سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ناجي شكري:المدرسة الجماعاتية بديل لمشاكل المدرسة بإقليم اشتوكة أيت باها نائب وزارة التربية الوطنية بإقليم اشتوكة أيت باها قال إن المدرسة ستحول إلى فضاء منفتح على محيطه السوسيو ثقافي
- بداية، نطلب منك تقديم المنطقة التي تشرف عليها كنائب لوزارة التربية الوطنية؟ > تتميز المنطقة بمكانة المجتمع المدني الذي كان سباقا، ومنذ سنوات، إلى لعب دور أساسي في فك العزلة عن أغلبية المداشر والقرى المتناثرة عبر الإقليم، وذلك عبر توفير كل الشروط الحياتية الضرورية للاستقرار ومقاومة الهجرة، كإيصال الماء الصالح للشرب وكهربة الدواوير وتعبيد الطرق والاشتغال على تأهيل الرأسمال البشري وتأسيس أندية نسوية ورُوض الأطفال ومحاربة الأمية، بل والمساهمة في تأهيل المدارس وبناء الحجرات الدراسية. كل ذلك كان بمعية ساكنة المنطقة وبشراكات مع منظمات وطنية ودولية... إن هذا التراكم سيساعدنا، لا محالة، في تحقيق أهداف البرنامج الاستعجالي الذي يعمل على انخراط الساكنة في احتضان المدرسة العمومية والاقتناع بأهميتها في التنمية المحلية. كما تتميز المنطقة بمساهمة أبنائها المتواجدين عبر تراب المملكة وبالمهجر وفي مواقع اعتبارية اقتصادية واجتماعية وثقافية في الرفع من مستوى تحضر المنطقة، مع رغبة عميقة في الحفاظ على هويتها ومقوماتها الثقافية واللسنية، وهذه دعامة أساسية سنعمل في القريب المنظور على الانفتاح عليها للمساهمة في الرفع من مستوى المنتوج التربوي. - وكيف انطلق الموسم الدراسي الحالي؟ > بدءا، وكالعادة، كانت هناك لقاءات مع كل الفاعلين المباشرين المعنيين بالدخول المدرسي لإعداد شروط أحسن لدخول مدرسي يتميز بالانطلاق الفعلي للبرنامج الاستعجالي. فعلى خلفية الشعار الرسمي لهذه السنة «جميعا من أجل مدرسة النجاح»، أشرف عامل إقليم اشتوكة أيت باها على إعطاء انطلاقة الموسم الدراسي بمدرسة ابن تومرت ببلدية بيوكري يوم الخميس 10 شتنبر 2009، حيث تم توزيع الأطقم المدرسية على التلاميذ في إطار المبادرة الملكية «مليون محفظة»، واستفاد من هذه المبادرة 44747 تلميذا وتلميذة بغلاف مالي ناهز 6 ملايين درهم. وبموازاة ذلك، استأنفت عملية البرنامج النموذجي لمحاربة الهدر المدرسي «تيسير»، حيث يستفيد منه ما يناهز 2200 تلميذ وتلميذة متحدرين من 1420 أسرة ويتابعون دراستهم ب10 مجموعات مدرسية. وتستفيد الأسر بواسطة حوالة بريدية كل شهرين، شريطة ألا يتغيب أبناؤها بدون مبرر أكثر من أربعة أيام في الشهر، وتتراوح القيمة المالية بين 60 و100 درهم. - ما هي الصعوبات التي تعرفها عملية تدبير الموارد البشرية؟ > قبل التفصيل في هذا السؤال، أود أن أحيي بحرارة كل الفرقاء الاجتماعيين عبر إطاراتهم النقابية وأشكرهم على المساهمة الإيجابية في الحركة المحلية وإعادة الانتشار، حيث إن جميع العمليات المرتبطة بهذا الموضوع أنجزت ولأول مرة في ظرف قياسي لم يتعد 36 ساعة, وهذا شيء طبيعي حين يكون معيار الاستحقاق ومصلحة التلميذ هما المعياران الأساسيان في كل انتقال. وإذ أتفهم مطالب نساء ورجال التعليم عبر نقاباتهم، فإن على الجميع أن يستوعب الإكراهات الحقيقية التي لا تسمح بتحقيق كل المطالب. فعلى سبيل المثال يدرس بالوسط