في مساءات السبت والأحد، لا شيء كان يعلو على متابعة مباريات فريقنا المفضَّل، ضمن فعاليات بطولة الجارة إسبانيا.. مقهى «Les Arcades» احتضنت، كما غيرها، لحظات فرجة ممتعةٍ، خصوصا حين يلتقي الغريمان.. تعرفون اسمَيْهما على الأقل!؟ هما ما زالا يضمنان متنفَّساً من الفرجة الكروية الراقية. ما زالا يُنسيان جمهورَ المغاربة خيبات بطولتهم المتعثرة... اسمهما «البارصا» و«الريال».. الحرية التي استطبْنا «ملذّاتِها» بعد ولوجنا الجامعة، دفعتنا إلى التّجرُّؤ على طرق أبواب عوالمَ ظلت، قبل ذلك، مستعصية ومستغلِقةً علينا. غرفة جواد العلوية، شبه المنعزلة عن مسكن ذويه، كانت منطلقنا للتخطيط لكل «مشاريعنا» و«مغامراتنا» التي لا تنتهي.. في تلك الغرفة، وعلى إيقاع موسيقى شعبية صاخبة، كنا نتعلم أبجديات الإيقاع بأنفسنا في تجارب ورهاناتٍ غيرِ محسوبة العواقب.. وعلى طاولة لعب الورق (الرامي) الذي كان هوايتَنا المشترَكة، كانت تتفتّق عبقريةُ بعضنا عن أفكار غرائبية ما نفتأ نبادر إلى الخطط الأولية لتطبيقها على أرض الواقع، ليتواصل مسلسل «شغبنا» الجميل الذي كنا قد بدأنا فصولَه الأولى في أقسام الثانوي.. وفي ما يشبه الحنين إلى الأيام الخوالي، كنا، عند حلول السادسة من مساء كل يوم، نحرص على اتخاذ «وقفتنا» المعتادة أمام ثانوية يوسف بن تاشفين، في انتظار مرور «موكب» الفتيات اللواتي تطردهنّ بواباتُ الثانويات والإعداديات القريبة، لنمارس هوايتَنا المفضَّلة: مشاكسةَ «الحمائم» وإمطارَ أسماعِهن «بما تجود به القرائح» من جميلِ الكلام ومعسولِه.. وعند ابتعاد طيفِ آخرِ واحدةٍ منهنّ، كنّا نَعمَد إلى ركوب دراجاتنا الهوائية لننطلق في جولة مسائية عبر شوارع المدينة الحمراء.. وأيّاً كان مسارُ جولتنا.. أيا كانت المسافة التي نقطعها، فقد كنا، دوماً، ننتهي إلى منزل جواد، بعد أن يتخلص كل واحد منا من دراجته، تجنباً لمزيد من الحرج مع والدة صديقنا التي، لِسِعةِ قلبها ورحابةِ صدرها، لم نكن نعرف ما نقول أو نفعل ونحن ننحني على يدها نقبِّلها، قبل أن نصعد الأدراجَ في خفة، هروباً من طيبوبة وصفاء هذه السيدة العظيمة.. كانت كلُّ «قْفوزيتنا» ومظاهرُ شغبنا الصارخ تذوب وتتلاشى في حضرتها الجليلة.. داخل الغرفة الدافئة، كنا نتسابق على الارتماء في أماكننا المعتادة لندخل في جولة جديدة من اللعب على إيقاع الموسيقى الصاخبة، ونحن نتلذذ برشف كؤوس الشاي وقَضْم قِطع الحلويات التي كانت «للا لْكبيرة» تبرع في إعدادها ولا تتوانى في استقبالنا بها، عشيةَ كل يوم من ذلك الزمان البعيد والجميل.. يتبع...