رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل الأفاعي يلدغ ولا يُلدغ
يأكل العقارب ويقبل الأفاعي ويعتمر بالزواحف
نشر في المساء يوم 10 - 09 - 2009

عقارب وأفاعي للبيع, إنها ليست حملة دعاية إعلانية لأحد المطاعم الصينية بل إنه جزء من مقومات تجارة دوائية تعتمد على بيع العقارب والأفاعي والزواحف وسمومها كأدوية، رافقونا إلى عالم طب الزواحف الغريب أو طب السموم. دواء عجيب, لاسيما وأن مراحل علاجه تتم بإشراف أناس لم يدرسوا يوما علوم الطب والصيدلة ولسنا هنا في صدد معالجة هذه الظاهرة من الناحية الصحية, فهي قديمة جدا في المجتمع العراقي ويعتبرها الكثيرون طريقة علاجية جيدة ومجربة بل يستخدمونها بدون استشارة أحد مستندين إلى روايات وقصص يتناقلونها جيلا بعد جيل بل ويدافعون عن أدويتهم المتوارثة لما تحققه من نتائج مزعومة، وحسب القاعدة الشهيرة التي تقول إن في داخل كل ظاهرة غريبة تفاصيل أغرب، قصدنا سوق الشورجة في بغداد لنلتقي شابا لم يتجاوز العشرين من العمر يشتهر بقدرته على التعامل مع هذه الكائنات التي قد تتسبب أي واحدة منها بإرسال الإنسان إلى أداء امتحان منكر ونكير.
شاب في مقتبل العمر، طويل القامة، خفيف اللحية، يقف أمام عربة خشبية يعرض بضاعته الغريبة والتي تتكون غالبا من العقارب السامة والأفاعي القاتلة والزواحف المخيفة، ولا يكتفي بعرض بضاعته بالطريقة التقليدية بل يقوم بطرق عرض مختلفة نتعرف عليها معا، اقتربت منه لمحاورته لكن بطبيعة الحال كنت أحاوره عن بعد خوفا من عقرب مشاكس أو أفعى ممازحة. . .
> يلقبوك أركان أبو الأفاعي, منذ متى وأنت تمتهن بيع الأفاعي والزواحف؟
منذ كنت طفلا حيث كنت أتواجد بالقرب من رجل عجوز يقوم ببيع وتربية الزواحف والأفاعي والعقارب وشيئا فشيئا أحسست بأني أعشق هذه المهنة وأتباهى بين أقراني بأني أستطيع الإمساك بعقرب أو أفعى سامة بينما يهربون هم منها, وقد ساهمت سنوات تعاملي مع هذه المخلوقات في اكتساب خبرة لعلاج الأمراض.
> ما هو شعورك وأنت تمسك ما يخاف منه الناس؟
- لا شيء سوى أني أشعر بأني مميز كما أني أشعر بالألفة تجاه هذه الحيوانات فهي لا تهاجم من لا يهاجمها إنها مسالمة ووديعة - يتكلم معي مداعبا رأس أفعى تصيب الناظر بتسمر شعر الرأس.
> من أين تحصل على
بضاعتك؟
هناك أناس متخصصون يزودونا بما نحتاج إليه من العقارب والأفاعي والزواحف، فالعقارب الصفراء تأتينا من المناطق الزراعية أما السوداء وهي الأكثر سما فنحصل عليها من البيوت القديمة، أما الأفاعي فيتم اصطيادها من الأنهار والصحاري وأنا شخصيا اصطادها بنفسي، وكل نوع من هذه الأنواع له استخدامات دوائية مجربة.
> ما هي أهم الأمراض التي تستطيع معالجتها، وهي أكثر الأمراض التي يقصدك الناس للتداوي منها؟
الأمراض كثيرة والعلاج واحد وهو عبارة عن مزيج من دهن الأفاعي وسم العقرب وبعض الأعشاب، يعالج السكر والضغط ويقوي القلب والعظام، أما أكثر الأمراض التي نعالجها فهو تساقط الشعر حيث يتم العلاج باستخدام دهن الأفاعي وهو مزيج من دهن أفاعي الماء والأفاعي الرملية وفي بعض الأحيان نضيف مسحوق عظام السرطان حيث يتم تجفيف حيوان السرطان ومن ثم نقوم بطحنه!!
> كيف تستخرج دهن الأفعى؟
- نقوم بسلخ الجلد وتقطيع الأفعى ونضعها في قدر على نار هادئة وما يتبقى منها هو الدهن المستخدم للعلاج.
عقارب شهية!!
> يقال إنك تستطيع أن تمضغ عقربا؟
نعم هذا عمل سهل دأبت على ممارسته منذ كنت صغيرا, وكلما مضغت عقارب أكثر أصبح جسمي أكثر تحملا للسموم وتزداد مقاومتي لكثير من الأمراض.