القروي بالإقليم أزيد من 50 ألف تلميذ وتلميذة من أصل 60 ألفا، كما أن عدد المؤسسات المتواجدة بنفس الوسط هي 110 من أصل 124، فنحن إذن أمام معادلة صعبة. فبقدر ما أنا متعاطف ومتجاوب مع مطالب الأسرة التعليمية، بقدر ما أنا متشدد في ضمان حق التلاميذ في التمدرس. إن الموقع الجغرافي للمنطقة ذات الطابع القروي (89 في المائة من المساحة الإجمالية) يحد من تحقيق طرفي المعادلة، وعليه فإن التفكير منصب بالدرجة الأولى على توفير أستاذ لكل قسم أينما تواجد. من هنا جاء احترامي وتنويهي بالإطارات النقابية التي وقعت معي محضر الحركة الوطنية، لأنها تفهمت، بحس وطني عال، هذه الإكراهات. وبالمناسبة أود أن أشكر مدير الأكاديمية على تفهمه العميق لهذه العوائق والذي مدنا ببعض الخريجين ووعد بمدنا بمزيد من الأطر حالما توفرت. - بعد كل العمليات التي تبدو مشتركة مع باقي النيابات التعليمية بالمغرب، هل هناك خارطة طريق محلية لإقلاع تربوي متميز؟ > سؤال وجيه... فمن خلال تفعيل البرنامج الاستعجالي في شقه المتعلق بالهدر المدرسي، أثارتني ظاهرة الانقطاع المبكر للفتاة القروية، حيث إن هذه الأخيرة تتابع نسبيا دراستها بشكل طبيعي إلى حدود السنة السادسة ابتدائي ونفاجأ بارتفاع نسب عدم الالتحاق بالثانوي الإعدادي. فمثلا بدائرة أيت باها بلغت نسبة عدم التحاق الفتيات أكثر من 50 في المائة إلى حدود 29 شتنبر 2009، وبشكل أدق، فبإعدادية «تسكدلت» الحديثة فاقت النسبة 90 في المائة. أما على مستوى الإقليم فالعدد يصل إلى 1410. هذا وضع تربوي غير سليم وغير صحي ويتطلب العمل الدؤوب ميدانيا ومتابعة لصيقة لتجاوز العوائق المتداخلة بين ما هو ثقافي يعود إلى خصوصية المنطقة وما هو جغرافي لغلبة الطابع القروي على الإقليم. لقد استحضرت هذا الوضع، بشكل قوي، خلال اللقاء التواصلي حول الدخول المدرسي الذي دعا إليه عامل الإقليم والذي حضره رئيس المجلس الإقليمي ورؤساء الجماعات المحلية والنسيج الجمعوي ورؤساء المصالح الخارجية يوم الخميس 24 شتنبر 2009. لقد كان اللقاء ناجحا بامتياز، تشهد على ذلك اهتمامات الحاضرين وطبيعة أسئلتهم، خصوصا حول المدرسة الجماعاتية التي عرضت نموذجا لها بجماعة «معتركة» بإقليم فكيك. ست ساعات من اللقاء المباشر مع الفاعلين والإنصات إليهم كان حافزا معنويا للإسراع بالتخطيط لمشروع المدرسة الجماعاتية. - ما هي الخطوط العريضة لهذا البديل التربوي؟ > نعم، إنه البديل التربوي بالمنطقة، فالمدرسة الجماعية مؤسسة تعبئ مواردها البشرية من أساتذة ومجلس تدبير وشركاء جماعيين واجتماعيين وثقافيين ومن القطاع الحكومي والنسيج الاقتصادي، من أجل وضع كل الإمكانيات المتاحة في خدمة التلاميذ وعائلاتهم ومحيطهم، فالهدف هو جعل نجاح المتعلمين التزاما جماعيا واجتماعيا. وبالمناسبة، فقد تم تحديد مركز «تركا نتوشكا» في إطار البرنامج الاستعجالي لاحتضان مدرسة ابتدائية جماعاتية في أفق 2011، إلا أنها غير كافية مما يستدعي تضافر جهود جميع الغيورين على قطاع التربية الوطنية من أجل خلق مدارس جماعاتية أخرى تمكننا من تخطي مجموعة من العوائق التي تحول دون تنمية التمدرس بالعالم القروي. - كيف ذلك؟ > يتطلب الأمر، أولا، العمل على الترويج للمشروع من أجل خلق قناعة راسخة بأهميته والانخراط التلقائي لإنجاحه، وذلك بفتح حوار مباشر مع المعنيين كالجماعات المحلية والمجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين. نريد من خلال هذه اللقاءات، التي سنبرمجها قريبا، أن نصل إلى مستوى الاحترام والتقدير الذي تكنه الساكنة والمجتمع الشتوكي بجميع مؤسساته للمدارس العتيقة. هل تعرفون أن أغلب المدارس العتيقة بسوس توجد بالإقليم؟ وهي مدارس ذاتية بامتياز يساهم الجميع في تمويلها بأشكال مختلفة تحتضن طلبة يدرسون كل العلوم المتعلقة بالقرآن والحديث والتشريع، بل أهم من ذلك، تحتل مكانة خاصة لدى الجميع لا تنزل عن درجة الاحترام والتقدير. فلماذا لا نعمل على تطوير هذه القيمة تجاه المدرسة؟ ما الفرق؟ إن المدرسة الجماعاتية هي مؤسسة تقع في منطقة تتوفر فيها كل الشروط الحياتية الضرورية من ماء وكهرباء وتجمع سكني ومستوصف وبريد وسوق، مؤسسة تتوفر على كل المرافق الصحية والحجرات الدراسية وسكن قار للمدرسين وداخلية تؤمن كل شروط الراحة والطمأنينة للتلاميذ والتلميذات، بالإضافة إلى توفير النقل المدرسي. ستغير المؤسسة، بهذا المفهوم، المعادلة التي جعلتنا سابقا نسير في اتجاه ذهاب المدرسة إلى التلميذ، مما خلق هذا التشتت الذي نلاحظه على مستوى المجموعات المدرسية من كثرة الفرعيات. هل يمكن أن نقبل اليوم قسما بأستاذ بجوار مقبرة بعيدا عن الساكنة؟ كيف يمكن أن تكون نفسيته وهو يعيش وحيدا معزولا، ولسنوات، في منطقة نائية ومهددا باستمرار في سلامته الجسدية. سنربح من خلال هذه التجربة جودة التعلمات، من خلال استقرار الأساتذة والحضور الفعلي للتلاميذ، ونحارب بذلك الهدر المدرسي، بل إن المدرسة الجماعاتية ستتحول إلى فضاء منفتح على محيطه السوسيو ثقافي لتكون قاطرة نحو كسب تعلمات مدنية فاعلة في التلميذ والمحيط. من إيجابياتها المباشرة أيضا القضاء على الأقسام المشتركة، بشكل نهائي، وترشيد الموارد البشرية وتسهيل عملية التأطير التربوي وتشجيع تمدرس الفتاة. - وما مصير الفرعيات في هذا الأفق؟ > يمكن توظيفها، وبتنسيق مع الساكنة وهيآت المجتمع المدني، في التعليم الأولي والتربية غير النظامية ومحاربة الأمية وتأهيل المرأة القروية. - تتكلم عن المشروع وكأن الطريق معبد لذلك؟ > أبدا. أنا واع بالصعوبات والإكراهات التي علينا أن نواجهها بحس نضالي تربوي راسخ، وأهم ظاهرة تؤرقني، حاليا، هي الهدر والتسرب المدرسيان. عموما، يتعلق الأمر بتحديات كبرى مرتبطة بالمنظومة التربوية لبلادنا علينا أن نرفعها جميعا، كل من موقعه، فهذا زمن الفعل بامتياز ولا مجال لإضاعة المزيد من الوقت، بل علينا مقاومة ثقافة الاتكال والانتظارية والعدمية، مستوعبين، بشكل عميق، كل ما جاء في الخطب السامية للملك محمد السادس حول التربية والتكوين, خاصة خطاب العرش ل30 يوليوز 2009 حيث يقول جلالته: «ويشكل الإصلاح القويم لنظام التربية والتعليم والتكوين، المسار الحاسم لرفع التحدي التنموي. فعلى الجميع أن يستشعر أن الأمر لا يتعلق بمجرد إصلاح قطاعي، وإنما بمعركة مصيرية لرفع هذا التحدي الحيوي. سبيلنا إلى ذلك الارتقاء بالبحث والابتكار وتأهيل مواردنا البشرية،التي هي رصيدنا الأساسي لترسيخ تكافؤ الفرص، وبناء مجتمع واقتصاد المعرفة،وتوفير الشغل المنتج لشبابنا».