في رواية «الغريب» لألبير كامو، أحد رواد العبثية في الأدب الحديث، يقف البطل مورسو أمام القاضي لكي يبرر قتله أحد المواطنين. قال مورسو إنه فعل ذلك فقط لأن الضحية كسر له هرمونية المكان حينما كان وحده على الشاطئ. نفس هذه الصورة، التي قدمها ألبير كامو في روايته، يعيشها زوار ومصطافو منتجع سيدي بوزيد، التابع للجماعة القروية مولاي عبد الله بإقيم الجديدة، مع غطاسي الطحالب البحرية، الذين يبحثون عن قوت يومهم على بعد أمتار من هؤلاء الذين يبحثون عن حمام شمس فوق رمال سيدي بوزيد الذهبية. وتبدو المفارقة مثيرة كيف يفرق بين هذه الفئة وتلك مجرد ممر صغير. إنه موسم جني الطحالب البحرية، أو «الربيعة» في الاصطلاح الشعبي، الذي تزامن هذه السنة مع انطلاق موسم مولاي عبد الله. لذلك توزع سكان المنطقة بين الاحتفال بما يوفره الولي الصالح من مظاهر الفرجة، وبين البحث في عمق البحر عن الطحالب التي تنتج مادة «الكاراكار»، التي تستعمل في مواد التجميل والمواد الصيدلية، حيث يقدر المهنيون أن منطقة دكالة تستطيع جني قرابة 15 ألف طن سنويا. نظام جديد لجني طحالب البحر ظل جني الطحالب البحرية من شواطئ دكالة نشاطا يمارسه الكثير من سكان المنطقة، الممتدة من الحويرة بجماعة البئر الجديد إلى تخوم سيدي عابد، على مقربة من إقليمآسفي على مسافة تقارب 150 كيلومترا. وظل هذا النشاط يدر على ممارسيه عائدات مالية محترمة، خصوصا أن وزارة الصيد البحري ظلت تغض الطرف عن طريقة جني هذه المادة، على الرغم من أن المضاربين، الذين كانوا يشترون هذه الطحالب وهي لا تزال مبللة لبيعها لشركات التحويل، كانوا أكثر استفادة من الذين ينزلون إلى البحر. غير أن الوزارة الوصية انتبهت في السنوات الأخيرة إلى خطورة ذلك التسيب الذي كان يعرفه هذا النشاط، فبادرت إلى وضع ضوابط، لا تزال غير مفعلة ولا تحترمها نسبة كبيرة من الغطاسين. لقد راهنت الوزارة على العمل لتفادي انقراض الثروة الوطنية من الطحالب. لذلك اقترحت توقيف الجني في إطار راحة بيولوجية تمتد سنتين، قبل أن تتراجع وتتخذ قرار تطبيق «كوطا» تقتضي تخصيص 80 في المائة من الكميات المستخرجة على الصعيد الوطني للتحويل الصناعي لاستخراج مادة «الكاراكار»، وتخصيص 20 في المائة للتصدير الخارجي . وشكل ثمن البيع دوما إكراها حقيقيا، خصوصا بالنسبة للغطاسين الذين يقضون ساعات تحت مياه البحر لجني هذه المادة. لذلك أثار قرار مندوبية الصيد البحري بتوحيد هذه الأثمنة ارتياحا، على الرغم من أن بعض المضاربين لا يحترمونه بعد أن حدد في 3.50 دراهم للكيلو الواحد المبلل. وإن كانت هذه القيمة لا تساوي كل الأمراض والعاهات التي قد يتسبب فيها الغطس ساعات تحت مياه الأطلسي. ومن ذلك ما سبق أن كشف عنه تقرير طبي أكد على أن نسبة أكثر من 60 في المائة من الغطاسين يعانون أمراضا خطيرة في الجهاز التنفسي جراء استعمال محركات ضغط هواء تعمل بالزيت والكازوال، وهي محركات ممنوعة من طرف منظمة الصحة العالمية . هذه هي الصورة التي يقدمها اليوم غطاسو دكالة المنهمكون في البحث عن رزقهم داخل أعماق البحر، في الوقت الذي ينعم جيرانهم في نفس الجماعة القروية بحفلات موسم مولاي عبد الله. «موازين دكالة» ظل سكان دكالة يتداولون في السنوات