في منتصف شهر ماي الماضي، انفجر ملف طبيب استقلالي متهم بالارتشاء وتسليم شهادة طبية كاذبة. وتزامن هذا الملف مع الانتخابات الجماعية التي فاز بها حزب الاستقلال بأكبر حصة من المستشارين في المدينة، دون أن يتمكن هذا الطبيب المرشح في إحدى لوائح الحزب بمركز فاس من الفوز. وتأجل النظر في القضية إلى حين انتهاء الحملة وظهور النتائج. وتبين من خلال التحقيقات أن تفاصيل القضية التي لا تزال معروضة على أنظار المحكمة الابتدائية مثيرة وتستحق أن تروى لأنها تكشف عن نزاع بين طرفين استعملت فيه جميع «الأسلحة»، كما تكشف عن واقع تسليم الشواهد الطبية التي أصبح الحصول عليها لإثبات عجز غير قائم في المستشفيات العمومية أسهل ما يكون دون أي إجراءات تأكد أو تحقق من الهوية. في وقت متأخر من ليلة الخميس المنصرم صدر حكم ابتدائي يقضي بالحبس النافذ لمدة سنة في حق الطبيب الاستقلالي عز العرب الديوري المتهم بالارتشاء وتزوير شهادة طبية. كما شمل الحكم أيضا الأطراف الثلاثة الأخرى المتهمة بالتورط في الملف. وقد سبق للمحكمة أن عقدت أربع جلسات للبت في هذا الملف. واضطر وكيل الملك بابتدائية فاس إلى إرجاع الملف لأكثر من مرة إلى الشرطة القضائية لتعميق البحث، قبل أن يقرر منذ ما يقرب من 40 يوما إعطاء تعليماته باعتقال الطبيب وتقني جهاز «السكانير» ومعهما أحد أطراف النزاع. وطلب وكيل الملك من الشرطة القضائية أن تنتقل إلى المستشفى الإقليمي لإجراء تحرياتها حول ملف الشهادة الطبية، كما طلب منها اللجوء إلى بيانات اتصالات المغرب للحصول على كشوفات الاتصالات التي جرت بين الأطراف الثلاثة المعتقلين على ذمة الملف. ملف «انتقام» وكانت تصريحات أدلى بها حارس ليلي له أكثر من سابقة عدلية في مجال الاتجار في المخدرات هي التي أدت إلى تفجر هذا الملف في عز الحملة الانتخابية للاستحقاقات الجماعية ل12 يونيو الماضي. واضطرت السلطات إلى تعليق البحث في الملف إلى ما بعد الانتخابات، تفاديا لما سمته بالمزايدات السياسية خصوصا وأن الطبيب المعتقل تقدم لهذه الاستحقاقات في لائحة حزب الاستقلال في مقاطعة أكدال بمركز المدينة. وحكى الحارس الليلي «جواد ز»، أنه وبينما كان يحرس ورش «الحسن. ع» ليلا تعرض لهجوم بقنينات غازية فارغة من قبل أشخاص لا يعرفهم. وعمد المهاجمون، علاوة على الأضرار التي ألحقوها به، على تحطيم أجزاء من سور الورشة وتمزيق أكياس الإسمنت، قبل أن يغادروا المكان. وأثناء إخباره في صباح اليوم الموالي لمشغله بالحادث ،طلب منه هذا الأخير أن يقول في تصريحاته أمام الشرطة إن المعتدين عليه هم خصوم مشغله، على أن يتكلف هو بباقي الإجراءات. ورافق المشغل حارسه الليلي إلى أحد بائعي الدجاج بمنطقة صهب الورد بمنطقة باب فتوح المحاذية لفاس العتيقة، واشترى منه دجاجتين ذبحهما وغطى بدمائهما أجزاء من جسد الحارس الليلي وطلب منه مرافقته إلى مختبر صور لالتقاط صور له من مختلف الجهات تبين حجم الإصابات التي تعرض لها. وبعد ذلك، اتجه به إلى أقرب صيدلية حيث اشترى له ضمادات وأطلعه بأنه سيتفق مع أحد الأطباء على تسليمه شهادة طبية. وبعد مرور بضعة أيام، رافق المشغل حارسه الليلي إلى مركز الفحص بالمستشفى الإقليمي واستقبل من قبل «طبيب» أجرى له فحصا ب«الراديو» وقام بوضع جبيرة له على مستوى يده ورجله اليمنيين. طبيب «يتورط» تم التوجه به إلى مكتب طبيب سلمه شهادة طبية تثبت مدة عجزه في 45 يوما. وقال الحارس الليلي إنه حضر تسليم ظرف به رزم نقود إلى أحد الطبيبين. وأخبره المشغل بعد ذلك بأن الظرف يحتوي على مبلغ 5000 درهم. وأضاف أن مبالغ أخرى يرجح أن تكون قد سلمت للطبيبين. وفي اليوم الموالي، طلب المشغل «الحسن» من حارسه الليلي أن يتوجه إلى مركز الشرطة لوضع الشكاية ضد خصمه، على أن يواصل التكلف بباقي الإجراءات. وذكر الحارس أنه تردد في الذهاب لوحده إلى دائرة الأمن، وطلب من المشغل