لم يكن خافيا أن كل الحاضرين في ندوة «الحق في الوصول للمعلومة»، التي نظمتها مجموعة عمل منظمة حريات الإعلام والتعبير «حاتم» بطنجة، يوم الجمعة الماضي، كانوا متفقين على أن مشروع القانون المنظم لهذا الحق «كارثي»، ويتجاوز دوره الحقيقي المتمثل في التنظيم، ليعمل على «تكبيل» المبدأ الجديد الذي نصت عليه المادة 27 من دستور 2011. وحتى مع اختلاف الهيآت التي ينتمون إليها، رسمية كانت أو غير رسمية، إعلامية وحقوقية وجمعوية، كان الاستغراب قاسما مشتركا بين كل مؤطري الندوة التي احتضنها مقر مجلس جهة طنجة–تطوان، من حيث السرية التي باتت تحيط بمشروع القانون منذ أن رفضته معظم الهيآت المدنية والإعلامية عقب تبنيه من طرف الحكومة في غشت 2014. وأثار محمد العوني، رئيس منظمة «حاتم»، مسألة فهم الحق في الوصول إلى المعلومة، فهو ليس حكرا على الصحفيين، بل يجب أن يكون مكفولا لكل المواطنين، معتبرا أن ضمانه ضمان للحد من تمظهرات الفساد وإهدار المال العام، وربح للدولة والشعب على كل المستويات، السياسية والاجتماعية والفكرية، وحتى الاقتصادية. غير أن الواقع في المغرب، حسب العوني، هو أن إمكانية الوصول للمعلومة مضيق عليها بشكل كبير، وأول من يعانون من هذا التضييق هم الصحافيون، مستغربا «خوف» المؤسسات العمومية والخاصة منها من إعطاء المعلومات حتى تلك غير المحاطة بأي نوع من أنواع السرية. وتشبث العوني بموقف منظمته الذي يعتبر أن ما حمله مشروع القانون المقترح حول الحق في الوصول للمعلومة، يمثل «رجوعا للوراء»، وتراجعا حتى على ما جاء به دستور2011، داعيا إلى إخراج النسخة الجديدة إلى حيز النقاش، وتضمينها مقتضيات تحمي هذا الحق وتنص بوضوع على التزامات الدولة في هذا الإطار وعلى محاسبة مانعي المعلومات. من جهته استغرب المدير الجهوي لوزارة الاتصال، إبراهيم الشعبي، جعل وزارة الوظيفة العمومية وتحديث القطاعات، مسؤولة عن إعداد قانون الحق في الوصول إلى المعلومة، و«الحال أن الوزير المكلف بحقيبتها، محمد مبدع صرح بأنها وزارة غارقة في الفساد ومصرة على الجمود ومقاومة للتغيير». الشعبي الذي تحدث أيضا بوصفه صحفيا، ذكر بمعاناة الصحفيين للوصول إلى المعلومة الصحيحة، نظرا إلى افتقار أغلب الإدارات العمومية لأقسام تواصلية مكونة ومدربة على التعامل مع الجسم الصحفي ولها صلاحيات إعطاء المعلومات للراغبين فيها، ما يحول دون قيام الصحافي أيضا بدوره على أكمل وجه، داعيا إلى إخراج القانون المنظم نفسه من السرية. أما المحامية بهيأة طنجة، خديجة جنان، فقد شددت على أن الحق في الوصول إلى المعلومة أضحى جزءا من حقوق الإنسان، ولذلك تبنته معظم التشريعات الدولية المتقدمة، مستغربة تراجع المغرب الضمني عن إقرار هذا الحق، عن طريق التكتم الذي يلف مشروع القانون المنظم له. وأوردت جنان أنه بالإضافة إلى المادة 27 من الدستور المتعلقة بالحق في الوصول إلى المعلومة توجد أيضا بنود دستورية أخرى تسير في الاتجاه نفسه، لكن في المقابل لا يوجد نص تشريعي لمواكبة هذا الحق تنظيميا، بل إن هناك بنودا في القانون الجنائي تعادي هذا الحق وتعاقب على تفعيله عمليا، مثل ما يتعلق ب»سرية المهنة»، وهو بند يستغل لمنع أي موظف من تسريب المعلومات كيفما كانت. من جانبه قال ممثل اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، عبد الصبور عقيل، إن الحق في الوصول إلى المعلومة يصنف ضمن حقوق المواطن، ووحدة لقياس ديمقراطية المجتمع، إلى جانب كونه صمام أمان لمبادئ النزاهة والشفافية وحقوق الإنسان. واعتبر عقيل أن الحق في الوصول إلى المعلومة انتُزع بعد تضحيات كثيرة لصحفيين وحقوقيين، لكن القانون المقترح لتنظيمه، في نسخته التي خرجت للوجود، لا تتماشى وضرورة تمكين المواطن من المعلومة، بل تعيق تفعيل هذا الحق، مؤكدا على موقف اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان الداعي إلى إعادة النظر في هذا القانون. أما الصحفي أحمد الدافري، فاعتبر أن سائر المواطنين، لا الصحفيين فقط، معنيون بالحق في الوصول إلى المعلومة، مستغربا غياب دور المجتمع المدني عن النقاش الدائر حول هذا الحق، ومطالبا بتنمية الوعي به من جهة والتعامل معه بمسؤولية من جهة أخرى. وأورد الدافري أن على الصحفيين الاعتماد على مصادرهم الخاصة وعدم انتظار المعلومات التي ستعطيها الجهات الرسمية، وفي الوقت نفسه نادى بضرورة حسن التعامل مع المعلومة بما يخدم الصالح العام لا المصالح الشخصية.