الأخيرة نكتة طريفة مفادها أنه إذا كان للعاصمة الرباط مهرجانها «موازين» بكل حجمه وبالأسماء الفنية التي تؤثث فضاءه كل سنة، فإن لدكالة «موازينها الشعبية» أيضا. إنه موسم مولاي عبد الله أمغار، الذي تحتضنه صيف كل سنة الجماعة القروية مولاي عبد الله غير بعيد عن مدينة الجديدة. هو واحد من أكبر المواسم الشعبية في المغرب، الذي لا يزال يحافظ على طابعه الخاص، رغم كل الروتوشات التي تحاول السلطة، التي ترعاه دوما، أن تضيفها عليه بين الفينة والأخرى. ولا غرابة أن يحتضن اليوم أكثر من 500 ألف زائر، بخيامهم وخيولهم، بالنظر إلى أنه فضاء للتبوريدة التقليدية بامتياز. وتزداد جمالية هذا الموسم، الذي لم يعد دكاليا فقط، حينما تنصب خيامه على شاطئ المحيط، مما يجعله مصطافا نهارا، وفضاء للفرجة بكل أصنافها ليلا. مولاي عبد الله هو واحد من المواسم التي تغنت بها الأغنية الشعبية. إذ لم تفوت الراحلة فاطنة بنت الحسين، وهي واحدة من رموز العيطة، الفرصة لتغني هي الأخرى لموسم مولاي عبد الله. ففي عيطتها الشهيرة «مولاي عبد الله»، وحينما كانت تصدح «أمولاي عبد الله احنا جينا نزوروك»، كانت بذلك تعبر بصدق عن لحظة احتفالية تقيمها قبائل دكالة مع حلول كل فصل صيف، بعد أن تكون هذه القبائل قد جنت محاصيلها الزراعية. اليوم يبدو أن الصورة تغيرت. إذ أصبح لهذا الموسم منظموه ومحتضنوه، وبرامجه الفنية والرياضية. ومن ثم فقد واحدة من علاماته الخاصة كواحد من أشهر المواسم الشعبية، التي تجمع قبائل دكالة حول سهرات شعبية بدون بروتوكول ولا دعوات، وفترات «تبوريدة» تأسر العين، ولحظات استجمام على شواطئه الممتدة. لذلك علق أحد الظرفاء ساخرا كيف أصبح مولاي عبد الله شبيها بموازين العاصمة الرباط. غير أن «موازين» تقدم سهرات تجمع بين الغناء العصري والغربي بكل أصنافه، فيما لا تقدم «موازين» دكالة غير الطابع الشعبي مع الستاتي والداودي والصنهاجي.. دون أن يفرط الدكاليون في صوت المرحومة فاطنة بنت الحسين، وهي تحصي قبائل دكالة التي نصبت خيامها وحضرت الاحتفال «جاونا لمعشات جاو خيل أولاد افرج.. جاونا القواسم حكامة الطير الحر». الطريق إلى الموسم تختنق الطريق المؤدية إلى الجماعة القروية مولاي عبد الله. ويفرض عليك رجال الدرك، الذين يحرسون المكان بالمئات، التخلي عن سيارتك على بعد قرابة عشرة كيلومترات من مكان الموسم، فلا يملك الواحد إلا أن يتركها في الخلاء وبدون حراسة. لقد عجزت هذه الجماعة القروية، وهي واحدة من أغنى الجماعات الترابية على الصعيد الوطني، عن توفير موقف للسيارات يليق بحجم زوار الموسم، الذين راهن المنظمون على أن يفوقوا الخمسمائة ألف زائر. وهي واحدة من النقط السوداء التي يعرفها هذا الموسم الشعبي، وتعرفها جماعة قروية بدون مواصفات، وإن كانت بمداخيل سنوية تسيل اللعاب، بالنظر إلى أنها تستفيد مما يؤديه المركب الكيماوي بالجرف الأصفر، وشركة الطاقة، ومعمل الحديد والصلب، وعدد من المؤسسات الصناعية التي تؤثث اليوم فضاء الجرف الأصفر المصنف واحدا من أكبر الأقطاب الصناعية في البلد. كل هذا الخير العميم الذي تعيشه جماعة مولاي عبد الله القروية لا ينعكس على مناحي الحياة فيها. ولا غرابة أن هذه الجماعة لا تزال إلى اليوم