أوضح العربي حبشي، عضو المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل، أن إشكالية التقاعد إشكالية مجتمعية، ترخي بظلالها على العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن قطاع التقاعد بالمغرب يواجه مشاكل معقدة، من بينها تعدد صناديق التقاعد وهشاشة توازناتها المالية والديمغرافية. وأضاف حبشي أن تعدد المتدخلين في هذا القطاع وارتباطه بشكل أوتوماتيكي بالاقتصاد الوطني يزيدان من تعقد وضعيته، مؤكدا أن الرفع من التقاعد إلى 65 سنة ما يزال مجرد إشاعة. - باعتبارك عضوا في المكتب المركزي للفدرالية الديمقراطية للشغل، هناك أشخاص يحصلون على معاشات ضئيلة جدا لا تتوافق مع الزيادات المتوالية في مستوى العيش، هل تناقشون مثل هذه الأمور داخل النقابة؟ وهل تعتقدون أن الوقت قد حان لطرح هذه الإشكالية؟ > طبقا للقانون الأساسي للفدرالية الديمقراطية للشغل، فإن نقابتنا تدافع عن جميع المأجورين وكذا المتقاعدين، لذا كنا سباقين إلى طرح إشكالية التقاعد في شموليتها، ومن ضمنها الرفع من المعاشات حتى تتلاءم مع المستوى المعيشي للمتقاعد، وبالتالي فإننا لا نكتفي فقط بطرح هذا الموضوع في اجتماعاتنا، بل نطرحه على كل الدوائر المسؤولة من أجل تحسين أوضاع المتقاعدين، خصوصا وأن هذه الفئة عرفت في السنوات الأخيرة تطورا كميا ونوعيا، مما يستلزم اهتماما يعكس مستوى حاجياتها ومطالبها المتعددة والمتجددة. - كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أزمة أنظمة التقاعد بالمغرب، ما هي الإشكاليات التي يعاني منها قطاع التقاعد بالمغرب؟ > الإشكاليات التي يعاني منها قطاع التقاعد بالمغرب جد معقدة وتتجسد في العناصر التالية : - تعدد صناديق التقاعد وهشاشة توازناتها المالية والديمغرافية ؛ - سوء التدبير الإداري والمالي والتمويلي وغياب الحكامة الجيدة ؛ - ضعف نسبة التغطية في مجال التقاعد وتراجع التوظيف في قطاعات الوظيفة العمومية ؛ - صعوبة الوضعية المالية لهذه الصناديق، فالصندوق المغربي للتقاعد سيواجه صعوبات في تمويل حاجياته ابتداء من سنة 2013، وفي هذه الحالة سيبقى هذا الصندوق بدون احتياطات مالية ابتداء من سنة 2020. أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فمن المنتظر أن يبدأ العجز في الظهور لديه ابتداء من الفترة الممتدة من 2027 إلى 2030. وبخصوص النظام الجماعي للتعويض عن المعاشات، فهو في وضع أحسن من الصناديق الأخرى، حيث سيحافظ على جاهزيته إلى حدود سنة 2049. كذلك الأمر بالنسبة إلى الصندوق المهني المغربي للتقاعد الذي من المنتظر أن يضمن وضعه العادي إلى سنة 2060. - ما هي السيناريوهات التي تراها محتملة لحل أزمة أنظمة التقاعد بالمغرب؟ > لقد تم تشكيل لجنة وطنية لإصلاح أنظمة التقاعد انبثقت عنها لجنة تقنية، تتشكل من ممثلي الإدارة والصناديق والمركزيات النقابية لازالت تباشر أشغالها وملزمة برفع تقرير حول كل الإشكالات المتعلقة بهذا الموضوع إلى هذه اللجنة الوطنية خلال الشهور القليلة القادمة. فإشكالية التقاعد متعددة الأوجه تشمل متدخلين عديدين: الدولة، أرباب العمل، المأجورون، المتقاعدون وحتى العاطلون، كما أن التقاعد مرتبط بشكل أتوماتيكي بالاقتصاد الوطني، فالرفع مثلا من سن التقاعد سيكون له تأثير مباشر على سوق العمل، عبر تراجع عروض الشغل، وبالتالي الرفع من البطالة، من جهة، والتأثير على إنتاجية المقاولة، من جهة أخرى. كما أن الرفع من التحملات الاجتماعية سيرهق كاهل المأجورين، عبر التخفيض من أجورهم، وبالتالي إضعاف قدراتهم الشرائية، خصوصا في سياق وطني ودولي يتميز بغلاء المعيشة، كما أنه سيساهم في تراجع الناتج الداخلي الخام، وبالتالي انخفاض معدل النمو. أما التخفيض من المعاشات، فهو عنصر أكثر تعقيدا خصوصا أن هذه المعاشات تعاني أصلا من ضعف ملحوظ. وفي ما يتعلق بتوسيع وعاء الانخراطات ليشمل المأجورين غير المصرح بهم ومهنيين مستقلين، فهو أمر ضروري ومحبذ لكنه يبقى غير كاف لحل هذه الإشكالية. لذلك فإشكالية التقاعد هي إشكالية مجتمعية تمس العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولهذا فهي تتطلب حوارا وطنيا واسعا للخروج بحلول تحفظ للشغيلة المغربية مكتسباتها، عبر تدعيمها وتطويرها، من جهة، وتخدم المصلحة العامة لمجتمعنا ولبلادنا من جهة أخرى. - هناك حديث عن تضمن مشروع قانون المالية الجديد لإجراء يقضي برفع سن التقاعد إلى 65 سنة، بالرغم من أن اللجنة الوطنية لم تتدارس الأمر، ولم تقدم أي حل في هذا الاتجاه؟ > إلى حد الساعة لا علم لنا بهذا الخبر، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن هناك لجنة وطنية يترأسها الوزير الأول وتضم في عضويتها، بالإضافة إلى بعض الوزراء، الأمناءَ العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والمدراء العامين لصناديق التقاعد. وهذه اللجنة هي المؤهلة للتوافق حول الإجراءات التي ستهم إصلاح أنظمة التقاعد، كما أنه يجب توضيح أن ما يروج له حول موافقة النقابات على رفع السن إلى 65 سنة هو مجرد إشاعة لا أساس لها من الصحة، الغرض منها المس بمصداقية العمل النقابي.