تحتل السياحة مكانة مهمة في البنية الاقتصادية للمملكة وتمثل رافعة حقيقية لتسريع التنمية السوسيواقتصادية. إذ تعتبر السياحة بالنسبة إلى العديد من المغاربة الميسورين محطة للراحة والاكتشاف والتبضع. فكلما هلّ علينا الصيف باجوائه وحرارته المفرطة، تبدأ تلك الفئة بالبحث عن ملجأ للهروب من قيظه للاستجمام والاستمتاع بالعطلة الصيفية في مدينة ساحلية أو سياحية بامتياز بعد قضاء سنة من التعب والإرهاق. لكن ليس كل المغاربة يبحثون عن ملجأ وموطن لهم من أجل الاستجمام، فهناك أناس يعتبرون العطلة الصيفية فرصة للبحث عن مدينة توفر لهم عملا طيلة هذه المدة، وهناك من لا يعترف بهذه العطلة نظرا لقلة حيلته فيحرم أطفاله من حقهم في السفر واكتشاف مناطق جديدة، وهناك أناس يحاربون الفقر ويبتكرون حيلا تجعلهم ينعمون ولو بأيام قليلة من الراحة في مدينة جديدة وأجواء ممتعة. عطلة صيفية تختلف حلاوتها ويختلف طعمها ما بين مواطن بسيط يعاني الفقر والحرمان، وبين مواطن يعيش في رغد وبذخ وترف، فالبنسبة إلى الأول تعد هذه الفترة فرصة للكد والعمل في أي مهنة كانت تقيه السؤال في الأيام القادمة، أو فرصة للقبوع الكلي في أركان المنزل المملة، يحسب الساعات لانقضائها نظرا لثقل أيامها ولياليها، أما الثاني فهو ينتظر العطلة الصيفية بفرح وشوق متناهيين، إذ يضع برنامجا للسفر داخل أو خارج الوطن، متخذا فيه كل الإجراءات لقضاء عطلة جيدة بكل المقاييس من قبيل حجز مكان الإقامة، تحديد المناطق المراد اكتشافها، وتخصيص مبلغ ضخم لصرفه أثناء الرحلة. تختلف السيناريوهات، وتتعدد أوجه الاختلاف والمفارقات ما بين طبقة وطبقة ببلادنا الحبيب، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل لا محالة على أن السفر ليس حقا لجميع المغاربة. عطلة صيفية في أحضان مهنة موسمية ما إن يقترب فصل الصيف حتى يزيح الطلبة والتلاميذ عنهم عبء الموسم الدراسي والجامعي، ويشرعون في البحث عن عمل موسمي يكسبون من خلاله مالا لشراء بعض حاجاتهم من ملابس ولوازم الدراسة وغيرها، ومنهم من يذهب إلى البادية عند الأهل والأحباب لقضاء عطلته بأقل التكاليف، فيما لا يعير بعضهم أي اهتمام للعطلة، خاصة إذا كانت ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية صعبة. يؤكد رشيد، الذي يتابع دراسته الجامعية تخصص علوم فيزيائية أن الراحة لا مكان لها عند أغلب الطلاب، فما أن تقرع العطلة الصيفية أجراسها حتى يشرعوا في البحث عن عمل مؤقت يقضون فيه أوقات العطلة من جهة، ويوفرون مصاريف دراستهم للعام المقبل من جهة ثانية. يقول رشيد «أجد نفسي في حالة استنفار دائمة من أجل لقمة العيش وتأمين المستقبل، وضعي العائلي لا يسمح لي بقضاء أيام العطلة في الرحلات أو منتديات اللهو، بل على العكس، أضاعف جهودي وعملي خلال العطلة لتعويض الارتباكات التي سببها ازدواجية الدراسة والعمل. أما عبد اللطيف، فما أن ينتهي العام الدراسي حتى يعود أدراجه مسرعا إلى قريته بنواحي تاونات، إذ لا يجد لغيرها سبيلا نظرا لقلة حيلته وهشاشة أسرته، يقول عبد اللطيف: لقد بذلت مجهودا كبيرا طيلة السنة وحصلت على نقط ممتازة في جميع المواد. وأحتاج فعلا إلى وقت من الراحة لاسترجاع نشاطي وتجديد دمائي وتعويض