كما جرت العادة كل سنة تعرف مدينة أصيلة احتفاء بالجماليات، التي عرفت امتدادا زمنيا اقترن بوجود أول تظاهرة ثقافية لهذه المدينة منذ سنة 1978، حيث كان لها السبق في تحسيس السكان وتكريس تقليد أصبح جزءا لا يتجزأ من اهتماماتها، كما أصبحت هذه المدينة الشاطئية محجا لكل أقطاب الفن المعاصر وطنيا ودوليا، يرجع الفضل فيها للسيد محمد بنعيسى رئيس منتدى أصيلة الثقافي، ورئيس المجلس البلدي للمدينة نفسها، الذي كان يشغل منصب وزير الثقافة ووزير الشؤون الخارجية سابقا، كدبلوماسي وكفنان فوتوغرافي كذلك، استطاع بحسه الإبداعي أن يقف على أهم احتياجات هذه المدينة، مستثمرا في تكوين الفرد، كمورد بشري غني بإمكانيات تساهم في التنمية المحلية، وانطلاقا من هذا التصور، استطاع أن يوظف الفن التشكيلي كأداة للتواصل وكلغة عالمية تتجاوز الحدود الجغرافية، لتكون مدينة أصيلة أول فضاء يجمع بين كل الجنسيات، لأجل التفاعل وتبادل الخبرات والتقنيات، خاصة في مجال الحفر، فكان السبق في احتواء أول ورش لفن الحفر بهذه المدينة وأول فضاء يحتضن أعمالا جدارية في المغرب، مما انعكس على طبيعة وسلوك السكان في تعاملهم مع الجمال والمحيط المعاش على مستوى النظافة واحترام المنشآت العمومية…، مما خول للبعض منها الالتحاق بالمعامل التربوية بالنسبة للأطفال وبالأوراش الفنية بالنسبة للشباب، مما ساهم في ظهور عدد كبير من المبدعين المغاربة. وبهذه المناسبة، زرنا هذه الأوراش خلال الدورة الحالية لمنتدى أصيلة لنقف على مجريات أشغال هؤلاء المبدعين، الذين يقوم بتأطيرهم صديق مدينة أصيلة منذ أول دورة لمنتدى أصيلة الثقافي الفنان السوداني عمر خليل، والفنانة المغربية مليكة اكزناي، والفنان الياباني أكيمي نوغوشي، وبهذه المناسبة أجرينا دردشة مع بعض الفنانين الموجودين بهذه الأوراش وكذلك المداومين لسير أشغال المنتدى منذ بداياته. ففيما يخص الفنان محمد عنزاوي المسؤول عن ورش الصباغة وأحد أبناء مدينة أصيلة، أشار إلى أنه تربى في أحضان هذا المهرجان منذ طفولته، باعتباره منفذا فتح له آفاقا جديدة في التعامل وتبادل الخبرات مع الوافدين من الفنانين المغاربة والأجانب، كما خول له كمتنفس سنوي، بأن ينسج علاقة نوعية مع اكتشاف تقنيات جديدة، سخرها ليس فقط في إتقان فن الحفر، بل وظفها كذلك في إنجاز الجداريات بحرية مطلقة، التي ابتكرها السيد محمد بنعيسى والفنان محمد المليحي كفكرة منذ سنة 1978، وتم توثيقها، كمرحلة مضيئة في تاريخ التشكيل المغربي والعربي، باعتبارها هدفا تربويا وأخلاقيا وتحسيسيا للسكان والزوار من خارج المدينة، ومرجعا مشهديا للباحثين والدارسين. بينما الفنان سهيل بنعزوز فإنه يتقاطع مع كل ما ورد في كلام صديقه الفنان عنزاوي، غير أنه اعتبر بأن أصيلة تعتبر قطبا إبداعيا وفضاء للعرض، مفتوحا على بعض الإمكانيات، التي قد لا تخولها فضاءات العرض التقليدية، مقتنعا بأهمية الانطلاق من المحلية للعالمية كتراتب منطقي للعملية الإبداعية، خاصة وأن محمد بنعيسى فكر في إحداث متحف محلي للفن التشكيلي بمواصفات عالمية، التي تجري الأشغال به حاليا، في انتظار افتتاحه بعد سنتين ونصف. أما الفنانة الشابة مريم سوالي، التي دشنت علاقتها لأول مرة من خلال إقامتها بورش الصباغة بأصيلة، بعد مرورها من أوراش بمدن أخرى، تحدثت عن مشروعها الإبداعي انطلاقا من منظور ثقافي حاولت من خلاله أن تزاوج بين الممارسة والتنظير في سبيل تحديد تيمة تنهل من مراجع فكرية تؤطر من خلالها تصورا معرفيا لا يخضع فقط لأسرار المطبخ التقني، بقدر ما يخضع لخلق حوار جاد يحفز المتلقي على طرح السؤال عن دلالات الأشكال والألوان… في محاولة النفاذ لعمق ما تختزنه التحفة الفنية من أسرار نفسية، وللبحث عن القواسم المشتركة التي يتقاطع فيها معها ذهنيا وحسيا. وفي الأخير، كان اللقاء مع فنان قادم من الجنوب، ليحط الرحال ولأول مرة في حياته في الشمال، متيما بعشق أصيلة وعبق نسيمها البحري، تاركا بصمة واضحة على جدرانها، إنها جدارية الفنان عزيز أوصالح القادم من أكادير، الذي جعل منها سندا جماليا اختلط فيها سحر المدينتين في حوار جدلي وبحمولة ثقافية شكلت وحدة متناغمة، بنفحة أمازيغية استمدت كينونتها من تجربته الشخصية على حد قوله.