بدون قنوات للصرف الصحي، وبدون طرقات ولا إنارة في مستوى ما يوفره لها فائضها السنوي. لذلك ظلت لعقود تثير شهية أولئك الذين تعاقبوا على تسيير شأنها المحلي ومجلسها القروي، الذي كانت السلطة تعتبره صندوقها الأسود. والحصيلة أن جل رؤساء هذه الجماعة، التي تصنع منذ سنوات موسما للفرجة والاحتفال بقبائل دكالة، إما أنهم اعتقلوا بتهم الاختلاس وتبديد المال العام، أو أن ملفاتهم توجد اليوم بيد القضاء. على مرمى حجر من منتجع سيدي بوزيد، التابع لنفس الجماعة، تتراءى الخيام على امتداد البصر. هنا فوق الأراضي الفلاحية نصب زوار مولاي عبد الله خيامهم بدون ترتيب. وهنا يبيتون في الخلاء بدون أي شروط للتخييم. فلا ماء ولا إنارة ولا مراحيض. ويضطر الزوار إلى النزول إلى البحر لتنظيف أوانيهم وملابسهم، ولقضاء حاجتهم الطبيعية. خيام وحفلات خيام مولاي عبد الله درجات، تماما كما هو حال حفلاته الليلية. إذ يمكن لبعض الأقمشة وقطع الثوب أن تصنع خيمة تجمع بداخلها كل أفراد الأسرة، الذين ينامون مكدسين كعلب السردين. كما يمكن لخيمة قيادية أن تنصب على شاطئ البحر لتحتضن علية القوم وأبناءهم. وحينما يسدل الليل ستاره، تنطلق سهرات الموسم المتنوعة. هنا خيمة تقدم شيخات الدرجة العاشرة. وهنا أخرى اختارت أن تكون فقرات سهرتها اعبيدات الرمى. وثالثة تحركها الحضرة وموسقى السواكن والجدبة. أما بعيدا، فيمكن لزوار الموسم، من الدرجة الأولى، أن يتابعوا في ظروف أحسن سهرة مع الستاتي أو الداودي. في مولاي عبد الله كل أصناف الفرجة والاحتفال الشعبي، من السهرات الرسمية والعفوية إلى ما تقدمه الحلقة من فرجة تكاد تضيع اليوم مع رموز كبار أمثال «اخليفة» و»زعطوط» و»ولد آسفي» و»الكريمي»، أو مع «موات الحمير» ومقدمي الرقصات والأغاني الشعبية. وحدها السلطة اختارت أن تحول هذا الموسم الشعبي الممتد لسنوات من طابعه هذا إلى ما يشبه المهرجان الرسمي، والذي قد يفقد طابعه الخاص بعفويته التي تجعل أكثر من 500 ألف زائر بدون ماء ولا إنارة ولا مراحيض فرحون بقضاء أسبوع كامل في ضيافة الولي مولاي عبد الله أمغار. الصيد بالطائر الحر مولاي عبد الله هو أيضا لحظة الصيد بالصقور، حيث تعرف منطقة دكالة بوجود قبائل الشرفاء القواسم، الذين لا يزالون يحافظون إلى اليوم على هذه الثقافة، رغم كل الإكراهات التي يعرفونها. ويحكي المولعون بهواية الصيد بالصقور كيف كانت تقليدا منذ عهد المولى إسماعيل، وكيف كانت الدولة ترعاها وتسعى إلى المحافظة عليها من الضياع. ويشرح أحد المهتمين بهذه الظاهرة من جماعة القواسم كيف كان صيادو الصقور يرافقون السلطان المولى إسماعيل في رحلات صيد. أما سبب اختيار شرفاء القواسم دون غيرهم، فلأن جدهم، يضيف أحد أبناء المنطقة، سيدي علي بن قاسم، كان أول من اختار الصيد بالصقر، أو «الطاير الحر» كما يطلق عليه. وقد مارس هذه الهواية الكثير من السلاطين والأمراء والملوك لكي لا يزعجوا ساكنة المناطق المجاورة بأصوات بنادقهم، لذلك كان الصقر ينوب عن البندقية. إضافة إلى جمالية صورة هذا الطائر العجيب وهو يختار طريدته ويحملها إلى سيده في صورة لا تزال تأسر عيون زوار مولاي عبد الله، وهم يتحلقون حول هذا القاسمي المدثر في جلبابه الصوفي وقد وضع على