> ألم تعاني يوما من مشاكل صحية؟
كيف أصاب بالمرض وسم العقرب يقضي على أقوى الأمراض, هل تعلم أني أستحم بماء بارد في أقسى أيام الشتاء برودة ولا أصاب بالزكام ولم أعان يوما من صداع الرأس ولم أذكر يوما أني أصبت بأي من الأمراض المعوية أو الباطنية.
> هناك من يتهمك بإخراج سموم العقارب قبل أن تأكلها؟
أتحدى من يقول ذلك ويخرج من علبة مغلقة احد العقارب قائلا هذه العقارب اشتريتها قبل دقائق ولم أرها قط وسأتناولها أمامك لأثبت لك صدق قدراتي ووضعها في فمه وسط دهشة الحاضرين،
مرددا : وإن شئت فإمكاني أن ألتهم عقارب أخرى.
> فأجبته بعدم ضرورة ذلك فنحن لا نريد أن نتسبب له بخسارة مالية لاسيما وأنه اشترى تلك العقارب بحضورنا، كم ثمن العقرب الذي تناولته قبل قليل وهل من نبذه مختصرة عن أسعار هذه المخلوقات؟
العقرب الذي التهمته سعره 3000 دينار عراقي أي ما يعادل وجبة كباب دسمة مع المقبلات أما أسعارها فتتراوح من 1000 دينار إلى 15000دينار.
> ما هي المعايير التي تحدد أسعار العقارب؟
أولا كمية السم الذي يحتويه جسمها وكبر حجمها واستخداماتها الدوائية فالعقرب السوداء أغلى من العقرب الصفراء والحمراء.
زواحف للزينة
> وماذا بشأن الأفاعي والزواحف كم أسعارها؟
يتراوح سعر النادر منها (بين100 و500 دولار) والأفعى الرملية أثمن من أفعى الماء وأثمن من كل الأفاعي القاتلة كبيرة الحجم والزواحف مثل هذه السحلية واضعا إياها على رأسه بما يشبه بالكوفية التي تستخدم للزينة وهي طلب خصوصي لأحد الأغنياء وقيمتها 500 دولار ولها استخدامات علاجية لمرضى السكري.
> وهل هناك من يرغب في شراء سحلية بمثل هذا
المبلغ؟
هناك من يهوى أن يقتني مثل هذه المخلوقات للتباهي والزينة, فأذواق الناس مختلفة، وهناك من يرغب في استعراض قوته باقتناء مثل هذه المخلوقات التي يراها بعض الناس مخيفة أو ربما لإخافة زوجة سليطة اللسان؟
ودعناه على أمل عدم اللقاء به مجددا معاهدا نفسي ألا أكتب مثل هذه المواضيع المخيفة مرة أخرى لاسيما وأن منظر السحلية لم يفارق مخيلتي ليلة كتابتي هذا الموضوع.
الأفاعي لمنع الإجهاض ودرء الحسد
وطرد الجن
في العراق الموروث الطبي الشعبي العراقي يرتبط ارتباطا وثيقا بالأفاعي والزواحف لمنع إجهاض الحوامل وطرد الجن ودرء الحسد، وتستخدم سمومها لمعالجة العين وأمراض المفاصل ويلاقي هذا العلاج رواجا ملفتا للنظر وخصوصا بين النساء في مناطق ريفية جنوب شرق بغداد، ويخبرنا الحاج جمعة معالج شعبي الملقب ب»أبو الثعابين» أن هناك من يستخدم الثعابين في المنازل تجنبا للحسد وطردا للجن الخبيث وهذا اعتقاد سائد بين غالبية الناس وخصوصا سكان الأرياف، ويضيف قائلا: «إن التداوي بسموم الأفاعي عرفته بالفطرة منذ طفولتي ويستخدم حاليا في معالجة تساقط الشعر لغير العوامل الوراثية وأمراض المفاصل المتعددة العوارض وغسل العين ويتابع جمعة الذي يمارس المهنة منذ أكثر من ثلاثين عاما ويتخذ من سوق الشورجة وسط بغداد مكانا لعرض بضاعته من الأفاعي والعقارب أن العلاج بواسطة سموم هذه الزواحف يلاقي رواجا خصوصا لدى النساء اللواتي يعشن في الأرياف، ويأتي التداوي بسم الأفاعي والعقارب في الترتيب كوسيلة للشفاء بعد العلاج التقليدي بواسطة طب الأعشاب والحجامة المنتشرين على نطاق واسع، حتى أصبح لهما عيادات خاصة يتردد عليها العديد من المرضى. من جانبها قالت «أم محمد» التي تسكن إحدى القرى المجاورة لبغداد وتمتهن الزراعة مع عائلتها المكونة من تسعة أشخاص: أستخدم الحية كحزام للظهر لتثبيت الجنين. جربتها في المولود الأول الذي يبلغ حاليا من العمر خمس سنوات وسميته ثعبان تيمنا بالأفعى بعد أن عانيت الإجهاض مرتين، وتضيف المرأة البالغة من العمر «26 عاما» أن الطلب على هذا النوع من التداوي وخصوصا سم الأفاعي يزداد لدى النساء في الأرياف نظرا إلى طبيعة عملنا الشاق في المنزل والمزرعة ما يجعلنا عرضة للإجهاض، لذلك ترى المرأة في حزام من جلد الأفعى شفاء ورحمة ومعتقد، وبالعودة إلى جمعة يقول» كنت أمارس مهنتي في بغداد قبل أبريل 2003 لكن سوء الأوضاع الأمنية دفعني للعودة إلى مسقط رأسي لاتخاذه مكانا لممارسة عملي الذي يشكل مصدر رزقي.
