ظلت صورة المغربي أو المسلم في الذاكرة الإسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492، وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات حسب الظروف السياسية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية. في الحلقات التالية نعرض لأهم الصور التي ظهر فيها المغربي في المتخيل الإسباني من عام 1492، تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس، إلى عام 2002، تاريخ اندلاع أزمة جزيرة ليلى. إلى نهاية القرن التاسع عشر كانت العلاقات بين المغرب وإسبانيا مقتصرة على تبادل السفراء والقناصلة والأواصر التي جمعت بين سكان سبتة ومليلية وسكان مناطق جبالة والريف الذين كانوا يتاجرون في المدينتين، وكذا وجود بعض التجار الإسبان الذين استقروا في تطوان وطنجة والعرائش وبعض المدن المغربية الأخرى، ووجود نظرائهم المغاربة في الموانئ الإسبانية. وفي أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن التاسع عشر بدأت العلاقات بين المغاربة والإسبان تتعزز من خلال توسيع الحدود الترابية لسبتة ومليلية وتنامي المبادلات التجارية بين البلدين بالرغم من أحداث العنف والمواجهات التي كانت تحصل بين الحين والآخر، الأمر الذي وطد حضور المغاربة في المدينتين المحتلتين. ويجب أن يضاف إلى هذه العوامل عامل آخر هو تزايد عدد المغاربة الذين التحقوا بالجيش الخليفي في المنطقة الخاضعة لإسبانيا وأولئك الذين يطلق عليهم المجندون الأصليون، وكذا تزايد عدد الإسبان المقيمين بالمغرب في تلك الفترة، إذ وصل عددهم عام 1891 في مدينة طنجة إلى حوالي ستة آلاف من بين 28 ألف نسمة، ويضاف إلى ذلك كله تزايد عدد رجال الأعمال والمهنيين والمغامرين والسياسيين والصحافيين الإسبان الذين استقروا بالمغرب، هذا علاوة على ارتفاع عدد الحاصلين على الحماية القنصلية الإسبانية أو على حماية الشركات الإسبانية العاملة في المغرب. نتيجة لهذه العوامل مجتمعة حصل نوع من التعرف الجيد على المغرب، وخاصة في المنطقة الشمالية، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بالرغم من أن ذلك بقي مقصورا فقط على المناطق الساحلية. وقد مكن ذلك من الاقتراب أكثر من واقع المغرب ونقل صور تعكس حقيقته تقريبا، حتى وإن كان ذلك قد بقي خاضعا لرواسب الماضي والإيديولوجيا الاستعمارية. وحصل هذا في الوقت الذي كان فيه المغرب يتعرض لضغوط شديدة من قبل الدول الأوربية، وإسبانيا بوجه خاص، من أجل إخضاعه لهيمنتها، حيث كانت المعرفة أداة بيد هذه البلدان لتحقيق تلك السيطرة والوصول إلى أهدافها الاستعمارية، ولذا لا يجب التعبير عن الاستغراب أمام الصور السلبية التي كانت تنقل عن الواقع المغربي، والتي تخضع لكثير من التحريف والتحايل كطريقة لتبرير وشرعنة المطامع الأوربية، للقول بأن هدف أوروبا هو إدراج ذلك المجتمع في سلم الحضارة وانتشاله من وهدة التخلف والجمود. الجديد في هذه المرحلة، في بداية القرن العشرين، هو أن المعرفة الجيدة التي تحققت عن المجتمع المغربي أصبحت حكرا على الإسبان، سواء كانوا من العسكريين أو الديبلوماسيين أو الفنانين أو الصحافيين أو المستعربين أو العلماء. فالإقامة الطويلة للجنود الإسبان فوق التراب المغربي مكنت المغاربة من الاحتكاك بهم أكثر، وخصوصا بالطبقات الفقيرة من الإسبان الذين رحلوا إلى المغرب للاستقرار فيه، وحافظوا على النظرة الدونية تجاه المغاربة. وقد مكن هذا المسلسل من إنتاج نوع من الصور التمثيلية حول المغرب، أضيفت إلى الإنتاجات الاستشراقية التي بقيت منتشرة عبر الكليشيهات المتعددة. وتنوعت هذه الصور التمثيلية، التي نشأت نتيجة احتكاك الإسبان بالمغاربة، بين البطاقات البريدية والأغاني الشعبية والرسومات الكاريكاتورية في الصحافة الإسبانية الساخرة، كان هدفها التمكين من السيطرة على المغرب الإسباني. وهكذا بدأت تختفي تدريجيا الصور الاستشراقية التي كانت مطبوعة بالاستيهامات عن الشرق، لتحل محلها نظرة أكثر تحقيرا وتتفيها، قريبة من الواقع لكنها خاضعة لكثير من الأفكار الإيديولوجية المسبقة. وفي الوقت الذي بدأت إسبانيا تتغلغل في الشمال المغربي وتحقق نوعا من الاستقرار فيه أخذت تنتشر الحكايات الخرافية والأسطورية عن الثروات المعدنية المغربية غير المستخرجة وغير المستغلة، تلك الثروات التي كانت وراء اندفاع الأوروبيين نحو المغرب لاحتلاله. ولعب التصوير الفوتوغرافي، سواء ذلك الذي كان يقوم به العسكريون أو الصحافيون أو المستكشفون الإسبان دورا كبيرا في نقل هذه الصور، وكانت الفكرة التي تم الدفاع عنها هي أن المجتمعات الفقيرة ليست هي تلك التي لا تملك ثروات باطنية، بل تلك التي لا تعرف كيف تستخرجها، كطريقة للقول بأن إسبانيا موجودة في المغرب لمساعدة المغاربة على استثمار تلك الثروات وإخراجهم من الفقر والتخلف.