لا زالت 11 عائلة بفاس العتيقة تفترش الحصيرا تمضي فوقه أياما بلياليهن الباردة بحي البليدة، منذ ليلة الأربعاء الماضي، بعد أن التهمت نيران الحريق الذي أشعله عاشق في غرفة تسكنها خليلته جل أثاثهم وأجهز على أسقف بيوتاتهم وقضت قوة مياه خراطيم إطفائيي الوقاية المدنية على معظم جدران المنزل الكبير الذي يضمها. ويجد السياح الذين يزورون «بازارات» في زقاق الحي صعوبة بالغة في اجتياز المكان، وبعضهم يمضي الكثير من الوقت في «تأمل» هذا المشهد واستفسار المرشد حول ملابسات الوضع، قبل أن يواصل طريقه ل«الاستمتاع» بجولته في فاس العتيقة. ولم يجد هؤلاء أمامهم سوى الاستنجاد ببعض وسائل الإعلام لنقل معاناتهم إلى المسؤولين «الكبار» بعدما اتهموا السلطات المحلية، الإدارية منها والمنتخبة، بتجاهل محنتهم التي تسببت فيها «حماقة» مرشد سياحي غير مرخص له رغب في «الانتقام» بطريقة غريبة من خليلته التي اتهمها بهجرانها له، وقرر إشعال النار، في وقت متأخر من صباح يوم الأربعاء الماضي، في غرفتها، لكن النار انتقلت بسرعة إلى بيوتات هذه العائلات ذات الأوضاع الاجتماعية الهشة. ونقلت هذه العائلات بأن رجال الوقاية المدنية، وبعد إخمادهم الحريق، اضطروا إلى العودة لأكثر من مرة، طيلة الأيام الماضية، تلبية لنداءات مستعجلة لهذه العائلات إلى هذا المنزل للقضاء على نيران تظهر وتختفي في الأسقف الخشبية لبيوتاتهم. وإلى جانب تدخل رجال الوقاية المدنية، فقد عمدت السلطات الأمنية، في صباح اليوم نفسه، إلى اعتقال المتهم بارتكاب الحريق، ومعه اعتقلت خليلته واستمر اعتقالها لتعميق البحث معها لمدة يومين، قبل أن يخلى سبيلها ويتم الاحتفاظ بعشيقها رهن الاعتقال بالسجن المحلي عين قادوس، في انتظار البت القضائي في ملفه. وبكت النساء من ساكني هذا المنزل، وهن يلتقطن مع أبنائهن وأزواجهن صورة جماعية تظهر محنتهن، وطالبن بتدخل ملكي لإنقاذ عائلاتهن من التشرد. وبكت إحدى الطالبات من أبناء هذه العائلات فقدان شواهدها الجامعية وكتبها، مؤكدة أن هذا الحريق أجهز على ما تمتلكه هذه العائلات من أثاث وأوان ووثائق رسمية.