رأي الطب الحديث
للطب الحديث رأي مغاير حيث يصف الطبيب عبد السلام الصفار التداوي بسم الأفاعي بالعلاج البدائي لأنه غير رائج في الطب الشعبي أو الطب القديم، بل إن هناك مجتمعات عرفته وسيلة للعلاج كاعتقاد سائد متوارث خصوصا في المجتمعات الفقيرة، ويقول الاختصاصي في تحاليل الأمراض في أحد المستشفيات الحكومية إن استخدام السموم يعتبر حالة خطيرة خصوصا عند دخوله جسم الإنسان ما قد يؤدي إلى الوفاة لما يسببه من تخثر للدم في الأوعية.
سم العناكب والعقارب
العراقيون عادوا مجبرين إلى وسائل العلاج التي ابتكرها أجدادهم فاتجهت أنظارهم إلى المواد الطبيعية المستخلصة من الحيوانات من أجل الاستعانة بها لمحاربة العديد من الأمراض، فسم العناكب السوداء في شمال العراق يمكنه أن ينقذ حياة مرضى القلب، بحسب وصفة عراقية قديمة يقال إن جذورها بابلية موغلة بالقدم ويؤكد المعالجون الشعبيون أن سم العناكب يساعد في منع الإصابة بالنوبات القلبية في حال انقباض القلب، أما عن استخدامات سموم العقارب فتشير الوصفة إلى أن الإبرة الموجودة في ذنب العقرب والمحتوية على السم تنقي الدم من السموم وتعالج المغص، وسم أفعى الأهوار يساعد في شفاء المرضى المصابين بالجلطة الدماغية.
الأفعى في الموروث الشعبي العراقي
للأفعى ( الحية في اللهجة الدارجة العراقية ) تأثير مخيف في النفس كونها تنساب خلسة ومن دون أن يحس بها الشخص، فتلدغه وربما تقتله بتأثير السم الذي تفرزه في مكان اللدغة ولا شك أن البيئة العراقية من البيئات التي تساعد على عيش ونمو الأفاعي، ففي الأهوار مثلا تنتشر الأفاعي المائية، و في المناطق الصحراوية الجافة تنتشر الأفاعي التي تلائم حياة القفار والصحارى، وفي السهول والجبال أفاع تلائم تلك الأنماط من البيئات، ما يجعل العراقي منذ القدم مجبرا على التعايش مع الأفاعي حيثما حل وارتحل، لذا فهو منذ القدم حاول التملق إليها في محاولة لتجنب شرها بادعائه أنه يقدسها ويعبدها لذا صنع العراقيون القدماء تماثيل للأفاعي كما تقول (مارلين ستون) في كتابها (يوم كان الرب أنثى)، وزادتها ملحمة كلكامش اعتبارا عندما تذهب الملحمة إلى أن الأفعى سرقت نبتة الخلود من كلكامش، فهي خالدة، والخلود من صفات الآلهة، فهي بعد الملحمة لم تعد تكتفي بأن تكون رمزا للإلهة الأم، وإنما افرزوا لها حيزا بين الآلهة التي عبدها القدماء ضلالة، ويستفيد أصحاب هذا الرأي مما ينسب إلى ما ورد في الحديث الشريف عن نهي قتل أفاعي البيوت التي تسمى وفق ذلك (جِنّان البيوت) خشية أن تكون من مسلمي الجن التي تقطن بيوت الناس، باستثناء نوعين من الثعابين هما الأبتر وذي الطفيتين، فهذان النوعان غير مشمولين بالتسامح لما يحملان من أذى للناس، فهما يخطفان البصر ويتتبعان ما في بطون الحوامل من أجنة. أما صفتهما، فقد ذكرت كتب التراث، أن الأبتر هو قصير الذنب، وقيل بل هو مقطوع الذنب، وذكر أن لونه أزرق أو مائل إلى الزرقة، لا تنظر إليه امرأة حامل إلا أسقطت جنينها، بينما وصفوا ذا الطفيتين بأنه حية على ظهرها خطان أبيضان. وما عدا ذلك، فإذا كره ساكن الدار من أفاعٍ فإن له أن ينذرها ثلاثا وقد اختلفت كتب التراث في تلك الإنذارات، هل هي ثلاثة إنذارات أم تنذر على مدى ثلاثة أيام، وحددوا صيغة الإنذار بأن يقول صاحب الدار للأفعى التي يريد أن يأمرها بترك داره: إنا نسألك بعهد نوح صلى الله عليه وسلم وبعهد سليمان بن داوود -عليهما السلام- ألا تؤذينا، فإن عادت قتلوها، فإن ذهبت بعد الاستئذان، وإلا قتلوها إن شاؤوا، أما لماذا عهد