رسم تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2009 صورة قاتمة لمجال حقوق الإنسان بالعالم، لصدوره هذه السنة بالموازاة مع ما خلفته الأزمة الاقتصادية العالمية، وما واكبها من تراجعات في مجال حقوق الإنسان في مختلف أنحاء المعمور نتيجة تدخلات عدد من الدول ضد الاحتجاجات السلمية التي يقوم بها النشطاء الحقوقيون. ووصف ممثلون عن «أمنستي»، خلال ندوة صحافية أقيمت بالرباط صباح أمس الثلاثاء لتقديم التقرير السنوي للمنظمة، الوضع الحالي بالقنبلة الاجتماعية والسياسية الموقوتة، والقابلة للانفجار في أي وقت وفي أي مكان من العالم، داعين إلى ضرورة اهتمام أغنياء العالم، وخاصة منهم مجموعة العشرين إلى الاستثمار في مجال حقوق الإنسان بنفس القدر الذي يستثمرون فيه الأموال الطائلة في النمو الاقتصادي. وأورد هؤلاء، خلال الندوة، التي أعلن فيها كذلك عن إطلاق حملة «الكرامة الإنسانية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، عن مجموعة من الأرقام التي وصفوها ب«المخيفة»، والتي طبعت مجال حقوق الإنسان في السنة الماضية، كما أشارت إلى ذلك ممثلة «أمنستي» سارة فورنيي، بحيث إن هناك 81 دولة تفرض فيها قيود على حرية التعبير، وأن 78 في المائة من حالات الإعدام وقعت في دول مجموعة العشرين، وهو ما يعني أن 2390 شخصا فقدوا حياتهم، ومثلت عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء 35 في المائة منها 47 في المائة في دول مجموعة العشرين، بينما وصل عدد من وقع لهم اعتداء أثناء الاستنطاق 50 بالمائة منها 79 في المائة بدول العشرين، بينما عانى نحو 32 في المائة من محاكمات جائرة منهم 47 في المائة بدول العشرين، بالإضافة إلى عدد آخر زج بهم في السجن من دون محاكمة والذي بلغ 57 بالمائة بمجموع الدول منها 74 في المائة بدول العشرين. في سياق ذلك أشار ممثل منظمة العفو الدولية بالمغرب، محمد السكتاوي، إلى أن ملايير من البشر يعانون اليوم من انعدام الأمن والعدالة والكرامة، وأن عنوان الأزمة الراهنة ھهو شح الطعام وعدم توافر الوظائف والماء النظيف والأرض والسكن والحرمان والتمييز، وتنامي عدم المساواة وترهيب الأجانب والعنصرية والعنف والقمع في جميع أصقاع العالم. وفي ما يخص رصد التقرير لحقوق الإنسان بالمغرب، والذي يوثق لحالة حقوق الإنسان في 157 بلدا وإقليما، فإن المنظمة العالمية أكدت أن حرية التعبير والاجتماع وتكوين الجمعيات ظلت تخضع لقيود، حيث إن السلطات ظلت تفرض عقوبات على من ينتقد الحكم أو يتبنى آراء تتناقض مع الموقف الرسمي بخصوص القضايا الأخرى التي تُعتبر حساسة سياسياً، مضيفا أن السلطات استخدمت القوة المفرطة لتفريق مظاهرات مناهضة للحكومة، وهو نفس ما تعرض له أنصار حق تقرير المصير للصحراويين. إلا أن التقرير أشار إلى أنه لم يتم التحقيق في ادعاءات التعذيب، ولم تتوفر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، التي وقعت في الماضي، أية سبل فعالة لنيل العدالة. وأضاف التقرير أن السلطات واصلت اعتقال آلاف من المواطنين الأجانب واحتجازهم وترحيلهم بشكل جماعي، وصدرت أحكام بالإعدام في حق ما لا يقل عن أربعة أشخاص، ولكن الحكومة واصلت وقف تنفيذ أحكام الإعدام القائم بحكم الواقع الفعلي. وأشار المصدر نفسه إلى أن العام انتهى دون أن ينشر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والذي كُلف بمواصلة عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، قائمة بجميع قضايا الاختفاء القسري التي تقصتها هيئة الإنصاف والمصالحة وكان التقرير النهائي للهيئة، والذي صدر في يناير 2006، قد أوصى باتخاذ إجراءات تكفل عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وكل ذلك من خلال برنامج شامل للإصلاح القضائي والمؤسسي، أن هذه التوصية لم تُنفذ بعد، ولم يطرأ تقدم أيضاً نحو إتاحة سبل فعالة لنيل العدالة أمام الضحايا، أو محاسبة الأفراد الذين ارتكبوا الانتهاكات، وهي القضايا التي استبُعدت من صلاحيات هيئة الإنصاف والمصالحة. كما أشار تقرير «أمنستي» إلى العنف الممارس ضد النساء والفتيات، موضحة في هذا الإطار إلى أنه في يناير، بحثت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة التابعة للأمم المتحدة التقريرين الدوريين الثالث والرابع المقدمين من المغرب بخصوص تطبيق اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ورحبت اللجنة بالخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة لمعالجة التمييز ضد المرأة، ولكنها دعت إلى تجريم العنف ضد المرأة في نصوص القانون وإلى اتخاذ إجراءات قوية لمكافحته، وفي نونبر أعلنت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن أنه يجري إعداد قانون بهذا الشأن وفي خطوة أخرى كانت موضع ترحيب، أعلن الملك محمد السادس، في دجنبر، أن المغرب سوف يسحب التحفظات التي أبداها لدى التصديق على الاتفاقية. وأوصى متدخلو أمنستي بالمغرب إلى ضرورة تدعيم العمل الجمعوي لتأطير المواطنين والضغط على الحكومات من أجل تحسين وضعية حقوق الإنسان بشكل كلي، وجعلها في مصاف الاهتمامات بالتنمية الاقتصادية والاستثمار في هذا المجال.