ساعات الإرهاق الدراسي والاستعداد للسنة المقبلة، لكن للأسف ظروفي العائلية لا تسمح لي بقضاء عطلتي خارج البادية وليس لدي البديل، إذ آتي لقريتي بغية العمل في جني الخضر والفواكه وبيعها في السوق الأسبوعي لتوفير مصروف السنة الدراسي الذي لا أجد من يمده لي وقت الضيق. أطفال يحاربون الملل ويحاربون من طرف الجيران أصبحت العطلة المدرسية مشكلا يواجهه بعض الآباء، بسبب عدم قدرتهم على تلبية رغبات أبنائهم في السفر والابتعاد عن الحياة الروتينية، التي يقضونها في المنزل، خصوصا الذين يعملون في الأوراش الصغيرة الحرة، مثل الخياطة والنجارة والتي يعتمد أصحابها على العمل أثناء موسم الصيف للرفع من دخلهم، إذ يواجه عدد من أطفال الأسر الفقيرة الفراغ خلال العطلة الصيفية، فيحولون الأحياء الشعبية إلى ملاعب صغيرة، تكثر فيها النزاعات ويتعالى فيها الصراخ والضجيج، مما يسبب الإزعاج للجيران الذين لا يعرفون الهدوء والراحة خلال فترة العطلة الصيفية. في حي السلامة بسيدي عثمان بالدار البيضاء نماذج كثيرة من هؤلاء الأطفال الذين حرموا من السفر هذه العطلة الصيفية شأنها شأن الكثير من العطل المنصرمة، عز العرب (12 سنة) تلميذ في الأولى إعدادي واحد من عشرات الأطفال الذين لم يحالفهم الحظ في الظفر بأيام ولو قليلة خارج حيه الشعبي، يقول عز العرب متلعثما: أحب السفر والمغامرات لكن أبي لا يمكنه أخذنا جميعا فوق دراجته النارية إلى مناطق بعيدة، فنحن 5 إخوة وبالتالي يستحيل على أبي الميكانيكي توفير المال الكافي للسفر. ويضيف عز العرب: في حيي يوجد الكثير من الأصدقاء الذين أقضي معهم أوقاتا ممتعة في اللعب والحديث الشيق.. وهكذا لا أحس بثقل الوقت وملل الأيام. أما حسن (12 سنة) تلميذ في أولى الإعدادي، أيضا، فقد أظهر امتعاضه من الجيران الذين لا يتركون لهم المجال للعب جراء صراخهم المتواصل، ويؤكد حسن قائلا: لو أن بحينا ملعبا للكرة أو حديقة عمومية لانصرفنا إليها وتركنا حينا هادئا وجيراننا مرتاحين. فالعطلة بالنسبة إلينا هي اللعب مع الأصدقاء ليس إلا، ومع ذلك لا يسمح لنا الجيران بالاستمتاع بذلك.. وأوضح حسن أنه يمل اللعب في الحي طيلة العطلة، ويواجه مشاكل الخروج من المنزل، لأن والدته تخاف عليه من رفاق السوء، ومن شكايات الجيران، مشيرا إلى أنه طلب مرات عدة من والديه الاستفادة من المخيمات الصيفية من دون جدوى، لأن الوضعية المادية للأسرة لا تسمح بذلك. وأنه يشعر بالغبن أثناء عودته إلى الدراسة، عندما يسمع بعض زملائه يتحدثون عن تمتعهم بالسفر خلال العطلة، فيعود إلى البيت ليلوم والديه على عدم توفيرهما الظروف اللازمة لاستغلال العطلة في التعرف على بعض المناطق المغربية. من دار لدار نموذج آخر لأناس لم يحالفهم الحظ في اكتشاف وزيارة مدن جديدة خلال عطلتهم الصيفية، إلا أن هذه الفئة أكثر حظا من الفئات السابقة، إذ تستطيع في العطلة الصيفية أن تخرج من مدينتها والتوجه إلى مدينة أخرى تسكنها العائلة لقضاء أوقات ممتعة في جو من الألفة والمحبة، تقول خديجة، 33 سنة أم لثلاثة أولاد: نظرا لأجرة زوجي المحدودة وعدم عملي أنا خارج المنزل، نجد صعوبة في ترتيب برنامج سفر خلال العطلة الصيفية والترويح عن أولادنا الثلاثة بسبب كثرة