نقابات الصحة: تعميم "المجموعات الصحية الترابية" قفزة في المجهول    أطر التعاون الوطني في ال"CDT" يحتجون على تأخر النظام الأساسي    وزارة العدل تعلن دخول القانون الجديد للمسطرة الجنائية حيز التنفيذ    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    عام 2025 مرشح ليكون بين أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق    المندوبية السامية للتخطيط: دخل الفرد بالمغرب يقارب 29 ألف درهم    السكوري يؤكد فقدان 15 ألف مقاولة خلال ال8 أشهر الأولى من 2025    "مراسلون بلا حدود": إسرائيل أسوأ عدو للصحفيين وأكثر دولة قتلا لهم    مقتل 67 صحافياً خلال سنة واحدة    أكبر تسريب بيانات في كوريا الجنوبية يهز عملاق التجارة الإلكترونية    "فيفا" يعتمد استراحات لشرب المياه أثناء مباريات مونديال 2026    بث تلفزيوني وإعلانات.. عائدات المغرب تقدر ب22.5 مليون دولار من "كان 2025"    12 سنة سجنا لمدير بنك في تطوان    السكوري يؤكد أن قطاع التكوين المهني يواجه صعوبات خاصة    دراسة تكشف فوائد الذهاب للنوم في التوقيت نفسه كل ليلة    كيوسك الثلاثاء | عودة "أوبر" إلى المغرب تعيد إحياء النقاش حول اقتصاد المنصات الرقمية    4 قطاعات تستحوذ على 66% من أحجام الاستثمارات الأجنبية في الأدوات المالية    طنجة.. استنفار سكان إقامة بعد انبعاث دخان من مطعم في الطابق الأرضي    الكاف تعلن عن شعار "أسد ASSAD "... تميمة لكأس أمم إفريقيا المغرب    مندوبية التخطيط : ارتفاع الادخار الوطني ب11.6% خلال 2024    المغرب يحسم صدارة المجموعة الثانية ويتأهل إلى ربع نهائي كأس العرب    الوحدة السعودي يهزم الرجاء بثنائية    جلالة الملك يوافق على اعتماد 9 دجنبر يوما وطنيا للوساطة المرفقية    المشروع الاتحادي : إعادة الثقة إلى السياسة وربط المواطنة بالمشاركة الفاعلة    زلزال قوي وموجتا تسونامي باليابان    أخنوش لصحيفة إسبانية: 4 سنوات من الأوراش المتواصلة لترسيخ الدولة الاجتماعية وتحصين المسار الاقتصادي    أخنوش: الموقف بشأن الصحراء حازم    طنجة .. النيابة العامة تعيد التحقيق في فيديو قديم يهدد ناصر الزفزافي    الإدارة تتغوّل... والبلاد تُدار خارج الأحزاب وخارج السياسة    الدورة الرابعة لمهرجان مكناس للمسرح : مكناس خشبة لمسارح العالم    سطات.. انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى الوطني للفنون التشكيلية «نوافذ»    أخبار الساحة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    لقجع يختار وهبي مدربا للأولمبي    "الكاف" ولجنة التنظيم المحلية يكشفان عن "أسد" التميمة الرسمية لكأس أمم إفريقيا (المغرب 2025)    مسن يُنهي حياة شقيقه بسبب قطعة أرض بضواحي تطوان        مجلس المنافسة يداهم مقرات خمس شركات للأعلاف والمرصد المغربي لحماية المستهلك يثمّن الخطوة    مطالب بالتحقيق العاجل حول أجهزة "FreeStyle Libre 3" بعد تقارير دولية عن عيوب مصنعية    الاتحاد الأوروبي يصادق على إجراءات تهدف إلى تشديد سياسة الهجرة    سليلة تارجيست سهام حبان تنال الدكتوراه في القانون بميزة "مشرف جدا" مع توصية بالنشر        مخالفة "أغنية فيروز" بتازة تشعل الجدل... مرصد المستهلك يندد والمكتب المغربي لحقوق المؤلف يوضح    منظمة التعاون الإسلامي تراهن على "الوعي الثقافي" لتحقيق التنمية البشرية    أسطول جديد لكسر حصار غزة يبدأ الإبحار في أبريل 2026    الفائض التجاري للصين تجاوز تريليون دولار في العام 2025    المغرب لن يكون كما نحب    مغربيان ضمن المتوجين في النسخة العاشرة من مسابقة (أقرأ)    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        إعلان الحرب ضد التفاهة لتصحيح صورتنا الاجتماعية    فيلم "سماء بلا أرض" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناهج الإصلاح الإسلامي المعاصر

إن هناك ما يشبه الاتفاق في عموم الدائرة الإسلامية على ضرورة الإصلاح
1 - منذ أكثر من قرن، بدأ الحديث في الدوائر الإسلامية عن مدى قابلية الإسلام للتطور والإصلاح، على غرار ما تعرضت له الديانات الأخرى مثل المسيحية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر من عمليات إصلاح نقلتها من الماضي إلى الحاضر ومن السماء إلى الأرض، عنصرا متفاعلا مع الحداثة، بل أساسا من أسسها يتبادل معها التأثر والتأثير من دون التزام صارم بالمؤسسات الدينية ومناهجها التفسيرية ومواريثها التقليدية، وهو ما أتاح لبعض المفكرين الزعم بأن الإصلاح الديني البروتستانتي هو الذي أسس للرأسمالية، بما أعطاه من أهمية لقيم الربح والنجاح الدنيوي، وهو ما كان مرفوضا منكرا في التفسيرات الدينية التقليدية.
