أطلق حزب الاتحاد الاشتراكي، قبل أيام، جملة من الفعاليات احتفاء بالذكرى ال50 لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على أساس أنه استمرار له و ل»حركة التحرير الشعبية»ّ!.. ومن أهم ما يستوقف المتتبع لهذا الاحتفال، التعامل الانتهازي مع تاريخ هذا الحزب وتضحيات قادته ومناضليه. و لعل الجميع يتذكر النقاش العاصف الذي أثارته رسالة الفقيه البصري المشهورة؛ ذلك أن تعامل الاتحاد الحكومي مع الإرث النضالي هو من قبيل «أكل الغلة وسب الملة». فتضحيات المناضلين على مدى عقود هي مفخرة في بعض المجالس واللقاءات، لكنها «بلانكية» ومغامرة في نقاش الحقائب وكراسي الوزارة مع الدولة! في هذه الحلقات وقفة عند صفحات من تاريخ الاتحاد. قبل أن تعترف الدولة رسميا بإملشيل كمنطقة من مناطق جبر الضرر الجماعي، كان سكان إملشيل، وكذا مناضلو الهيئات الحقوقية والسياسية والنقابية المتبنية لقضيتهم، يركزون في مناقشاتهم ل«أحداث 1973» على القمع المسلط على ساكنة هذه المناطق والتهميش الإقصاء اللذين طالا هؤلاء المواطنين جراء تلك «الأحداث». فأحداث 1973 بالنسبة إلى هؤلاء هي، أساسا، تلك الحملات والمداهمات التي قادتها أجهزة الاستخبارات والقوات المساعدة وفرق القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي لاختطاف مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وغيرهم من المواطنين، رجالا ونساء وأطفالا، وأحداث 1973 هي أيضا تلك الاختطافات وذلك التعذيب الممنهج الذي قتل في نطاقه البعض وفقد خلاله البعض الآخر عقله وفُقد إثره البعض على مدى عقود بين المعتقلات والمقابر السرية، الفردية منها والجماعية. هذه هي، بالأساس، حقيقة «أحداث 1973» بالنسبة إلى هؤلاء. أما بالنسبة إلى الدولة وأجهزتها الإكراهية، فإن ما حدث بإملشيل سنة 1973 هو تدخل للدولة بقوة السلاح لمواجهة «عنف مسلح» يهدد سلامة الدولة وأمنها الداخلي، أي أن الأمر لا يعدو أن يكون تدخلا للسلاح الشرعي في مواجهة السلاح غير الشرعي ل»متمردين» و»مخربين» ومشاغبين ظهروا في هذه المنطقة (كما في غيرها) «للإطاحة بالنظام وإحلال نظام آخر مكانه» كما جاء في «صك» اتهام المحكومين على خليفة تلك «الأحداث» .. هذه هي حقيقة الدولة في تعاطيها مع «أحداث 1973 «.. ومع أن كل طرف يركز-في معالجة الأحداث- على حقيقته، فإن المقاربة الموضوعية تقتضي القول بأن الحقيقة تضم الحقيقتين معا، أو لنقل إن «الدفعين» وجهان لحقيقة واحدة، ذلك أن القمع حصل بكل صوره وبأبشع الأساليب التي يمكن تصورها، كما سنرى لاحقا ببعض التفصيل؛ واستعمال السلاح حصل أيضا، وفي أوضح صوره كما سنتوقف عند ذلك، مع أحد قادة الجناح العسكري في الجناح الثوري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية وقائد كوماندو إملشيل. فمنطلق البحث عن الحقيقة في «أحداث 1973 « بإملشيل يقتضي الإقرار، إذن، بحدوث عنف مسلح بهذه المنطقة من جهة وبحدوث اضطهاد وقمع ممنهج من جهة ثانية. وترتيب هذين الواقعين لا يعني أبدا ترتيب النتائج على الأسباب، أي أن القمع جاء كرد فعل على العنف المسلح، وبالتالي فهو مبرر بكل المقاييس والمواثيق الدولية. ذلك أن سؤالا كبيرا طرحه أحد قادة كومندوهات 1973 وسيعيد طرحه قائد إملشيل في هذا الفصل، يجعل الباحث والمتتبع النزيه لا يقوى على المضي قدما في تحليله دون إعادة طرح الأسئلة على كل شيء. فهل كان العنف المسلح في إملشيل وغيرها من المناطق سنة 1973 فعلا أم كان «رد فعل»؟ هل الذين قاموا بالعنف المسلح هم من تم اعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم؟ ماذا يعني اختطاف النساء الفلاحات الأميات وتعذيبهن وتشويه وقتل بعضهن وحجز البعض خارج نطاق القضاء لسنوات؟ ماذا يعني اختطاف الأطفال وتعذيبهم والتسبب في قتل بعضهم؟ تلك أسئلة لا مندوحة من الوقوف عندها لمعرفة ما جرى قبل الخوض في أي تحليل أو تعليق، وهو ما تم من خلال جملة من المقابلات مع من صنعوا أو صنعت بهم تلك «الأحداث». ولكن قبل استعراض هذه الوقائع لا بد من البدء بسؤال حول هذه الأحداث نفسها لما يلفها من غموض وابتسار. فما هي «أحداث مارس 1973»؟ أو»أحداث 73» كما تسمى اختصارا؟ ما هي سياقاتها التاريخية والسياسية؟ يتبع