رأسه غطاء يقيه من شمس غشت الحارقة. لقد كان الصقر، يقول محدثنا، مرافقا للملوك والأمراء في المشرق وفي المغرب، خصوصا أثناء رحلات صيدهم. وقد أصبحت الأقاليم الجنوبية والشرقية للمملكة، خاصة الرشيدية وفكيك، اليوم، قبلة للعديد من أمراء المشرق من إماراتيين وكويتيين وسعوديين وقطريين، حيث أصبح كل واحد من هؤلاء يتوفر على محمية خاصة به يمارس فيها طقوس الصيد بالصقور. اليوم، يقدم موسم مولي عبد الله هذه الفرجة لزواره، الذين يتابعون ما يحدث بالكثير من الدهشة والاستغراب، ويتساءلون كيف يستمع الصقر جيدا إلى مالكه، وكيف يستجيب لكل توجيهاته. مولاي عبد الله أمغار مولاي عبد الله أيضا هو لحظة من لحظات التقوى. لذلك لا يتردد المنظمون في أن يصفوه بالموسم الديني، خصوصا أن ضريح الولي يتحول خلال مدة الموسم، التي تمتد إلى أسبوع كامل، إلى ملتقى لتلاوة القرآن وتجويده، وإلى فضاء للدروس الدينية التي يقبل عليها الزوار، خصوصا خلال الفترة ما بين العصرين. ولا غرابة في ذلك، فمولاي عبد الله أمغار كان رجل دين وتقوى. ومن الكرامات التي تحكى عن هذا الولي الصالح أنه كان يوتر الصلاة في جزيرة صغيرة توجد وسط البحر، لم يعد لها اليوم أثر، وكان يخلع، حسب الأسطورة التي رويت عنه، نعليه ويخطو باتجاه البحر سائرا وهو حافي القدمين على سطح الماء، دون أن تبتل قدماه أو يغرق حتى يبلغ الجزيرة صحبة أتباعه الذين يرافقونه وهم مشدوهون، لا يصدقون ما تراه أعينهم. لقد كانت «تيط»، حيث يوجد اليوم مركز مولاي عبد الله، من المراكز العمرانية القديمة بالمغرب. وقد دلت الآثار المكتشفة في المنطقة على أن هذه البلدة عمرت في عهود مبكرة. كما افترضت الأبحاث أن الميناء، المسمى في الأدبيات القديمة باسم «رتوبيس»، كان يوجد على الأرجح في المكان الذي شغلته «تيط». وهذا يعني أن تيط من المدن القديمة في المغرب. أما بعد الفتح الإسلامي، فقد صارت الأسر المالكة التي تعاقبت على عرش البلاد، والأمم التي تعاقبت على السكنى في «رتوبيس»، تبني عماراتها بجانبها أو على أنقاضها. وقد صارت هذه العمارات الجديدة تحمل اسما جديدا في المصادر العربية الإسلامية هو «تيطنفطر»، ويقال اختصارا «تيط». ولفظة «تيطنفطر» بربرية، على غرار أسماء الأماكن القديمة في المغرب. وهي مركبة من كلمتين هي «تيط»، ومعناها «العين» والنون للإضافة، ثم كلمة «فطر» وتعني «الطعام». غير أنها عربت بدورها، وصارت تعرف باسم «عين الفطر». ويقال إن سبب هذه التسمية يرجع إلى وجود عين ماء كان الشيخ إسماعيل بن سعيد، المدعو ابن أمغار، أول من نزل من الأمغاريين، يتوضأ ويشرب منها. ويفهم مما أورده المؤرخ عبد العظيم الأزموري عن «تيطنفطر» الأمغارية أن المكان الذي اختطت فيه كان «غيظا لا عمران فيه، وكان مغطى بالأشجار الغابوية». كما يفهم من نفس المصدر أن ذلك المكان كان موحشا. والواقع أن المكان ذاته لم يكن نسيا منسيا، لأن استقرار الشيخ إسماعيل الأمغاري به سرعان ما أثار اهتمام القبيلة، التي كانت تسكن بجوار الموضع، وتستفيد من موارده الغابوية والبحرية. وتنسب هذه القبيلة إلى صنهاجة. ولعل أهم ما أثار اهتمام صنهاجة ب«تيطنفطر» ما تميز به الضيف الأمغاري من تعبد وتزهد وتثقيف، ورغبة في تفقيه الناس