الأسطورة جنس إبداع أدبي شفهي مجهول المؤلف، أبدعها خيال الشعب وظلت تتناقل وتتطور على شفاه الناس ومخيلتهم عبر القرون. ولقد ارتبطت الأسطورة دائماً ببداية الإنسانية وبطفولة العقل البشري حيث مثلت لدى كل الشعوب سعياً فكرياً بدائيا لتفسير ظواهر الطبيعة الغامضة. ولذلك اختلفت أساطير البشرية وتباين مستواها ومحتواها. فكانت أكثر تطورا لدى الشعوب المتحضرة مثل الإغريق، بينما نجدها أقل تطورا لدى الشعوب العربية والاسلامية لأسباب عدة، أهمها النظرة السلبية للدين إليها. ويشرح لنا ذلك ربما لماذا هي الأسطورة المغربية قصيرة النَّفَس وبسيطة الحبكة. من خلال هذه الاستراحة الصيفية، تقترح عليك «المساء» عزيزي القارئ باقة منتقاة من أجمل أساطير المغاربة الأولين. اخترقت الزمن لتصل إلينا بفطريتها البديعة، عساها تعكس لمن يتأملها جوانب من عقلية الأجداد ونظرتهم إلى الذات وإلى العالم من حولهم.. الغول كائن خرافي يسكن متخيل المغاربة منذ غابر العصور، تجتمع في تشكيله بعض من صفات الإنسان والحيوان والجان. فهو يأكل ويشرب ويتزاوج ويتناسل مثل البشر، ويعيش على قنص البشر والحيوان ليتغذى على لحومها مثلما تفعل الضواري. كما أنه يؤمن بالله ورسوله، وله القدرة على التخفي في صورة من شاء من الإنس والجان. لكن، ولسبب غير واضح يطغى حضور الغولة في فولكلور شعوب المغرب الكبير على رديفها المذكر (الغول). وبالعودة إلى بعض الكتابات القديمة حول الموضوع، نستطيع تشكيل ملامح أولية لهذا الكائن المرعب الذي سكن المتخيل المغاربي – نقصد تحديداً الغولة – على النحو التالي: يتم تقديمها في صورة امرأة عجوز ذميمة بشكل مُنَفِّر. فشعرها طويل وأسنانها كبيرة، وهي غالبا إما ضريرة أو قليلة النظر. تعيش في أماكن متعددة، في البادية غالبا حيث يلتقي بها البطل ليلا أو في مغارة. وعندما تنام الغولة، تصدر من بطنها أصوات هي مزيج من صياح البشر ونباح الكلاب ونهيق الحمير وخوار الأبقار التي التهمتها. وإلى ذلك يمكن أن نضيف صفات أخرى للغول(ة)، استنتجناها من خلال دراستنا عدداً من الحكايات العجيبة والأساطير المغربية، على النحو التالي: يأخذ الغول في النهار صورة البشر، وعندما تغيب الشمس يستعيد هيئته المرعبة. جسم الغول يكسوه وبر كثيف. يخطف النسوة، والخوف الذي يبثه في نفوس البشر ينتج عنه المرض الشديد أو يؤدي إلى الوفاة. الغولة لها نهدان مرتخيان وكبيران إلى درجة أنها ترميهما فوق كتفيها حتى لا يعيقا حركتها. في بعض الحكايات الأسطورية تكون الغولة على هيئة امرأة سوداء مرعبة. للغول حاسة شم حادة مثل الحيوانات المفترسة، يشم بها رائحة «بني آدم» حين يتوارون عن نظره فيكشف مكانهم. يحصل الخلط والتداخل أحيانا بين كل من الغول والجن والعفريت. ففي بعض الحكايات تأخذ الغيلان صفات الجان: تختفي عن الأنظار أو تتحول إلى حيوانات أو إلى مخلوقات عجيبة [هجينة]. الغول يهاب الجان. الغول يسهل خداعه من طرف البشر أكثر من الجن. الغيلان أصناف: بعضها ينام عاما ويظل مستيقظاً عاما، وبعضها الآخر ينام شهرا ويستيقظ شهرا كاملا دون نوم. وهناك غيلان تنام سبعة أيام وتظل يقظة سبعة أيام. وبعضها الآخر ينام بعيون مفتوحة، وأخرى تبقى يقظة حتى عندما تغمض عينيها. رغم كونها شريرة وعدوانية حيال بني البشر، إلا أن الغيلان مؤمنة وتخاف الله. يمكن اتقاء شر الغولة باستعمال حيلة: متى التقى بها آدمي عليه الإسراع إلى الإمساك بأحد ثديَيْها ويرضعه. يمكن اتقاء شر الغول باستعمال حيلة أخرى: متى التقى به آدمي عليه الإسراع إلى رمي بعض الطعام في فمه قبل تحيته، خصوصا اللوز الجاف الذي تستعذب أكله الغيلان. تعيش الغيلان في مغارات أو في بيوت منعزلة وفي الغابات. موقع بلاد الغيلان [بلاد الوحدة والخوف]غير معروف، لكنها تقع وسط غابة نائية. ولا يصل إليها البشر إلا بالصدفة، متى تاهوا عن طريقهم. للغيلان ملك يعيش في قصر، وهو على علاقة طيبة بملك الجان. وقد ارتبطت بالغيلان أماكن قيل إنهم مروا منها في أماكن متفرقة من مدن وقرى المغرب قديما، ولا يزال بعضها يحمل اسمهم حتى اليوم. منها (بيت الغولة) وهي غرفة مجاورة لمسجد الكتبية روى الناس حولها في زمن غابر أن غولة تسللت إلى مراكش وفي نيتها أكل سكان المدينة جميعا. لكن العفريت الساكن بصومعة الكتبية – تقول الأسطورة – وهو المكلف بحماية مراكش، أمسك بها واحتجزها في الغرفة التي أصبحت تحمل اسمها، كي يمنعها من الخروج إلى الناس. ومن أبرز من صارع الغول في الميثولوجيا المغربية، الولي سيدي احماد أو موسى. لكنه كما سوف نرى في الحلقة الموالية يأخذ في الأسطورة صورة بطل شعبي لا أسطوري، فهو سوف يتحرر من قبضة الغول بفضل دهائه لا بواسطة وسائل خارقة.