سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موظف سابق ضمن قوات الخفر الملكي يتهم المخابرات الجزائرية والمغربية بتعذيبه هيئة الإنصاف والمصالحة رفضت النظر في ملفه وحرزني طلب منه التوجه إلى الجزائر لاستخلاص تعويضه
ما زال أحمد بن آدم، الموظف السابق في قوات الخفر الملكي في فترة المرحوم الحسن الثاني، ينتظر رد السلطات الجزائرية عن فترة التعذيب التي تعرض لها من طرف خمسة عناصر تنتمي إلى أجهزة مخابراتها العسكرية، من ضمنهم العربي بلخير، السفير الجزائري في المغرب، كما ينتظر من السلطات المغربية أن تنصفه بعد تعرضه للتعذيب لمدة سبعة أشهر بدار المقري، عقب عودته من الجزائر ضمن «كومندو»، كان يعتزم القيام بأعمال تخريبية فوق التراب المغربي. وكان ابن آدم هو الذي أخبر السلطات المغربية عن مكان تواجد «الكومندو» والأسلحة التي كانت في حوزة أفراده. «هل التبليغ عن عناصر تعتزم القيام بأعمال تخريبية جريمة؟ ما هو ذنبي حتى أتعرض للتعذيب لمدة سبعة أشهر بدار المقري؟ لماذا ترفض هيئة الإنصاف والمصالحة النظر في ملفي؟» ظلت هذه الأسئلة تراود أحمد بن آدم، الموظف السابق في قوات الخفر الملكي والذي عمل ضمن فرقة الدراجين في فترة الملك الحسن الثاني، طيلة سنوات. لم يجد ابن آدم بدا من أن يفتح، في منتصف عقده الثامن، صفحة من صفحات الحرب الباردة التي اشتعلت بين المخابرات الجزائرية والمغربية عقب حرب الرمال وتنظيم المسيرة الخضراء، وكان ابن آدم ضحية لهذا الصراع الذي ما زال مستمرا إلى يومنا، أدى خلاله جيل كامل من المغاربة والجزائريين ثمن تعنت القادة في الدولتين معا. تحت أعين المخابرات انطلقت قصة معاناة بن آدم وتعرضه للتعذيب من طرف المخابرات الجزائرية، بعدما استدرجته هذه الأخيرة خارج التراب الوطني وتعرضه للتعذيب من طرف المخابرات المغربية عند عودته إلى المغرب، كما يرويها في زيارة له إلى مقر «المساء»، بعدما زاره بمنزله الكائن بحي العيون بدرب السلطان بمدينة الدارالبيضاء صديق له، يدعى عبد الرزاق جبار يتحدر من الجزائر، كان يعمل في صفوف الأمن المغربي، وعندما حصلت الجزائر على الاستقلال تم استدعاؤه وتم تعيينه مديرا لمطار الهواري بومدين. هذا الرجل اختفى عن الأنظار لمدة تصل إلى 30 سنة قبل أن يظهر إلى الوجود لكن ظهوره لم يثر أدنى مفاجأة لدى ابن آدم، خاصة وأنه كان يتردد على المغرب لأن زوجته كانت مغربية، كما أن والده كان يقطن في المغرب. وكان ابن آدم حينها على خلاف مع عميد الأمن محمد العشعاشي. ولأن المخابرات كانت تترصد العناصر التي كانت قريبة من مراكز القرار، سأل ضابط المخابرات الجزائري صديقه القديم ابن آدم عن أحواله وظروف الاجتماعية وعن مرتبه الذي لم يكن يتجاوز آنذاك مبلغ 200 ألف فرنك في الشهر، حيث وعده هذا الضابط بأن يعمل على أن يتدخل لإنقاذه من الوضعية التي يعيشها. في سنة 1978، أوهمه الضابط الجزائري بأنه يستطيع إيجاد منصب عمل له في شركة للتصدير والاستيراد للمنتجات السمكية من وهرانبالجزائر إلى مدريد في إسبانيا، ولكي لا يترك له مجالا للتفكير، قال له إن راتبه الشهري يمكن أن يصل إلى مليون سنتيم مغربية، ولأن المبلغ كان يغري