بمناسبة افتتاح المركب الإداري والثقافي لمؤسسة محمد السادس مؤخرا، أقيم معرض تشكيلي لكل من المليحي وطلال، المعرض قدم له الطاهر بن جلون بورقة جاء فيها: «قبل همس الريح، بد أ المليحي منعطفا جديدا. استبق حركة العلامات مضمنا إياها في الصميم وفي زوبعة الرغبة. إنه سفر حلمي في الأصداء تخلفه رغبة المرأة كبصمات. الألوان منافذ لإرادة القبض على ما يصعب بلوغه أو إدراجه في ديمومة تجعل من العمل محاولة للنظر ومقاربة متواضعة. للمليحي روافد جديدة: منافذ غير منتظرة في المتخيل تخلصه من التقنية التقليدية لكي يتجرأ على الذهاب إلى أقطار أخرى، أكثر مرونة، أكثر حلمية وكذا إيروسية. المليحي يتجاسر على التيه، يبتعد عن الظل، يرسم الأمواج بشكل مغاير وبطريقة أكثر شعورية: إنها أكثر دقة وأيضا أكثر جنونية. يحدد بجهد الانجراف. يتوالي شق بتخطيطات متكاملة. هذا هو جسد المرأة المنتزع من الإستيهامات. إن عمل المليحي رمز هائل للديمومة والرغبة. منذ مدة، ويده ونظرته ممتلئتان بورع جميل: إنها ألوان الحياة المحملة من طرف الطيور الطوافة وذكريات الطفولة التي تسكنه بثبات وعلى نحو طبيعي. أتذكر لوحة صغيرة رسمها وهو حينها طفل. كانت معلقة بصالون منزل آبائه بأصيلة. تمثل منظرا بحريا، ذلك الذي يراه من نافذته. في العمق، البحر غير لطيف وهادئ، بل يعد بحركات مثيرة. مع هذه اللوحة، يؤرخ مسار عمل المليحي الذي رغم مروره من موضة الفنون التشكيلية الإيطالية في فترة الستينيات ،ارتبط من جديد بهذه الذكرى الطفولية. اليوم، وبانسجام، نتابع عودته نحو الأصول ونحو بعض مظاهر الجرأة التي تفتننا. في الوقت الذي يعري فيه المليحي على نحو ما الجسد الأنثوي، يلبسه طلال بغرابة ويمشهده وكأن الحياة كوميديا درامية. لا يرسم بورتريهات تشخيصية فحسب، إنه يرجها ويحملها وكأن هؤلاء النساء تخفين كل وجوههن خلف اللون وقبعات غريبة. يعرض طلال للرؤية قناع الوجه الهادئ، مضيفا للبور تريه استيهام السخرية والنظرة الإنسانية. بين هذين الفنانين مسافة ومع ذلك هناك مسلك يجمعهما. يستحوذ طلال على البورتريه وهو في الواقع شريك في حفلة راقصة. نتخيل القاعة ديكورا للمسرح. ليس الواقع أمرا أساسيا. هذه الوجوه مغطاة ومحتجبة بالموسيقى. يدعونا المليحي إلى زيارة عالم أحلامه.الأجساد أشكال تخطيطية باحتراس. يترك للنظر متعة التخيل. قاوم كل واحد منهما التأثيرات والموضات التي غزت الساحة المغربية. ظلا مخلصين لذواتهما ولم يغرقا في اللبس التجاري المترتب عن التقليد الأعمى ونوع من الشكلانية. عرف طلال رويدا رويدا التخلص من الظل الكبير والقوي لأمه الشعيبية. حافظ برصانة على موضوعته مع الانشغال بتلك التي غيرت تماما النظرة المفروضة على الفنانين بالمغرب والتي امتزجت بمجموعة كوبرا. يطرح هذا المعرض بشكل ما إشكالية النظرة حول الفن الحديث بالمغرب. رؤيتان للعالم تتقاربان غير أنهما يسيران في المنحى نفسه: فنانان مقاومان. هذه الصفة يجب أخذها بسلاسة. من وارثي التقليد الصباغي الغربي، تحملا هذا الاختيار وقاداه بقوة هادئة. بروز عدد من الفنانين التشكيليين بالمغرب أمر رائع. لكن كسائر هذا النوع من البروز، هناك من ينجزون عملا وهناك من يقومون بمهنة تتأسس على المظهر الأكثر مقتا في الفن: المال. إن ساحة الفنون التشكيلية المغربية بصدد ترسيخ مكانتها في التقاليد الثقافية الجديدة، وستفرض مع الزمن القيم الجيدة أمام القيم الأخرى، تلك التي تحدث ضجة فارغة. في هذا الاتجاه، أتى في وقته معرض هذين الفنانين من جيل واحد لكي يذكر الجمهور بأن العمل الفني هو السهل الممتنع الذي يتجذر به في الزمن. يذكر أن المركب الإداري والثقافي الذي يقام به المعرض، أصبح يضم إلى جانب الرواق مكتبة متعددة الوسائط، ومركزا لتنظيم الندوات، وستمكن هذه المكتبة الرقمية من مد جسور المعرفة بين رجال التعليم والمؤسسات الثقافية والفنية والهيئات العمومية والخاصة، الوطنية والدولية.