شدد الباحث الاقتصادي نور الدين العوفي على أنه لا نجاح لأي من مقتضيات المنافسة في المغرب دون مراعاة خصوصية المجتمع المغربي، والذي تتداخل فيه عدة عوالم ومتناقضات، مع اعتماد سيرورة تدريجية لتطبيق تلك المقتضيات وعدم فرضها دفعة واحدة. وأضاف العوفي في يوم دراسي، عقده مجلس المنافسة حول موضوع «المنافسة والمقاولات الكبرى» أواسط الأسبوع الماضي، أن المجتمع تعتمل داخل نسيجه الاقتصادي ثنائية العصري والتقليدي والمنافسة الشريفة وغير الشريفة، مشيرا إلى أن بعض الأشخاص يقاومون فكرة مؤسسات تحرص على ضمان احترام التقيد بمقتضيات المنافسة داخل النسيج الاقتصادي، بل وهناك سلوكات تتحدى القوانين والقواعد الموضوعة. وإلى جانب الخصوصيات، نبه العوفي إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار، عند إعمال آليات المنافسة وضبط آلياتها، تحقيق توازنات منها الجمع بين حضور كاف للمنافسة وتوزيع منصف للموارد والثروات، وبين الفعالية الاقتصادية والتوازنات الاجتماعية... ومن أجل القيام بدورها بشكل كامل وفعال، يرى الباحث أن على سلطة المنافسة أن تتوفر على شبكة من المؤشرات التي تستوعب مختلف أبعاد ومستويات الاقتصاد الوطني، والهدف منها هو تحديد أشكال المنافسة والأسواق البارزة ومفهوم الشطط في وضعيات الهيمنة... ودعا المتحدث نفسه مجلس المنافسة إلى القيام بدراسات قطاعية ترسم صورة عن بنيات الفاعلين الاقتصاديين فيها وسلوكاتهم وأداء الشركات وسياسة الأثمنة المطبقة وإستراتيجية البحث والتنمية... من جانب آخر تحدث ميكائيل بارون، رئيس مشروع التوأمة المؤسساتية بين المغرب والاتحاد الأوربي في ميدان تقوية سلطات المنافسة بالمغرب، عن ضرورة عدم التمييز في تطبيق مقتضيات المنافسة أو منح الدعم العمومي بين المقاولات سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ورفض المسؤول الألماني تسمية كبريات المقاولات ب «النجوم المغاربة»، وقال إن معاملة هذه الشركات الكبيرة معاملة تفضيلية معناه سياسة تمييزية ضحيتها الشركات الأخرى. وقال «من البديهي أن نطاق تدخل الحكومة يكون واسعا جدا في مجال مراقبة قواعد السوق والمنافسة بين المتدخلين الاقتصاديين في دول كالمغرب تغيب فيها سلطة تراقب بحزم المنافسة»، مضيفا أنه يقع أحيانا نوع من التضارب بين سياسة للمنافسة وسياسات أخرى كالسياسة الصناعية، وفي العديد من الحالات يتم تغليب السياسة الصناعية على السياسة الأولى، ولكن لا بد من إبداع وتطبيق ميكانيزمات للوصول إلى حلول ملائمة لتسوية هذا التضارب وشدد بارون على ضرورة أن يتضمن إصلاح قانون المنافسة تعديلات جوهرية حول سلطة المنافسة، بحيث تكون سلطة مستقلة ومسلحة بجميع الصلاحيات الضرورية لعملها وعلى رأسها السلطة التقريرية، خصوصا في معالجة قضايا التكتلات والتحالفات التي تبرمها الشركات الكبرى أو المعاملة التفضيلية التي قد تحظى بها هذه الشركات من لدن السلطات. وأضاف أنه في حال قدمت الحكومة حججا مقنعة بضرورة مثل هذه المعاملة التفضيلية، فلا بد أن يكون ذلك في إطار أجواء مفتوحة وشفافة، وفي كل التجارب يشكل مثل هذا الاستثناء في تطبيق القواعد المحددة للمنافسة حالات قليلة. وأشار المسؤول الألماني إلى أن مثل هذا الإصلاح للإطار المنظم لسلطة المنافسة يبقى قرارا سياديا للمغرب، ولكنه ضروري لإحداث التقارب المؤسساتي مع الاتحاد الأوربي في إطار اتفاقية الوضع المتقدم بين المغرب والاتحاد.