2 - وباستثناء التيار المحافظ المتمسك بمواريث الفقه والأنظمة المتوارثة والخائف من كل تجديد، فإن هناك ما يشبه الاتفاق المتزايد في عموم الدائرة الإسلامية على ضرورة الإصلاح أو التطور أو التجديد، تأسيسا على الاشتراك في رفض واقع التخلف الذي تردى فيه المسلمون منذ قرون وأسلمهم إلى الضعف وغلبة الأمم عليهم وسبقها لهم في مجالات العلوم ونظم الحياة، مما يفرض إعادة التفكير في الإسلام باعتباره الشرط الضروري لكل تجديد وتطور في حياة المسلمين، بسبب ما يتمتع به الإسلام من مكانة محورية في تكوين العقليات والسلوكيات الفردية والجماعية لدى المسلمين. وفي هذا الصدد، يكثر في أدبيات المصلحين، منذ قرنين على الأقل، الاستئناس بالحديث الشهير الذي بشر فيه صاحب الدعوة عليه السلام بأن «الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»، ورغم أن التأويل المتوارث لهذا الحديث اتجه إلى التركيز على شخصيات علمية كبيرة، تعددت قوائمها بحسب اختلاف المذاهب، وخص كل قرن بواحد منها، فإن مفكرين معاصرين ذهبوا إلى تجاوز التفسير الفردي لهذا الحديث واعتبروه غير ملزم، فقد يكون المصلح فردا وقد يكون جماعة أو مدرسة.
3 - غيرأن المنادين إلى الإصلاح والتجديد لئن اتفقوا على ضرورة الإصلاح وما يقتضيه من عودة إلى منابع الدين، وفتح باب الاجتهاد الذي توقف أو كاد منذ القرن الخامس الهجري تقريبا تاركا مكانه للتقليد المذهبي، فقد اختلفت مناهجهم، ويمكن بشيء من التبسيط أن نبرز ثلاثة اتجاهات في الإصلاح.
أ- مدرسة الإصلاح من فوق:
كانت حاضرة الخلافة العثمانية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وكذا القاهرة وتونس أهم مراكزها، حيث برز وعي لدى نخبة الحكم مدعوم بنخبة من العلماء والإداريين باتساع الهوة بين قوة المسلمين والقوة الغربية الناهضة في مستوى التطور العلمي وأدوات الحرب ونمو الثروة، مما رأوا فيه خطرا داهما على المسلمين، يقتضي تداركه باعتماد منهج «الاقتباس» من الغربيين، علومهم وطرائقهم في النظم الإدارية والتعليمية وفي الصناعة والتسلح وتقنين الشريعة واستحداث المجالس النيابية للحد من الحكم المطلق، مما ليس فيه ما يصادم الشريعة، بل هو في خدمتها تأسيسا على قواعدها في رعاية المصالح، ومقصد العدل وتشجيع العمران. ورغم أن جانبا من هذه الإصلاحات كان لا يخلو من الإملاء والضغط الأجنبيين، كما كان يتم في ما يشبه القطيعة مع الناس، فإن أن القوى الغربية لم تقصر في عرقلتها وإفشالها خشية أن تنجح تلك الإصلاحات في إخراج المسلمين من تخلفهم وضعفهم، فيتأبون عن خطة الاحتلال المعدة لهم. وفي الحالات التي لم ينجح فيها التدخل غير المباشر في إفشال تلك المشاريع الإصلاحية، كانت الأساطيل الأجنبية بالمرصاد لتدمير تلك المشاريع كما حصل في مصر في عهد محمد علي في أربعينيات القرن التاسع عشر، حيث اجتمعت الأساطيل الغربية لتدمير المشروع النهضوي المصري، وهو ما تكرر في عهد عبد الناصر وفي العراق وفي إيران مصدق، استغلالا لما في تلك التجارب من ثغرات أهمها افتقادها السند الشعبي الديني.
