لم يعد السرطان مرضا نادر الحدوث، فقد شاع وانتشر وألفه الناس الذين أصبحو يطلعون الآن أكثر فأكثر على مسبباته وأعراضه وعواقبه الصحية والاجتماعية والنفسية والمادية، حيث لم يبق ذاك المرض الغامض المحفوف بالألغاز والأفكار الخاطئة والميؤوس منه. فنظرا لتعدد إمكانيات العلاج واختلافها أصبح الشفاء أوعلى الأقل التحكم في السرطان أمرا ممكنا وغير بعيد المنال في كثير من الحالات، مما يزيد في تحفيز المنظومات الصحية في العديد من دول المعمور على نذر المزيد من الأطباء والعلماء ورصد موارد اقتصادية إضافية وخلق مؤسسات ومنشآت مختلفة لكبح جماح هذا الداء الرهيب الذي أضحى باعتراف الكل عبئا عالميا يعاني من تبعاته الجميع. والسرطان مصطلح عام يشمل مجموعة من الأمراض التي بإمكانها أن تصيب كل أعضاء الجسم وفي مختلف الفئات العمرية بما في ذلك الأجنة التي لم تر النور بعد. ويتميز السرطان أو الورم الخبيث بالتولد السريع لخلايا شاذة قادرة على النمو والانقسام من غير حدود وعلى غزو أنسجة مجاورة وتدميرها أو الانتقال إلى أنسجة بعيدة من خلال نقائل Métastases ويرجع تحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية إلى حدوث تغييرات في المادة الجينية الموروثة بسبب التعرض لعوامل مسرطنة كالأشعة والتدخين وبعض المواد الكيماوية أو الإصابة ببعض الفيروسات. لكل سرطان مساره الخاص ودرجات في التطور وترسانة علاج مقننة ونسب في حظوظ الشفاء كما أن لكل سرطان استراتيجية العلاج الخاصة به لا من حيث نوعية العلاجات التي تتراوح بين العلاج الجراحي والإشعاعي والكيمياوي والجيني والهرموني والمناعي... إلخ، ولا من حيث نوعية التأليف والجمع بين واحد أو أكثر من هذه الأسلحة العلاجية ولا من حيث توقيتها وتتابعها في الزمن العلاجي. لذلك فإن المواقف تتلون كثيرا عندما يمتثل مرضى السرطان للاستشارة الطبية للسؤال عن مدى قدرتهم على الصيام. فمرضى السرطان ليسوا رجلا واحدا أو امرأة واحدة، وإنما لكل مريض نوع سرطانه ودرجة هذا السرطان ومحطته العلاجية التي وصل إليها ومضاعفاته الآنية والمنتظرة وعواقبه المحتملة أيضا في حالة الصيام. وهكذا فإن القرار يختلف بحسب ما إذا كان السرطان لازال نشيطا أو في حالة انتكاسة أو كان في مراحله النهائية أو كان على العكس في حالة هجوع أو تم الشفاء منه نهائيا أو كان لا يزال يقطع صحراء رحلة العلاج. لكن الملاحظ أنه على الرغم من جدية المرض فإن مرضى السرطان يبرهنون دائما عن ميل قوي لتأدية مختلف العبادات ويبدون حماسا واستعدادا قويين لصيام رمضان قصد التقرب إلى الله والاستزادة في الدعاء، لذلك واعتبارا لهذا السياق فقد استقر رأي العديد من الفقهاء والأطباء المسلمين أن دور الطبيب يقتصر فقط على توضيح الرؤية للمريض وعرض المعلومات العلمية والطبية الخاصة بحالته وتبيان الرأي الطبي من صيام المريض أو إفطاره دون إجبار المريض على أي قرار، فالقرار يبقى في النهاية قراره. ولكن لابد لنا أن نطرح سؤالا من نوع آخر دأبنا دائما على طرحه. هل يا ترى يفيد الصيام مرضى السرطان؟ قد يبدو هذا السؤال مدهشا للكثير من الناس. لكن الجواب عنه سيكون مفاجئا لهم أكثر. إذ إن الدكتور شلتون وهو رائد من رواد العلاج بالصوم يؤكد أن الجسم لما يلجأ خلال الصيام لاستعمال الأنسجة الزائدة فيه يتسبب في إتلاف بعض الخلايا الشاذة وبالتالي فإن للصوم دورا في الوقاية من السرطان، إذ من شأنه إذا كان دوريا ومنتظما أن يمكن الجسم من التخلص من بعض الخلايا الخبيثة والمستترة القابعة في انتظار اغتنام فرصة للتكاثر والتوالد والانقسام العشوائي والتحول إلى أورام سرعان ما ستنتشر داخل الجسم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أكدت بعض الدراسات المنجزة أخيرا بالولايات المتحدة أن الصوم لا يفيد فقط في