قسمت سياسة بناء «النافورات» بمختلف شوارع فاس وأحيائها النخبة الفاسية إلى شطرين، بينما تستقطب، في مساءات المدينة في فصل الصيف، عشرات العائلات في غياب متنفسات خضراء بمدينة تعاني من اكتساح البنايات الإسمنتية لجل أحيائها. وتدافع أغلبية المجلس الجماعي بالمدينة عن هذه السياسة التي يقولون إنها مكنت من تزيين شوارع وأحياء المدينة، وجعل هذه الفضاءات متنفسا للفئات الاجتماعية المعوزة في الأحياء الشعبية. أما المعارضون لهذه السياسة، فإنهم يعتبرون أن المدينة لا تحتاج، في الوقت الراهن، إلى تشييد النافورات، في ظل واقع اجتماعي يطغى عليه ارتفاع نسب البطالة وتدهور القدرة الشرائية للمواطن. وتتوفر فاس، لحد الآن، على ما يقرب من 10 نافورات في أهم شوارعها، ولا يزال عدد آخر منها في طور البناء بالأحياء الشعبية وبالمدينة العتيقة. واستغلت هذه النافورات، بالخصوص، لإشعال الحرب الكلامية التي تندلع في كل مرة بين حزب العدالة والتنمية المعارض محليا وحزب الاستقلال «الحاكم». ويقول معارضو تشييد النافورات، إن هذه السياسة تكلف ميزانية الجماعة أموالا طائلة، كان من المفترض أن تصرف في الاهتمام بالبنية التحتية لعدد من الأحياء الشعبية. ويعمد المعارضون إلى استغلال سياسة تفريخ هذه النافورات لاتهام المسيرين للشأن المحلي ب«سوء التدبير». هذا في الوقت الذي يدافع فيه أنصار «الخسات» في المجلس الجماعي لفاس عن ضرورة تعميمها على كل مناطق وشوارع فاس، وذلك لتمكين الطبقات الشعبية من الاستمتاع بلحظات التجوال في شوارع فاس، وتمكين هذه الشوارع من حلة بهية تبهر زوار المدينة. وللمدينة تاريخ قديم مع هذه النافورات. فأقدمها، وهي توجد بمركز المدينة، يعود بناؤها إلى ستينيات القرن الماضي. ولأنها تعرضت للإهمال والإتلاف، فقد عمد المجلس الجماعي، أياما قليلة فقط قبل ابتداء الحملة الانتخابية لاقتراع 12 يونيو، إلى إعادة الحياة لها في حلة جديدة بمياه بألوان زاهية ترقص على إيقاع أنواع متنوعة من الموسيقى. واستأثرت هذه النافورة «المعدلة» باهتمام كبير من لدن أعداد كبيرة من مرتادي شارع الحسن الثاني، أكبر شوارع المدينة، إلى درجة وجد معها رجال الأمن صعوبات كبيرة لتأمين سلاسة المرور في مفترق الطرق بالقرب منها، وذلك أمام «إنزالات» متواصلة لعشرات المواطنين، المرفوقين بعائلاتهم، والذين يرغبون في أخذ صور تذكارية بالقرب من هذه النافورة «المعلمة» التي يخرج منها ماء ملون يرقص على إيقاع أنواع شتى من الموسيقى التي تصدح بها ميكروفونات معلقة في أعمدة خاصة بالقرب منها.