ب‌- المدرسة السلفية الجهادية:
لعلها أقدم وأعرق مدرسة في الإصلاح بسبب عمقها الديني وبعدها عن التأثر المباشر بالضغط والتأثير الأجنبيين، وجمعها بين الإصلاح الديني والإصلاح السياسي. وفي الربع الأول من القرن الثامن عشر، كانت هناك حلقة للحديث في المسجد النبوي يشرف عليها العلامة محمد حياة السرهندي، حيث كان يتلقى عنه علوم الحديث وتراث ابن تيمية، خاصة عدد من الفتية برز منهم مصلحان عظيمان، مثّلا أهم جذر للمدرسة الإصلاحية السلفية وللحركة الإسلامية المعاصرة، هما الشيخ محمد ابن عبد الوهاب والعلامة ولي الله شاه الدهلوي. حمل كل منهما فكرة الإصلاح وترجمها بحسب مقتضى محيطه. ورغم اختلافهما كاختلاف من بعدهما في ترجمة الفكرة، فالمتفق عليه أن منطلق الإصلاح هو إعادة الاعتبار إلى النص كتابا وسنة وتجربة التطبيق الأولى للدين، مصدرا أعلى للحق والتشريع في كل مجالات الاعتقاد والسلوك ونظم المجتمع. وكانت الفكرة، على بساطتها، أساسا للثورة على ضروب شتى من المحافظة والتقليد، وفتحا واسعا لأبواب الاجتهاد والتجديد، ولاسيما في مستوى الحرب على الخرافة والأوهام والمواريث الشركية والتقاليد الفقهية والبدع. كما كانت محركا قويا جدا لفكرة الجهاد، سواء أكان ذلك ضد التجزئة في الداخل كما فعل الوهابيون متحالفين مع العصبية القبلية أم كان ضد النفوذ الأجنبي كما حصل في السودان بقيادة المهدي، وفي غرب إفريقيا مع ابن فيديو أو في الهند بقيادة أحمد الشهيد ضد الإنجليز في الحالات الثلاث. وكانت حركات التحرير في القرن العشرين التي أمكنها طرد الجيوش الأجنبية على امتداد دار الإسلام -عدا رقع صغيرة لا تزال تحت مطاردة المجاهدين- أثرا للإصلاحية السلفية التي كان من أعلامها في القرن التاسع عشر الأفغاني وعبده ورشيد رضا، وهو التيار الذي تطور بعد سقوط الخلافة- وفي محاولات متكررة لاستعادتها- في حركات منظمة امتدت في أرجاء العالم الإسلامي وحيثما وجد مسلمون، متخذة الفكرة السلفية الإصلاحية التوحيدية الشمولية التجديدية رائدها، تترجمها في صيغ مختلفة بحسب ما تقتضيه الأوضاع، ضمن مشروع إصلاحي توحيدي يشمل العقائد والتصورات ومؤسسات المجتمع المدني وعالم الثقافة والأحزاب السياسية للتأثير في سياسات الحكومات بالمشاركة أو بالضغط.. إلخ. وتعد حركة الإخوان في بلاد العرب والجماعة الإسلامية في شبه الجزيرة الهندية نموذج هذا المشروع الإصلاحي الذي يخوض اليوم معارك كبرى ضد خطة الهيمنة الغربية وامتداداتها وعملائها. وربما يعد من أكبر نجاحاته، بعد إعادة الحيوية إلى الإسلام، قوة تغيير وتأثير في مستوى الفرد والجماعة، قدرته على طرد الاحتلال الأجنبي وعمق واتساع تأثيره في الأمة، ولاسيما في مجال الشباب والعمل الخيري والتربوي وتهميشه للفكرة العلمانية، واستيعابه للحداثة في إطار الإسلام بما هي تقدم علمي ونشاط دنيوي، أي أنها أنجزت، إلى حد كبير، في إطار الفكرة الإسلامية ما أنجز غربيا في إطار العلمانية. أما أهم إخفاقات هذه المدرسة ربما يكون ضعف إنجازاتها في مستوى الفكر السياسي، مما أبقى على قدر كبير من الضبابية في تصورها للدولة الحديثة، الدولة القومية وعلاقتها بدولة الأمة؟ ومجال الوحدة ومجال الاختلاف؟ ومناهج إدارة الاختلاف؟ وموقع الأقليات غير المسلمة؟ أو العلمانية في الدولة الإسلامية؟ وموقع المرأة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.