فلم يتردد ولو لحظة، حيث قبل العرض، وطلب منه الضابط الجزائري أن يستعد للسفر إلى إسبانيا. وما هي إلا أيام قليلة حتى سافر ابن آدم إلى مدريد. في مدريد ستبدأ الشكوك تحوم حول الشركة التي يشتغل بها أزيد من 50 فردا وكلهم جزائريون. ولم يكن أي شخص أجنبي بينهم، كما اكتشف بأن شركة التصدير والاستيراد التي تحدث عنها صديقه عبد الجبار ليست إلا شركة وهمية. وعندما اتصل ابن آدم بهذا الأخير ليخبره بأنه لم يعد قادرا على العمل بعدما تشاجر مع بعض الجزائريين، نقله الضابط الجزائري إلى فندق من صنف خمسة نجوم يقع في ساحة «لابويرطا دي صول» بالعاصمة الإسبانية. ومنذ ذلك اليوم لم يلتق به ابن آدم إلى يومنا هذا. قضى في الفندق حوالي أربعة أيام، وفي أحد الأيام جاء عنده موظف في السفارة الجزائرية، حمله في سيارته وتناول برفقته وجبة عشاء في مطعم كان كل الحضور فيه من أصل جزائري، رغم أن المطعم كان يقدم أكلات من الطبخ المغربي، وما زاد من شكوك ابن آدم أن الموظف لم يؤد ثمن الوجبة. وخلال تلك الليلة تم إخباره بأن موعد رحيله إلى الجزائر سيكون في اليوم الموالي (8 أكتوبر 1978) في نفس الشهر الذي توفي فيه الهواري بومدين. وسط المعتقلات الجزائرية نقل مباشرة إلى طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية بواسطة سيارة تابعة للهيئة الدبلوماسية تحمل الراية الجزائرية، وبواسطة جواز سفر جزائري، في حين أخفى موظفو السفارة جواز سفره المغربي. كان هذا الحادث بداية لخلاف ابن آدم مع موظفي السفارة، وطالب بحضور عبد الرزاق، الذي اختفى عن الأنظار، ليلة العشاء المذكور. ثاني حادث سيبعث الشك في نفسه وقع حين قال له أحد ركاب الدرجة الأولى، لحظة مرور الطائرة فوق جبل طارق، «ها المغرب ديالكم»، آنذاك أدرك ابن آدم أنه وقع في شبكة الاستخبارات الجزائرية. من مطار الهواري بومدين، نقل من أمام درج الطائرة بواسطة سيارة حكومية، قطعت السيارة مسافة 30 كيلومترا توجد بها فنادق كبرى يرتادها روسيون وبولونيون. صاحب الفندق يشتغل كذلك مع المخابرات الجزائرية، حيث منعه من مغادرة الفندق. وفي المساء حل بالفندق شخص أسود اللون اسمه ميمون يعرف الدارالبيضاء جيدا، حيث اشتغل «عطارا» متجولا في أحياء البيضاء، وكان برفقته الجنرال العربي بلخير، السفير الجزائري الحالي في المغرب. قال له ميمون إنه يعرفه جيدا، ويعرف أحياء درب السلطان عن ظهر قلب، رد عليه ابن آدم بأنه إذا كان يعرف كل هذه الأشياء، فإن عمله يتسم بالجاسوسية. ثار موظف الاستخبارات (ميمون) غاضبا وطلب من مرافقيه حمله إلى أحد الأماكن المعزولة. وهناك حمل له بعض موظفي المخابرات الجزائرية مجموعة أوراق وأقلام وطلبوا منه تدوين كل المعلومات التي يعرفها عن المراكز الحساسة في المغرب، من هيكلة الأمن الوطني والدرك الملكي ومديرية الاستخبارات الخارجية وجميع الثكنات العسكرية. رفض ابن آدم كتابة ذلك بمبرر أنه ليس عسكريا، بل هو مجرد شرطي يعمل في الخفر الملكي. سب الموظف الملك، ما أثار غضب ابن آدم وقام بتوجية ضربة برأسه إلى الموظف المذكور. ما زالت أثار أسنانه تظهر في جبينه وقام بسب رجالات الدولة الجزائرية آنذاك لينطلق مسلسل