وإرشادهم. على سبيل الختم نقفل عائدين من موسم يقدم كل أشكال الفرجة، لكننا نصطدم بنفس الصور التي تركناها خلفنا، حيث الغطاسون لا يزالون يبحثون عن رزقهم وهم يجنون الطحالب. ولا غرابة أن يشارك في هذه العملية شباب وشيوخ، أطفال ونساء لم تستهوهم حفلات الموسم، لأنهم يصارعون الوقت قبل أن ينتهي «موسم» آخر، تحدده وزارة الصيد البحري في متم الصيف. هذا هو تاريخ مدينة تيط، التي سكنها الولي مولاي عبد الله امغار. أما اليوم فقد أصبح موسمها السنوي فضاء لكل شيء، وأصبحت ساكنتها تبحث عن لقمة عيشها من أعماق البحر. ثمة فرجة شعبية بكل الألوان والأشكال. وثمة صيد بالصقور وإحياء لرياضة وهواية يرفض الشرفاء القواسم أن يفرطوا فيها ولو بإمكانيتهم البسيطة. وثمة لحظات تعبد وتقوى تستحضر مناقب الولي أمغار. فقط لو ترفع السلطة يدها عن هذا الموعد الشعبي بامتياز، وتترك لقبائل دكالة موسمها للاحتفال التلقائي.. ولكي يصير لصوت فاطنة بنت الحسين معنى وهي تغني: «جاو خيل جعيدان.. جاو خيل أولاد فرج..جاونا القواسم..حكامة الطاير الحر.. باه يا باه مولاي عبد الله.. راحنا جينا نزوروك». أما غطاسو دكالة الباحثون عن طحالب البحر، فهم ينتظرون متى يرفع المضاربون أيديهم عن هذه الحرفة لكي يوفروا ما يقتاتون به، وما يؤدون به ثمن العلاج من أمراضهم الخطيرة، التي يتسبب فيها الغطس ساعات تحت مياه المحيط الأطلسي.
«كبت الخيل على الخيل» الفرجة في مولاي عبد الله هي أيضا لحظات «التبوريدة»، حيث يتحول الملعب الخاص إلى تجمع كبير لعشاق هذا الفن بنكهته الشعبية. تتوالى سربات الخيول، وتتوالى معها طلقات البنادق والفرق الموسيقية الشعبية، التي ترافق الخيول وهي ترقص بعد أن تؤدي السربة دورها. ونستحضر في عز الموسم كيف تغنت العيطة الشعبية بمثل هذه اللحظات في واحدة من أمهات العيوط التي تحمل عنوان «كبت الخيل على الخيل». تقول العيطة في واحدة من حباتها، وهي المقاطع الغنائية للعيطة: «كبت الخيل على الخيل.. اليوم سيدي علام.. كبت عبدة على احمر.. زادو الشاوية.. ياك كية واحدة هي». السربات تتوالى، والحماس يزداد مع كل طلقة بندقية في الهواء، وتشعر مع هذه الجموع القروية المنتشية بكل طلقة أن اللحظة عفوية وبدون بروتوكول. غير أن السلطة لم تفوت الفرصة أيضا، ووضعت يدها في العجين وهي تتحدث عن مسابقة بين السربات، رغم أن «الخيالة منذ زمن بعيد وهم يحضرون موسم مولاي عبد الله فقط من أجل الفرجة والاحتفال، وليس من أجل المسابقات ونيل الكؤوس»، كما علق أحد العلامة، وهو قائد سربة أزعجه هذا المنحى، الذي يريد البعض أن يفسد فيه طقوس «التبوريدة» التقليدية بكل عفويتها. وعلى الرغم من الشعبية التي تحظى بها هذه الهواية، فإن ممارسيها لا يلقون الدعم الكافي والتشجيع من طرف السلطات المسؤولة عن المهرجانات والمواسم بشكل عام، حسب شهادات عدد من ممارسي «التبوريدة». يحكي أحد قياد سربة من سربات «التبوريدة» كيف يصرف الخيالة من جيوبهم، وكيف يتكبدون عناء السفر رفقة جيادهم، خصوصا أن التعويضات التي تصرف للخيالة في هذه المناسبة هزيلة، وقد لا تتجاوز المائة درهم عن كل فرس، في الوقت التي تقول الأخبار إن موسم مولاي عبد الله يحظى باحتضان عدد من المؤسسات العمومية والخاصة.