مرافقته. وبينما كانا في الطريق، طلب منه المشغل مهلة لزيارة المحكمة، فضل الحارس الليلي أن يتجه إلى دائرة الأمن التي تتبع لها منطقته «ليقلب الطاولة» على مشغله، مؤكدا في تصريحاته لرجال الأمن بأن «سيناريو» الحادث تم توضيبه من قبل مشغله وساعده في ذلك طبيبان في المستشفى، وذلك بغرض الزج بخصمه حول قطعة أرضية في السجن. وقال الحارس الليلي إن الخوف هو ما دفعه إلى التصريح بالحقيقة. وهو ما يشكك فيه محامي الطبيب «ع. د». فالحارس الليلي ذو السوابق العدلية التي يعتبرها هذا المحامي مخلة بالشرف سبق له أن اشتغل مع شقيق الطرف الخصم لمشغله، ونسج معه علاقات متينة في المحطة الطرقية. ويقر الحارس الليلي في تصريحاته بأن الشخص الذي توسط له أياما قبل وقوع الحادث للاشتغال في ورشة مشغله ب70 درهما لليلة، لم يكن سوى أحد العاملين مع عائلة خصم مشغله. ويؤكد المحامي محمد حاسي بأن كل هذه الاعتبارات لم تأخذها المحكمة بعين الاعتبار، وهي تقرر اعتقال الطبيب الاستقلالي بناء على تصريحات شخص لديه سوابق عدلية. حارس «مشبوه» ونفى المشغل «الحسن.ع» أن يكون قد تورط في «سيناريو» ذبح الدجاجتين وقال إنه رافق حارسه إلى مختبر الصور لإثبات واقعة الهجوم عليه، مقرا كذلك بأنه زار الصيدلية واشترى منها الضمادات لمشغله. ونفى أن يكون قد نسج أي علاقة مع أي طاقم طبي بالمستشفى الإقليمي، وهو عكس ما بينته بيانات الاتصالات التي كشفت عنها اتصالات المغرب للمحققين، حين أكدت بأن التقني المكلف بجهاز «السكانير» أجرى اتصالات مع المشغل ومع الطبيب في اليوم ذاته. واعتبر «الحسن.ع» أن حارسه له علاقة بخصومه التاريخيين الذين سبق أن اتهموه بالإبلاغ عنهم في ملف يتعلق ب«مستودع» لخزن البنزين المهرب من الجزائر لتسويقه في فاس ومحيطها. وكشفت التحقيقات أن مقربين من خصوم المشغل قد زاروه قبل يومين من الحادث في ورشة البناء ليلا وقضوا معه جلسة مطولة. كما أوردت تصريحات المشغل بأن الحارس الليلي قد عقد جلسة سرية في منتجع سيدي حرازم مع أحد خصومه أياما قليلة قبل تفجر الملف. وحيرت النسخة الأصلية للشهادة الطبية المسلمة للحارس، الذي تتابعه المحكمة في حالة سراح، المحققين. ولم تفد زياراتهم للمستشفى في الوصول إليها. وأخبرهم الحارس الليلي بأن مشغله هو من احتفظ بها، دون أن يتمكنوا من الحصول عليها. وتم الاكتفاء بالحصول على نسخة منها في سجلات المستشفى الإقليمي. وأقر الطبيب الاستقلالي بأن هذه الشهادة تحمل توقيعه وبأن من تقدم للحصول عليها كان يحمل معه ورقة الفحص مع البطاقة الصفراء ويضع جبيرة. وقال إن عمر الطرف المسلمة له يناهز 38 سنة. وذكر دفاعه بأن الطبيب الذي يدير مكتب تسليم الشواهد الطبية بالمستشفى الإقليمي سبق له أن راسل مسؤولي المستشفى منذ 2003 يخبرهم بأنه يعاني مشاكل كبيرة مع أصحاب هذه الشواهد، دون أن يتلقى أي جواب. ومما قاله الطبيب الاستقلالي المتخصص في التعويض البدني والذي ظل يمارس مهنة الطب منذ 13 سنة، أن مكتبه يعاني من الاكتظاظ وأن إعداد الفحوصات تشوبه الكثير من الاختلالات وأن بعض البطائق الصفراء لا تحمل توقيع وخاتم الطبيب المشرف. اعتقال «ضمانة» رفضت عدة جهات مسؤولة عن قطاع الصحة بالجهة الإدلاء بأي تصريحات ل»المساء» في الموضوع، فيما لجأت زوجة الطبيب إلى تقديم عرائض لعاملين في القطاع سواء في جناحه الخاص أو في جناحه العام لتؤكد حسن سلوك زوجها ولتطالب بالإفراج عنه ومتابعته في حالة سراح. وقررت المحكمة اعتقاله بمبرر «حسن سير العدالة» وتجنبا لاتصالات يمكنها أن تؤثر على السير العادي للملف. أما عائلة الطبيب البالغ من العمر 47 سنة فتؤكد بأن كل الضمانات متوفرة لمتابعته دون الاحتفاظ به رهن الاعتقال، مضيفة أن مبرر اعتقاله مخافة «التخابر» مع أطراف النزاع غير مقنعة، لأن السجن أصبح من أكبر الفضاءات التي يتم فيها التخابر بوسائل اتصال متنوعة ومتطورة.