إذا كانت المجتمعات تفتخر عالميا باحتلالها للمراتب الأولى في أحد المجالات، فإن المغرب يخجل من تواجده في الصفوف الأمامية للدول التي يُسجل بها أكبر عدد من حوادث السير المميتة. ولعل الإحصائيات الرسمية المخيفة في هذا الباب توحي بأن الأمر يتعلق بحرب ممنهجة على الطرقات ضد المواطن المغربي. إن أبحاث اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير وكذا الدراسات المنجزة من لدن هيئات ومنظمات أخرى في هذا الموضوع تخلص جميعها إلى جملة من الأسباب، على رأسها عدم احترام قانون السير والحالة الميكانيكية للعربات والوضعية المتردية لبعض الطرقات. غير أنه يحق لنا، إضافة سبب آخر لوقوع عدد كبير من هذه الحوادث بالمجال الحضري، ألا وهو الاحتلال المؤقت للملك العمومي الجماعي، وخاصة من طرف المقاهي على جنبات الشوارع والأزقة، سواء المرخص لها بهذا الاستغلال أو المترامية على هذا الملك العمومي جزئيا أو كليا والمخصص في الأصل لمرور الراجلين، الأمر الذي يدفع بهؤلاء إلى مزاحمة السيارات والدراجات النارية وسط الطرق المخصصة لها، وبالتالي سقوط عدد من الجرحى والقتلى كان بالإمكان تفادي سقوطهم كضحايا للطريق بسلوك حضاري بسيط، عبر السير على مسار مخصص للراجيلن ابتلعته كراسي المقاهي أو سلع المتاجر أو عربات البائعين المتجولين. إن الترخيص لاحتلال الملك العمومي الجماعي بغية تحسين مداخيل الجماعة وتنويعها قرار يجب ألا يكون على حساب أرواح المواطنين، خاصة إذا علمنا أن أغلب مستغلي هذا الملك العمومي لا يحترمون المساحات المرخصة لهم باستغلالها، في غياب مراقبة صارمة وتساهل من طرف الجهات المعنية. وبذلك تزهق الأرواح، من جهة، وتضيق الجماعة في حقوقها الكاملة، من جهة أخرى، لفائدة فئة من المنتفعين من هذه الوضعية.