نوح عليه السلام بالذات، فقيل إن الأفعى تبرعت بسد ثقب حصل في سفينته (وهي تجري في موج كالجبال-هود42) وظلت تحول دون تسرب الماء إلى جوف السفينة إلى أن رست على الجودي وغيض الماء، فهي بذلك حصلت على عهد بالتعايش السلمي مع الناس لا تؤذيهم ما لم يؤذوها، بينما روي في (الموطأ)عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، فوجده يصلي، قال: فجلست أنتظره حتى قضى صلاته، فبينما أنا كذلك، سمعت صوت حركة في ناحية من نواحي البيت، فالتفت، فإذا بها أفعى، فوثبتُ لأقتلها، فأشار إليّ: أن أجلس، فجلست، فلما فرغ أشار إلى بيت في الدار (غرفة من غرف الدار)، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول اللَّه (ص) إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار، فيرجع إلى أهله. فاستأذنه يوما، فقال له رسول اللَّه (ص): «خُذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك قريظةٌ» فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به، وأصابته غَيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل، فإذا بحية عظيمة، منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح، فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يُدرى أيهما كان أسرع موتا: الحية أم الفتى، قال: فجئنا إلى النبي (ص)، فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع اللَّه يحييه لنا فقال: (استغفروا لصاحبكم)، ثم قال: (إن بالمدينة جنّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا، فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان).
أما الجاحظ فإنه ينكر احتمالية وجود تواد وتراحم بين الإنسان والحية، فهو يصفها بأنها وحشية لا تأنس ولا تقبل أدبا، ولا ترعى حق تربية، لذا فإن الناس متأكدون من عداوة الحيات لهم، ومع أنه لم يذكر السبب الذي رآه الدميري وجيها عندما قال: هو ما ذكره الحق في كتابه الكريم (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) فهي لذلك عدوة للإنسان والإنسان عدو لها وعلى الرغم من هذا التأكد، فإن الجاحظ يقول، ولو إنهم رأوا شيئا منها لما بيتوها ونوموها إلا في المهد مع صبيانهم. ولكنه ينسى ما قاله فيعود في موضع آخر من كتاب (الحيوان) ليقول (ومنها ما لا يؤذي إلا أن يكون الناس قد آذوها مرة). وهو بذلك يطابق ما يعتقده الناس الذين صنعوا لنا تراثنا الشعبي. ومن التبريرات التي اعتاد الناس في البيئات الشعبية العراقية استخدامها وهم يبررون الإبقاء على الأفاعي في البيوت، أن الحية لا بد وأن تكون حارسة، وهي مكلفة بحراسة شيء ما، ولعل أحد جوانب نظرة التقديس التي ينظر الناس على وفقها إلى شجرة السدر(النبق) هو أن تلك الشجرة محروسة من قبل الحية، لذا لا يمكن اجتثاثها أو تدنيسها بالنجاسات كالبول وغيره، وهذا هو ما يجعل الكثير من الناس يتجنبون زرع شجرة السدر في بيوتهم. والحية عدا عن حراسة شجرة السدر، فإنها على وفق الموروث الشعبي تقوم بحراسة الكنوز الدفينة، وتلك الكنوز ليست طارئة على الفكر الإسلامي، وإنما أشير في القرآن الكريم صراحة إلى أحدها وهو الكنز الذي كان ليتيمين تحت جدار يريد أن ينقض فأقامه(الخضر عليه السلام)، وهو ما جعل (موسى عليه السلام) يستغرب من عمله المجاني ذاك كون أهل القرية لم يضيفوهما، فرأى أن عليه أن يتقاضى أجرا على عمله. إلا أنه سبحانه وتعالى لم يخبرنا في محكم كتابه الكريم أن حية كانت تحرس ذلك الكنز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.