المصاريف وغلاء المعيشة، فيبقى الحل الأمثل لنا هو أخذ أولادنا لزيارة جدتهم وأعمامهم في مدينة أخرى مجاورة لمدينتنا، وهذا يفرح أولادي إذ يلتقون مع أبناء أعمامهم وعماتهم ويتقاسمون معهم أوقات اللعب والمرح. إلا أنهم سرعان ما يملون خاصة عند رؤيتهم للمسابح وصالات اللعب عبر التلفاز، ليبدأ مسلسل الرجاء وطلب الذهاب إلى أماكن مفتوحة تنعش نفسيتهم، وهذا ما لا نستطيع إليه سبيلا، فسفرنا محدود من منزل إلى منزل آخر. الشيء الذي يغضب أولادي خاصة كبيرهم الذي يبلغ من العمر 15 سنة، والذي يحتاج في سنه هذا إلى الاكتشاف وخوض التجارب والمغامرات الجديدة ليستقبل العام الدراسي المقبل بنفس متجدد ومكتسبات عقلية مفيدة، لكن «العين بصيرة واليد قصيرة».. وأنهت حديثها قائلة: «اللهم تبدال لحيوط ولا بلاش». حلول ترقيعية للظفر برحلة سفر استحدثت تقنية الانترنت ظاهرة جديدة في طريقة قضاء الإجازات تستند إلى تبادل المنازل أو الغرف سواء كانت على الشواطئ أوفي الجبال أو مراكز المدن الكبيرة. ويستطيع المصطافون في هذه الحالة استخدام محتويات المنزل بكاملها من أدوات المطبخ، وأفرشة وأغطية، وغيرها من المستلزمات المنزلية. وفي غياب الأرقام الرسمية لهذه الظاهرة، يقدر اختصاصيو هذا القطاع أن عدد الأشخاص الذين يمارسون تبادل المنازل لقضاء العطل الصيفية أو الشتوية يتجاوز العشرات الآلاف كل عام، والرقم قابل لتسجيل قفزة نوعية في هذا المجال بفضل تزايد عدد مواقع الانترنت التي تقدم هذه الخدمة حيث يشهد عدد المتتبعين لهذه المواقع تزايدا وإقبالا يوميا. وتتخذ مواصفات الراغبين في التبادل طابعا مشتركا تقريبا إذ ينتمون في الغالب إلى وسط اجتماعي ومهني متشابه، وحسب المهتمين، تكثر هذه العملية في صفوف المعلمين والأساتذة الذين ينسقون فيما بينهم من خلال المؤسسات التي تجمعهم أو حتى على مستوى الأكاديميات والنيابات. وهناك فئة أخرى أثقل الفقر كاهلها إلا أنها أبت الاستسلام فالتجأت إلى هذه العملية قصد التخفيف من أعباء السفر. إذ مع بداية حلول الصيف يكثر الطلب على الفنادق وبيوت الكراء وبالتالي يتضاعف ثمنها وتقل حظوظ امتلاكها. صلاح، 43 سنة سائق سيارة أجرة، اختار هذه العملية لتسهيل إجازته الصيفية، يقول صلاح: لقد جربت هذه العملية، ( تبادل المنازل) مرة واحدة العام الماضي، كانت تجربة جيدة إذ استلمت مفاتيح بيت عائلة بالعرائش بينما ملكتهم منزلي الكائن بالمهدية لمدة 10 أيام، فما أحصله من أجرتي اليومية لا يكفيني لكراء منزل كل هذه المدة ناهيك عن مصاريف السفر الأخرى التي تؤرق البال غير أنني أتحمل ذلك لكي لا أحس بأن أولادي يشعرون بالنقص نظرا لعدم سفرهم. إلا أن هذه العملية في نظر اختصاصيي القطاع غير مضمونة وقد تؤدي إلى نتائج وخيمة من قبل التلاعب بأغراض المنزل، أو حصول حادث (حريق أو سرقة) مما يوصل الطرفين إلى قضايا ومحاكم هم في غنى عنها. ويرى المهتمون أن عملية تبادل المنازل في العطل أمر مفيد وجيد لأصحاب الدخل المحدود، إذ يشكل مكان الإقامة عائقا أمام العديد من الراغبين في السفر، ومن ثمة يجدر تحسين جودة هذه العملية ووضعها في قالب قانوني يسهل على المستفيدين الانخراط فيها، في إطار دمقرطة السفر وجعله متاحا لجميع المغاربة.