الوقاية من السرطان وإنما يفيد أيضا في علاجه من خلال ترشيد العلاج الكيمياوي. فقد كشفت بعض التجارب المنشورة نتائجها حديثا أن إجبار الفئران على الصوم لمدة يومين يمنع الآثار الضارة للعلاج الكيمياوي على الخلايا السليمة مما يفتح أبوابا جديدة من الأمل لملايين المرضى بالسرطان ذلك أن الفئران الصائمة احتفظت بنشاطها رغم خضوعها للعلاج بجرعات مرتفعة من العلاج الكيمياوي في حين نفق نصف عدد المجموعة التي ظلت تتغدى بشكل طبيعي وأصيب النصف الباقي بالوهن والنحول. إن هذه النتائج التي أكدتها أيضا اختبارات أجريت على خلايا بشرية في الأنابيب تجعل من الصيام مفتاحا سحريا لإشكالية كبيرة تؤرق وتقض مضاجع أطباء العلاج بالمواد الكيمياوية الذين يسعون لجعل هذا العلاج أكثر انتقائية وأكثر دقة. حيث إنهم يرددون أنه قد يصبح باستطاعتهم التحكم أكثر فأكثر في انتشار السرطان بل وشفاء المرضى منه إذا استثنى العلاج الكيمياوي الخلايا السليمة واستهدف فقط الخلايا العليلة، متحولا بذلك إلى علاج غير مدمر لباقي الجسد. ويفسر الأطباء هذه الظاهرة التي تبشر بانقلاب كبير في مفاهيم علاج الأورام الخبيثة يقوده « الصيام»، الشعيرة التي أمر بها الله سبحانه وتعالى بكون حرمان الخلايا السليمة من الغذاء الذي تحتاج إليه ليمدها بالحيوية يضعها في حالة استنفار وتأهب قصوى للاستمرار على قيد الحياة، بحيث تصبح على درجة عالية من المقاومة للضغوط أو الدمار الذي يحمله إليها هذا العلاج الكيمياوي، وهكذا قد تكون نتيجة الصيام أن يصبح بإمكان الأطباء علاج المزيد من حالات السرطان باستخدام جرعات قوية من العلاج الكيمياوي لا تؤثر في الخلايا السليمة وإنما يقتصر مفعولها على الخلايا السرطانية فقط لتقليص الورم أو تخليص الجسم منه بتدميره . وفي انتظار التصديق على هذه الفتوحات الجديدة التي يبشر بها الصيام في علاج داء السرطان لابد لنا أن نفصل الحالات التي يكون فيها الإفطار مطلوبا لمرضى السرطان والحالات التي يمكنهم الصيام فيها. إن الإفطار يكون ضروريا إذا كان الصيام سيفاقم حالة المريض أو كان يتناقض أو يتعارض مع طبيعة العلاج وخطته. بداية لا بد من التذكير أن عددا من أمراض السرطان قد صارت ممكنة الشفاء فإذا كان المريض قد تماثل للعافية واستعاد صحته ويعيش حياة طبيعية أو كان المرض في حالة هجوع وكان مسيطرا عليه ومتحكما فيه كان المريض لا يخضع إلا لمراقبة روتينية عادية. فإن المريض أو بالأحرى من كان مريضا بالسرطان في بعض الحالات يمكنه الصيام دون خوف أو قلق. لكن إذا كان المرض لازال في طور نشيط وفعال أو كان المريض لازال خاضعا للعلاج الكيماوي فيمكنه الإفطار، لأن لهذا العلاج تأثيرا ووطأة على الصحة العامة للجسم يستحيل معها إرهاقه بعبء إضافي كالصيام، كما أنه يتطلب مقادير كبيرة من السوائل ويتضمن عددا من التأثيرات الجانبية كالإجهاد والأرق والغثيان وتساقط الشعر. أما في حالة مرضى السرطان الذين يوجدون في مرحلة متقدمة جدا من المرض والذين ليست لهم حظوظ للشفاء حيث لا يخضعون إلا لعلاجات مخففة تستهدف الترويح عنهم فقط ومواكبتهم في مرحلتهم النهائية هاته، فإن الطبيب المعالج للمريض هو من يعود إليه تقرير ما إذا كان الصيام سيزيد من معاناة وألم مريضه أم لا، وهكذا فإنه يرخص له غالبا في الإفطار دون أن يجبره على ذلك. وخلاصة القول إن عالم السرطان عالم شاسع جدا وأمراضه كثيرة ومتنوعة تنوع أعضاء وخلايا الجسم ورحلة علاجه طويلة وشاقة لكنها غير مستحيلة دائما لذلك فإن قرار الإفطار والصيام يقتضي أن يعرف أين وصل السرطان ؟ وأين بلغت خطة العلاج وأين يوجد المريض داخل كل هذا؟ وهذا لن يتأتى بالشكل المطلوب إلا داخل عيادة طبيب معالج يشرف على تتبع خطة علاج مريضه ويشهد على قصة صراعه مع المرض ويحظى بثقته طبيا وإنسانيا وعقائديا.