه سيستمر فيها إلى النهاية، بل هو الذي يقول دائما إن «الاستمرار في شيطنة الإسلاميين» يزيد من تعاطف الناس معهم، وهو الذي ظل يقول منذ تشكلت الحكومة الحالية «إن إجراء انتخابات سابقة لأوانها سيعزز نفوذ الإسلاميين أكثر».. هدايا متبادلة عقب نتائج الانتخابات الأخيرة، كان واضحا كيف أن بنعبد الله ظل ثابتا على موقفه من أن يستمر تحالف الحزبين إلى النهاية، على عكس كيف يضع قياديو الأحرار والحركة الشعبية يدا مع الأغلبية الحكومية ويدا أخرى مع الأصالة والمعاصرة، الحزب الذي يقف على النقيض. مكافأة له على ذلك حاول بنكيران جاهدا منح «الرفاق» رئاسة جهة أكادير، لولا التدخل الحاسم لأخنوش الذي حال دون أن يخلف عبد اللطيف أوعمو، ابراهيم الحافيدي في جهة سوس. هكذا يعطي زعيما الحزبين الانطباع أن تحالفهما، ليس ظرفيا، وعلى عكس ما كان يعتقد كثيرون، لم يكن رفاق بنعبد الله أول من غادر الحكومة، بل فعلها حزب الاستقلال، المفروض أنه أقرب الأحزاب إلى العدالة والتنمية. بعيدا عن السياسة والحزب، يظل بنعبد الله مثل الكثيرين من أبناء جيله مرتبطا بالسينما. هو ابن الراحل محمد، كاتب كلمات الأغاني الشهير، والذي غنى له الراحل إسماعيل أحمد القصيدة الرومانسية «اذكري». ورث نبيل عن والده الاهتمام ب«السياسة». ولد الرفيق نبيل ثلاث سنوات بعد نيل المغرب استقلاله السياسي في مدينة الرباط، وبالضبط بالحي الإداري. التحق بالتعليم الابتدائي بشكل مباشر في مدرسة تابعة للبعثة الفرنسية، وبالضبط بثانوية «ديكارت». بعد حصوله على شهادة البكالوريا سنة 1977. غادر المغرب إلى فرنسا لمتابعة دراسته الجامعية، لكنه سرعان ما عاد إلى المغرب بسبب مرض والده، حيث اضطر إلى أن يتولى تدبير مكتب الترجمة الذي أسسه والده، بينما يتولاه حاليا شقيقه. في فرنسا سيتعرف نبيل إلى رفاقه في حزب التقدم والاشتراكية، لكن قبل ذلك سينضم إلى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بالخارج. وفي وقت لاحق تحمل مسؤوليات حزبية قبل أن يصبح مسؤولا في التنظيم في فروع الحزب و«أ-و-ط-م»، قبل أن يتحمل سنة 1988 مسؤولية الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية، مما خول له المشاركة في اجتماعات اللجنة المركزية. أما في سنة 1995 فقد أصبح عضوا في المكتب السياسي للحزب، كما أصبح مستشارا بمجلس مدينة الرباط وبمجلس مقاطعة أكدال، قبل أن ينتخب أمينا عاما للحزب سنة 2010. في حياة بنعبد الله السياسية كان مثيرا أن يتم إبعاده من منصب سفير للمغرب في ايطاليا، بعد ثلاثة أشهر فقط من تعيينه. حينها توقع كثيرون أن يتوارى بنعبد الله إلى الخلف، لكن الوزير السابق للاتصال في حكومة إدريس جطو، نجح في أن يشغل منصب وزير للسكنى والتعمير وسياسة المدينة.