الحدث التعليمي والتربوي الكبير الذي شهدته مدينة مراكش في 10 شتنبر الماضي كان هو إعطاء الملك محمد السادس الانطلاق الرسمي للموسم الدراسي لسنة 2009 - 2010، حيث كانت مدرسة الجبل الأخضر بمراكش، المكان الذي قام الملك بإعطاء انطلاقة من خلاله ل «المبادرة الملكية مليون محفظة» والتي سيستفيد منها هذه السنة أزيد من ثلاثة ملايين تلميذ. هذه المبادرة التي خصص لها مبلغ مالي قدره خمسة وخمسون مليون درهم، تستهدف نحو 452 ألف تلميذ وتلميذة، تشمل العمالات والأقاليم الخمسة المشكلة لجهة مراكش تانسيفت الحوز، حسب معلومات أدلى بها محمد خالد الشوللي، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش تانسيفت الحوز ل«المساء». محاربة الأمية والتربية غير النظامية تلت هذه العملية، عمليات موازية قام بها نواب التربية الوطنية بالجهة، آخرها كان يوم الثلاثاء الماضي، الذي صادف اليوم الوطني لانطلاق برامج محاربة الأمية والتربية غير النظامية الذي اتخذت له مدرسة سيدي اعمارة شعار «توفير التربية لجميع الأطفال ضمان لسد منابع الأمية»، حيث قام حميد اعبيدة، نائب وزارة التربية الوطنية بمراكش بتوزيع 110 محفظات بمدرسة سيدي اعمارة، 40 منها لجمعية الأطلس لمحاربة الأمية في صفوف السيدات، و40 لجمعية ألف لام، اللتين تعملان في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، و30 محفظة للأطفال الذين يدرسون في إطار التربية غير النظامية، وكانت فرحة هؤلاء المتعلمين الذين اختاروا تكسير أغلال الأمية والجهل الذين يعيق تنمية المغرب كما هو بالنسبة لباقي الدول، تظهر من خلال العروض الفنية التي قدمها الأطفال إلى الوفد التربوي الذي حل بالمدرسة وتقديم التمر والحليب للمسؤولين الضيوف، وكذا من خلال ابتسامة الأمهات اللواتي لم تقف الالتزامات المنزلية عائقا في طريق طلبهن العلم وتكسيرهن الحواجز التي كانت تمنعهن من التواصل مع محيطهن، أو على الأقل تتبع المشوار الدراسي لأبنائهن. المبادرة الملكية تكسر الانتظارية قال مدير الأكاديمية في لقاء مع «المساء» إن الملك محمد السادس صرف على هذه المبادرة من ماله الخاص، مما يعني حسب المسؤول التعليمي أن هذه الرسالة الملكية العملية «تقتضي من كل الفاعلين بجميع مستوياتهم الانخراط فيها، بعيدا عن الانتظارية التي تطبع سلوكات بعض الفاعلين في المجال». كان لهذه المبادرة انعكاس على عدد من المبادرات التي طفت إلى السطح، فخلال هذه الزيارة قدمت جمعية لآباء وأولياء تلاميذ مدرسة سيدي اعمارة عددا من المنجزات التي لا تكاد ترى ب «العين المجردة» ولجميع العيان، هذه المدرسة التي بالإضافة إلى إنجاز جناح خاص بالأطفال الصغار الذين لا تتجاوز أعمارهم الأربع سنوات، حيث يتم تلقينهم الأبجديات الأولى في اللغة وتمرين ألسنتهم على النطق الصحيح للحروف ورعايتهم، وكذا تتبع التلاميذ الذين أصبحوا يدرسون بالسلك الإعدادي، إذ يتم التواصل معهم وتدريسهم اللغة الإنجليزية بالمجان، حسب إفادات رشيد آيت إبراهيم، رئيس جمعية الآباء ل «المساء». استقطاب الأمهات والأبناء مليون محفظة التي صاحبها أيضا اقتناء بعض الكتب لبعض التلاميذ، كان لها الأثر الكبير على وضعية العديد من التلاميذ الذين كانوا منقطعين عن الدراسة لعدة أسباب بينها الوضع المادي لأسرهم التي بالكاد توفر لهم ضروريات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومأوى، كما هو الشأن بالنسبة ل«سعيد.