عشر ساعات كاملة لم يفارق فيها طيف العدالة والتنمية مخيلة «شيوعيي المغرب» ولا ألسنتهم. وكيف له أن يفارقهم وقد كانوا طيلة يوم السبت الماضي يفصلون بالطول والعرض في اجتماع لجنتهم المركزية لمسألة التحالف مع الحزب الاسلامي الذي سيقود الحكومة المقبلة. استهزأ المعارضون للتحالف مع الحزب الإسلامي طويلا من المؤيدين للتحالف وعلى رأسهم الأمين العام نبيل بنعبد الله رافعين في مرة شعار «تكبير، تكبير» «والله اكبر والله أكبر» في إشارة إلى أن حزب التقدم والاشتراكية سيتنازل كلية بدخوله في حكومة ستقودها العدالة والتنمية عن كل مرجعياته، بل ستصبح شعاراته مطابقة تماما لشعارات الإخوان في «البيجيدي». توقف نبيل بنعبد الله أثناء إلقاء خطبته، وكان في كل مرة يطلب من المحتجين أن يدعوه يتلو تقرير الديوان السياسي، فيما بعد لم تصبح الشعارات مجدية هي الأخرى وانتقلت القاعة للغة أخرى استعملت فيها هذه المرة اللكمات، وتراشق فيها أعضاء اللجنة المركزية بالكراسي بعدما منع أحد أعضاء اللجنة المركزية من التعقيب على مداخلة لسعيد السعدي، أحد قادة الحزب الداعين إلى عدم التحالف مع العدالة والتنمية. بعض أعضاء اللجنة المركزية فضلوا الانسحاب من الاجتماع بعضهم عاد بعد أن هدأت الأمور وبعضهم امتطى أول وسيلة نقل صادفها مغادرا الاجتماع بصفة نهائية. دافع نبيل بنعبد الله الأمين العام للحزب مطولا عن التحالف مع العدالة والتنمية، واختار مبرارته بعناية تامة، دونها في تقرير سلم للصحافيين مطبوعا في سبع صفحات. قال بنعبد الله «إنه قبل الجواب حول أين يجب أن يتموقع حزب التقدم والاشتراكية، وما موقفه من المشاركة في الحكومة المقبلة من عدمها ؟ يجب إرجاع الخطوات إلى الوراء للتذكير بالرسالة التي بعثتها القيادة المنتخبة حديثا لحلفائنا في حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في شتنبر 2010، لإثارة الانتباه إلى خطورة المرحلة، والتشديد على ضرورة مواجهة ما كان يطبع الفضاء السياسي من اختلالات مواجهة صارمة، في إطار وحدة الصف، ومن منطلق الحرص على أداء الدور التاريخي الملقى على عاتق القوى الوطنية والديمقراطية، لكننا، ويا للأسف، لم تجد دعوتنا هذه آذانا صاغية». واصل نبيل بنعبد الله انتقاده لحلفائه السابقين في الكتلة الديمقراطية، بالقول «لقد قمنا أيضا بمساع مع حلفائنا من أجل أن تكون لدينا مواقف موحدة من كل الإصلاحات السياسية التي كانت تنتظر بلادنا، قبل ولوج مرحلة الاستحقاقات الانتخابية، ولكي نعلن، مبكرا، عن إحياء تحالف الكتلة الديمقراطية، لكن ذلك لم يتأت، للأسف الشديد، إلا بعد فوات الأوان، أي أياما قليلة فقط قبل دخول غمار المعركة الانتخابية». «ثم لقد حاولنا»، يضيف بنعبد الله في خطبته السياسية، «التوصل إلى التزام يقضي بأن يكون موقف الكتلة من أي تجربة حكومية لاحقة هو المشاركة المشتركة أو الخروج معا إلى المعارضة، وفي هذا الصدد أيضا، لم نجد استعدادا من قبل جزء من حلفائنا». في مقابل ذلك، ترافع الأمين العام للتقدم والاشتراكية لصالح العدالة والتنمية قائلا: «إن الحقيقة التاريخية تقتضي أن نعترف بأن مساعينا وتحركاتنا من أجل التصدي للممارسات المنحرفة كانت تجد، في الساحة ودون تنسيق مسبق، تلاقيا موضوعيا مع حزب العدالة والتنمية». برر الأمين العام نبيل بنعبد دعوة المكتب السياسي للمشاركة في التحالف الحكومي الذي ستقوده العدالة والتنمية بالقول «إن عدم المشاركة لن يفضي، إلا إلى أحد أمرين اثنين، لا ثالث لهما: إما ألا يتمكن رئيس الحكومة المعين من تشكيل حكومته، وهذا من شأنه أن يعتبر، من قبل الرأي العام الوطني والدولي، نوعا من التآمر على المنهجية الديمقراطية، وبمثابة إفراغ لنتائج الانتخابات من مضمونها ومعاكسة لمنطوق تصويت الشعب، وإما أن يجعل ذلك رئيس الحكومة المعين يلجأ، ضدا على أولوياته المعلنة فور تعيينه بل وحتى قبل خوض غمار الانتخابات، إلى مكونات تنتمي إلى ذلك التحالف الهجين» في إشارة من نبيل بنعبد الله للأحزاب المشكلة لتحالف الثمانية. في الساعة السابعة وبعد يوم مضن وشاق، خرج الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية من اجتماع اللجنة المركزية وفي جيبه تأشيرة أغلبية رفاقه لمباشرة المفاوضات مع عبد الإله بنكيران على عدد الحقائب التي سيحوزها حزبه ضمن التشكيلة الحكومية المقبلة بعدما صوت 352 عضوا، لصالح المشاركة فيما رفض 53 التحالف مع الإسلاميين، وامتنع 7 أعضاء عن التصويت، من أصل 412 عضوا حضروا الاجتماع الذي احتضنته إحدى قاعات الأفراح في مدينة سلا.