يحكى أنه خلال الحرب الباردة، التقى أمريكي بمواطن سوفياتي وأراد الأمريكي أن يستعرض عضلاته على السوفياتي فقال: نحن في أمريكا نعيش في حرية، يمكن أن نشتم رئيس الولاياتالمتحدة أمام البيت الأبيض طيلة اليوم ونعود في المساء سالمين إلى بيوتنا؛ فاشتد حنق السوفياتي الذي قال له إنه أيضا يمكن أن يقف في الساحة الحمراء بموسكو ويلعن أجداد رئيس الولاياتالمتحدة ويعود في المساء سالما. هذه النكتة، التي تعود إلى زمن إيديولوجية «الشوينغوم»، يمكن أن نطبقها أيضا اليوم على جارتنا الشمالية، فالإسبان وصلوا إلى حد مهم من الديمقراطية وحرية التعبير يجعلهم يلعنون شجرة عائلة رئيس الحكومة ثباتيرو ألف مرة يوميا أمام قصر المونكلوا ويعودون في المساء سالمين، (بعدما تكون كاميرات الاستخبارات قد سجلتهم طبعا)، لكن لا أحد في إسبانيا يجرؤ اليوم على لعن الكنيسة أو استنكار قوتها في الشارع، لأن الكنيسة، بكل بساطة، مازالت حاضرة في كل شيء وتقاوم من أجل أن تبقى لأن لها شبكة مصالح كبرى تحركها، فالإسبان يعلمون جيدا بأن الجيش عاد إلى ثكناته بعد انتصار الديمقراطية وتخطي عتبة انقلاب 23 فبراير 1981، بيد أن الرهبان لم يعودا إلى قرع أجراس الكنائس والإنصات لمشاكل أبناء المسيح المؤمنيين أيام الآحاد، فالقساوسة والرهبان مازالت لهم سلطة تفوق أحيانا سلطة عمداء المدن في إسبانيا، إنها الحقيقة التي يعرفها الجميع ويحاول أن يسكت عنها أيضا، لأنها من الطابوهات التي لم تتكسر بعد. قد تلتقي أشخاصا كثرا في إسبانيا يشتكون من سلطة الكنيسة، لكنهم يفعلون ذلك بحذر في قاعات المحكمة بشكل يجعلهم أشبه بالمواطن السوفياتي آنف الذكر. ومنذ مجيء ثباتيرو إلى قصر المونكلوا، كان المحامي الشاب يعلم بأن قوة الكنيسة تضاهيها قوة أخرى صاعدة يمثلها الشواذ في إسبانيا الذين تجدهم في مواقع حساسة ويتحكمون في دواليب الأمور، لذلك لم يكترث كثيرا للأمر عندما فتح بوابة جهنم بتشريع زواجهم بشكل جعل شواذ العالم يحسدون شواذ إسبانيا على نعمهم، وكان طبيعيا أن يكون الشواذ أول من يفرح ببقاء الاشتراكيين في المونكلوا في حي لاشويكة بمدريد الذي يعد حصنهم الآمن. واليوم، يخوض ثباتيرو معركته الثانية ضد خدام الرب بتقديمه مشروع قانون الإجهاض الذي يخول للإسبانية التي تبلغ 16 عاما أن تقوم بالإجهاض دون إذن والديها، وهو ما أخرج دبابير الكنيسة من أعشاشها للدفاع عن أبناء إسبانيا الذين يحاول الاشتراكيون أن يشرعنوا الانحراف في أوساطهم. ورغم مضي شهور طويلة على طرح مشروع القانون، فالنقاش بشأنه لم يتوقف، بل وصل الأمر بالحزب الشعبي وأحزاب أخرى، هذا الأسبوع، إلى تقديم طلب في البرلمان بإلغاء وزارة المساواة التي حضرته وإرسال الوزيرة الشابة بيبيانا إيدو إلى طوابير الوزراء السابقين: وزيرة الثقافة ووزير السكن.. فهي وزارات لا طائل منها بالنسبة إليهم. ولم يكن المهاجرون المغاربة بعيدين عن كل ما يدور ويجري، فسياسة ثباتيرو غير المحافظة والأزمة الاقتصادية ستجتمعان لتجعلا بعض المهاجرين المغاربة يعلنون، صراحة، أنهم يفضلون حكم الحزب الشعبي، فبعضهم يراها من زاوية أن الأفضل للمسلمين أن يعيشوا في ظل حكومة محافظة ترعى الأخلاق، وآخرون يرون أنه في أزمنة الحزب الشعبي يكثر العمل وتختفي كلمة أزمة من النشرات الإخبارية.