ر» الذي يبلغ من العمر 13 سنة، أسباب انقطاع سعيد عن الدراسة في السنة الأولى من مشواره الأول كان يرجع أساسا إلى الوضع المادي الذي حال دون إتمامه للدراسة، لكن ما الذي تغير بالنسبة لأسرته حتى تعيده إلى المدرسة، الجواب بالنسبة لسعيد هو «أن بعض المحسنين تكفلوا بتوفير متطلبات دراسته» وكذا توفير المدرسة لوازم الدراسة من كتب ومحفظة، هذه الحالات تنطبق بشكل كبير على العديد من التلاميذ والتلميذات. وأوضحت سعيدة تاتي مديرة مدرسة سيدي اعمارة ل«المساء» أن المجهودات التي قام بها الفاعلون في المجال استطاعت أن تعيد العديد من التلاميذ الذين كانوا منقطعين عن الدراسة إلى هذا المجال، مشيرة إلى أن أزيد من ثلاثين تلميذا التحقوا من الجديد بالمؤسسة التعليمية سيدي اعمارة، ولم يقف العمل عند هذا الحد، بل عملت المؤسسة على استقطاب الأمهات إلى دروس محاربة الأمية «كي يكن لنا عونا على تحقيق إعادة أبنائهن إلى المدرسة من جديد»، توضح المديرة. هذه العملية تجد في طريقها بعض الصعوبات التي ترتبط غالبا بالأسر المستهدفة من خلال هذه المبادرة، أبرزها، عدم توفر العديد من التلاميذ على دفتر الحالة المدنية، مما يعني جهل العديد من المعطيات عنهم، كما هو الشأن بالنسبة ل «سهيل» (اسم مستعار) الوضع الأسري المتفكك بالنسبة إلى أسرة سهيل كان سببا في انقطاعه عن الدراسة، وإلى حد الساعة لا يعرف الطفل الصغير معلومات عن والده، في الوقت الذي مازال مكان عيشه وإقامته موزعا بين منزل جدته ومنزل خالته. أرقام ومؤشرات تتوزع برامج هذه المبادرة التي أشاد بها جميع الفاعلين، إلى ثلاثة أقطاب، يهم الأول الارتقاء بالمؤشرات التربوية ومجالات الدعم الاجتماعي من خلال توفير الدعم النفسي والفردي للمتمدرسين وضمان حياة مدرسية ملائمة واعتماد أساليب بيداغوجية حديثة إلى جانب تقوية جانب الدعم الاجتماعي والشراكات، فيما يهم القطب الثاني الارتقاء بمجالات الموارد البشرية، ولاسيما عبر توفير التكوين المستمر للأطر التربوية وتمكين رجال التعليم في المناطق القروية من سكن وظيفي. ويتمحور القطب الثالث حول الارتقاء بمؤشرات التمدرس على مستوى الجهة التي تضم كلا من مراكشوالحوز وقلعة السراغنة والصويرة وشيشاوة، ويتضمن بالخصوص إنجاز مشاريع تروم إحداث 328 حجرة منها 68 حجرة لفائدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وبناء خمس عشرة مدرسة جماعاتية، وإضافة ست عشرة مدرسة للتعليم الابتدائي وستون إعدادية واثنان وثلاثون مؤسسة ثانوية، فضلا عن 67 داخلية. كما يشمل توسيع المؤسسات التعليمية بإضافة 311 حجرة وبناء 370 ملعبا رياضيا وتوفير أربعين حافلة في إطار النقل المدرسي وست وثلاثين سيارة. أما المبادرة الملكية «مليون محفظة»، التي أعطى الملك انطلاقتها الرسمية، فتهم توسيع قاعدة التلاميذ المستفيدين من هذه المبادرة، لتصل إلى 3 ملايين و677 ألفا و34 مستفيدا بتعبئة غلاف مالي يناهز 437 مليون درهم. وتشمل هذه العملية توفير لوازم مدرسية كاملة تتضمن محفظة إلى جانب الأدوات المدرسية الأساسية، والكتب المدرسية المقررة لفائدة كل التلاميذ المسجلين بالسنة الأولى من التعليم الإبتدائي بالمؤسسات التعليمية العمومية. كما سيتم توفير الكتب المقررة والأدوات المدرسية الأساسية للتلاميذ المسجلين من السنة الثانية للتعليم الابتدائي إلى السنة الأولى من التعليم الإعدادي بالمؤسسات التعليمية العمومية في المناطق القروية، فضلا عن توفير الكتب المقررة للتلاميذ.