يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. القصة التالية أخبر فيكتور أوستروفسكي بها أوري دينور في إحدى المناسبات، وهو شخص دربه على نظام ناكا، وكان مسؤولا عن محطة «آل» في نيويورك. وقد تورط دينور في عملية أثرت على سياسة الولاياتالمتحدة الدولية، وخلقت أزمة داخلية للرئيس الأمريكي في ذلك الحين، جيمي كارتر، وأثارت نزاعات عرقية بشعة بين اليهود والأميركيين السود. ولو عرف الأمريكيون بمدى تورط الموساد وطبيعته لتعرضت للخطر العلاقات التاريخية الحسنة بين البلدين، وربما تدهورت هذه العلاقات. وبإلقاء نظرة على عام 1979 كان أخطر أحداث ذلك العام هو المحصلة النهائية للاتفاق في إطار للسلام في كامب ديفيد في شتنبر 1978، والذي وقعه كارتر والرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي ميناحم بيجن، وقد أحدث موجة من الغضب والصدمة في العالم العربي ضد السادات. أما بالنسبة لبيجن فقد ندم على العمل فور مغادرته كامب ديفيد. وحاول وزير الخارجية الأمريكي سايروس فانس أن يقوم في آخر لحظة بجولات مكوكية للوصول إلى اتفاق قبل 17 من دجنبر موعد توقيع المعاهدة المقررة في كامب ديفيد، إلا أن المفاوضات فشلت في آخر لحظة بسبب رفض بيجن التفاوض بجدية وخلق بذلك أزمة ثقة بين واشنطن وتل أبيب. وفي عام 1979 أرسل بيجن وزير خارجيته موشي دايان إلى بروكسل لمقابلة فانس ووزير الخارجية المصري مصطفى خليل للبحث عن طرق لمواصلة المحادثات التي وصلت إلى طريق مسدود. وقد أعلن بيجن بفظاظة أن دايان قد يبحث أين وكيف ومتى تجرى المفاوضات وليس مناقشة المضامين الحقيقية لاتفاق كامب ديفيد. وفي أواخر دجنبر 1978 صوت الكنيست الإسرائيلي المنقسم عادة على نفسه ب66 صوتا مقابل 6 أصوات لصالح موقف بيجن المتشدد تجاه واشنطنوالقاهرة. ولإظهار غضبها أوقفت إسرائيل سحب بعض المعدات العسكرية من سيناء التي كان مخططا لها للتعجيل بالانسحاب بعد توقيع اتفاقية السلام، وفي الوقت نفسه زادت هجماتها على المخيمات الفلسطينية في لبنان، مما حذا بنائب فلوريدا الديموقراطي ريتشارد ستون، رئيس اللجنة الفرعية في مجلس الشيوخ لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا، إلى القول: «يبدو أن الإسرائيليين قد وضعوا عرباتهم على شكل دائرة». وبعد تصويت الكينسيت اتصل بيجن بقادة الجماعات اليهودية في أمريكا وناشدهم بأن تقوم الجماعات المؤيدة لإسرائيل بحملة من الرسائل والبرقيات إلى البيت الأبيض والكونجرس. وبعث مجموعة من 33 مفكرا يهوديا، تضم الكاتبين شاؤول بيللو وإيرفنغ هو، اللذين سبق أن انتقدا تصلب بيجن، برسالة وصفت فيها دعم واشنطن لموقف القاهرة بأنه «غير مقبول». وفي فبراير 1979 طلبت الولاياتالمتحدة من مصر وإسرائيل الاجتماع بسايروس فانس بمكتب كامب ديفيد على أمل تحريك عجلة المفاوضات مرة أخرى، رغم أن إسرائيل كانت غاضبة من تقرير للكونجرس حول حقوق الإنسان أعدته وزارة فانس، والذي يشير إلى تقارير عن عملية «منظمة» لإساءة معاملة العرب في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين. وقبل أسبوعين من نشر صحيفة «واشنطن بوست» لهذا التقرير تحركت دبابات الجيش الإسرائيلي عند الفجر إلى بعض قرى الضفة الغربية ودمرت أربعة بيوت عربية، وأقامت الحكومة مواقع أمامية جديدة هي نواة لمستعمرة مدنية في النعيمة شمال شرق مدينة أريحا. وفي خضم هذه الفوضى أعلن كارتر في مارس عن قيامه بجولة لمدة ستة أيام إلى كل من القاهرة وتل أبيب. ورغم الاختلاف على الزيارة فقد تمكن من إقناع الجانبين بالموافقة على تسوية أمريكية مكتوبة تقرب الشعبين من السلام أكثر مما حدث طيلة الثلاثين عاما الماضية، والثمن الذي دفعه كارتر لذلك هو أكثر من 5 مليارات دولار كمعونات إضافية تدفع خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى كل من مصر وإسرائيل، وكانت العقبتان الرئيسيتان هما نقص النفط الذي سوف تعاني منه إسرائيل إذا ما أعادت إلى مصر آبار النفط، التي سبق أن احتلتها في سيناء، إضافة إلى المشكلة التي لم تحل حتى هذا التاريخ، وهي الحكم الذاتي للفلسطينيين. وفي ماي عين كارتر التكساسي روبرت س .شتراوس، الرئيس السابق للجمعية الديمقراطية، كمبعوث فوق العادة للمرحلة الثانية من مفاوضات السلام. ورغم موافقة إسرائيل الشكلية على وقف العمليات، فقد واصلت شن الهجمات على قواعد مستوطنة يهودية أخرى في إلون موريه في الضفة الغربية، مما حذا بتسعة وخمسين شخصية يهودية أمريكية إلى إرسال رسالة مفتوحة إلى بيجن تنتقد سياسته في إقامة المستوطنات اليهودية في المناطق العربية ذات الكثافة السكانية العالية. ولتعقيد المسائل أكثر أصيب بيجن بنوبة قلبية، واكتشف أن دايان مصاب بالسرطان، وازداد التضخم في إسرائيل بنسبة مائة في المائة، واقترب العجز في ميزان المدفوعات من 4 مليارات دولار، وتضاعفت الديون الخارجية خلال خمس سنوات لتصل إلى 13 مليار دولار، منذرة بأزمة سياسية داخلية، وتفاقم هذا بالغضب الإسرائيلي بسبب مقارنة كارتر تطلعات الفلسطينيين بحركة الحقوق المدنية الأمريكية. وبدأ كل من السادات وكارتر في الضغط على إسرائيل للموافقة على خطة لمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا، وحبذت الدول العربية دولة مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربيةوغزة تكون وطنا للفلسطينيين المقيمين هناك وللملايين في المنفى، وقد عارض الإسرائيليون تماما فكرة إقامة دولة معادية، خاصة دولة يديرها عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، تقف على حدودها، وقد بدأت إسرائيل تشك في اعتماد الولاياتالمتحدة على البترول العربي يجعلها تميل إلى تفضيل المصالح العربية.