التعذيب، حيث تم وضعه وسط صهريج مملوء بالماء لمدة عشرة أيام بدون أكل أو شرب. وشريطة إطلاق سراحه، طلب منه موظفو الاستخبارات أن يقدم لهم كل المعلومات ويعترف بأن الصحراء ليست مغربية وأن يستنكر ما يقوم به الملك الحسن الثاني في المغرب، وإلا فسيتم تقديمه إلى المحاكمة بتهمة التجسس لصالح المغرب على المصالح الجزائرية. رفض ابن آدم الإدلاء بأي معلومات حساسة تتعلق بالأمن المغربي، ما عرضه لحصص من التعذيب أشرف عليها، حسب قوله، السفير الجزائري الحالي في المغرب العربي بلخير، حيث تم نزع أظافر رجليه وكلتا يديه، كما تم انتزاع أسنانه بواسطة الملقط. وسط معسكرات تيندوف ظل ابن آدم على هذا الحال لمدة سنتين. وبعد وفاة بومدين وصعود الشاذلي بن جديد إلى رئاسة الحكم في الجزائر تم إيداعه بالسجن المدني بمدينة «تيزي وزو» المعروفة بتضاريسها الوعرة وببردها القارس. حينها أصبح ابن آدم يبحث عن المنفذ الذي يستطيع منه الخروج من الفخ الذي نصبته الاستخبارات الجزائرية له، حيث أصبح متابعا بتهمة التجسس ومحاولة تخريب البلاد. وجد ابن آدم أن الحل هو مسايرة الاستخبارات الجزائرية في رغباتها من أجل العودة إلى المغرب، دون تهديد ترابه، حيث اعترف بأن الصحراء ليست مغربية. وطلبت منه المخابرات المشاركة في معسكرات بالقرب من تيندوف يوجد بها مغاربة، يتدربون على القيام بأعمال تخريبية وإرهابية فوق التراب المغربي. «قلت لموظفي الاستخبارات «مَا كَايْنْ حتى مشكل، هادْ القضية مزيانة»، يقول ابن آدم، مضيفا، «وجدت في هذه العملية الوسيلة الوحيدة للوصول إلى التراب المغربي». وجد ابن آدم في المعسكر أزيد من 40 مغربيا، تدرب خلالها على حمل السلاح وإطلاق «الروكيت»، علما أنه كان ضمن الخفر الملكي، وله تجربة كبيرة في هذا المجال، لكنه اضطر إلى مسايرة الاستخبارات الجزائرية في مخططاتها. قضى ابن آدم في المعسكر كذلك حوالي سنتين. وخلال سنة 1981، وأثناء انشغال المغرب بأحداث 81 بالدارالبيضاء، تم نقل الكومندو إلى الحدود الجزائرية المغربية، وكانت الفترة تعرف تنحية شاه إيران من الحكم، وكان طلب المخابرات الجزائرية هو خلق البلبلة وإنهاء حكم الحسن الثاني، وحتى لا يتراجع أعضاء «الكومندو» عن تنفيذ المشروع الانقلابي، هدد جنرالات الجزائر بقتلهم إذا حاولوا خداعهم. العودة إلى المغرب ضمن «كومندو» ومن خلال التراب الجزائري تسلل «الكومندو» إلى مدينة وجدة، وكان ضمن العناصر الحسين المانوزي، «كان في تونس قبل أن يتم وضعه معنا، ونظرا إلى وضعه الصحي، حملته على كتفي وعبرت به الحدود وعندما أخبرت عائلته كذبت روايتي»، يقول ابن آدم. بعد دخول «الكومندو» إلى مدينة وجدة، تركهم ابن آدم في «وادي الناشف»، حمل معه مسدسا من نوع «9 ملمتر»، وبحكم معرفته بتضاريس المنطقة قطع مسافة 14 كيلومترا متجها صوب منزل الدبي القدميري، عامل الإقليم آنذاك، كان كل همه هو الوصول إليه في أقرب وقت ممكن قبل حلول الصبح، موعد تنفيذ العملية. وصل ابن آدم إلى منزل العامل مع صلاة الفجر، حينها رفض الحراس إيقاظ عامل الإقليم، فطلب منهم ابن آدم أن يخبروا العامل بأن لديه «رسالة» من الرئيس الجزائري يريدها أن تصل إلى الحسن الثاني. حينها استيقظ العامل بسرعة ليخبره ابن آدم بالمخطط الذي يعتزم أفراد «الكومندو» تنفيذه فوق التراب المغربي. وحتى يتأكد أكثر، أخرج ابن آدم السلاح الذي كان يحمله وأخبره بمكان أفراد «الكومندو» وبنوعية السلاح الذي يحملونه ومبلغ 16 ألف دولار التي تسلموها من الاستخبارات الجزائرية لتأمين مصاريفهم داخل التراب المغربي. اتصل عامل الإقليم بإدريس البصري، وزير الداخلية انذاك. وبعد ساعة تقريبا، حل البصري بمدينة وجدة مرفوقا بأحمد الدليمي، المدير العام للأمن الوطني، الذي كان يسأل فقط عن الحسين المانوزي. بعدها انتقلنا إلى مكان وجود «الكومندو»، حيث تم القبض على بعض العناصر وحجز الأسلحة فيما لاذ آخرون بالفرار ورفضوا الاستسلام للمغرب، منهم شخص يدعى البقالي الذي فر إلى إسبانيا، في حين قتل أحد العاملين سابقا بالقصر الملكي بمراكش، كان ضمن “الكومندو”، أما المانوزي فقد تم نقله في الطائرة التي أقلت كلا من البصري والدليمي. نقل أفراد «الكومندو»، الذين سلموا أنفسهم، على متن شاحنة عسكرية. وبواسطة طائرة عسكرية تم نقلهم إلى مدينة الرباط ليحلوا ضيوفا على معتقل دار المقري، وهناك سيخضعون إلى حصص من التعذيب والضرب من طرف عناصر المخابرات المغربية التي كانت تعمل آنذاك تحت إشراف محمد العشعاشي. «لم أكن أعلم أن التبليغ عن عملية تخريبية ضد المغرب سيعرضني لذلك النوع من التعذيب»، يقول ابن آدم. قضى ابن آدم حوالي 7 أشهر من الاستنطاق والتعذيب إلى أن تيقنت عناصر العشعاشي من أننا لم نقم إلا بواجبنا في التبليغ عن أعمال تخريبية. ظلم ذوي القربى بدار المقري في سنة 1982، أفرج عن المجموعة. وقبل إخبار عائلاتهم تم نقل المجموعة إلى الطابق الرابع من فندق «هيلتون» بالرباط. وهناك، تسلم عناصر المجموعة ملابس جديدة و300 ألف فرنك مغربية (آنذاك). وخوفا من تعرضه للتصفية الجسدية، سواء من طرف أجهزة الاستخبارات الجزائرية أو المغربية، التزم الصمت طيلة الفترة التي سبقت الإعلان عن هيئة الإنصاف والمصالحة التي عملت على تسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. حمل ابن آدم ملفه إلى الهيئة المذكورة، الذي أصبح يحمل في ما بعد رقم 15160، كما بعث بملفه إلى الديوان الملكي على أمل أن يتم تعويضه عن حصص التعذيب التي تعرض لها داخل دار المقري، حيث فقد أزيد من 30 كلغ من وزنه.. ومنذ ذلك التاريخ وهو ينتظر تعويضات الهيئة، ويحكي ابن آدم أنه عندما ذهب إلى أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ليسأل عن مآل الملف الذي تقدم به أمام الهيئة، قال له: «سير عند الجزائر تعوضك»، وكان مبرر الهيئة الذي تلقاه ابن آدم حول رفضها النظر في الملف الذي تقدم به هو أنه دُفِع خارج الآجال المحددة لوضع الملفات. وفي انتظار أن ينظر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى ملفه، بعث ابن آدم برسالة إلى عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الجزائري مطالبا بتعويضه عن السنوات الأربع التي قضاها محتجزا فوق التراب الجزائري، منها سنتان ضمن المعتقلات الجزائرية، متهما السفير الجزائري الحالي في المغرب بالإشراف على تعذيبه.