لم يكن إحراق الطيار الأردني حيا بداخل سياج حديدي مجرد عقوبة نفذها تنظيم داعش في حق جندي يفترض أنه أسير حرب، ولكنها شكلت مأساة إنسانية ترفضها كل الديانات السماوية وكل النواميس، لأنها تكشف عن صورة مأسواية للقتل تجاوزت حدود الإعدام شنقا، أو رميا بالرصاص، كأساليب عقاب عفا عنها الزمن وحاربتها كل المواثيق الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان. لقد نشر التنظيم الإرهابي شريط فيديو على الإنترنيت يظهر اشتعال النار في جسد رجل كان موجودا داخل قفص، مؤكدا أنه الطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذي تم احتجازه بعد سقوط طائرته من نوع اف 16 في سوريا في 24 دجنبر من سنة 2014. واحتجز الطيار الأردني حين كان بصدد القيام بغارة على مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية في إطار التحالف الدولي ضد التنطيم . وكان التنظيم قد طالب في الأيام الماضية بمبادلة الكساسبة بساجدة الريشاوي الجهادية المحكوم عليها بالإعدام، والتي كانت قد أقدمت على محاولة تفجير نفسها في أحد فنادق العاصمة الأردنيةعمان لكنها فشلت ليتم اعتقالها بعد ذلك. ولم ينفذ حكم الإعدام في الريشاوي بعد تعليق الأردن تنفيذ أحكام الإعدام. وكان الأردن قد أعلن استعداده مبادلة الريشاوي بالطيار المخطوف لكنه طالب بضمانات عن أن الطيار ما يزال على قيد الحياة. وفي الوقت الذي كان العالم يتابع تطورات هذا الملف المتعلق بمبادلة الطيار الكساسبة بالريشاوي، نزل فيديو الحرق كالصاعقة على كل الذين شاهدوه، خصوصا وأن هذا الأسلوب في العقاب لا يمت بصلة إلى تعاليم الدين الاسلامي، الذي يدعي تنظيم داعش الدفاع عنه، ولا إلى أي قانون وضعي أو سماوي. وهو ما يعني أننا دخلنا عهدا جديدا لا يحترم آدمية الإنسان. لم يحمل الإسلام، في عز حربه ضد خصوم الدين الجديد، أية عقوبات تنتهك آدمية البشر. بل إن أسرى الحرب، كانوا يعاملون معاملة خاصة عملا بتعاليم الإسلام وتوجيهات النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فقد كانت القاعدة العامة، التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزوة التي غنم فيها المسلمون عددا من الأسرى هي قوله: «استوصوا بهم خيرا». لكن المهم في الأمر أن هذه المعاملة الحسنة، التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأسرى، لم تكن مجرد قوانين نظرية ليس لها تطبيق في واقع الحياة، ولكنها تمثلت في مجموعة من المظاهر التي تنبئ عن قلوب ملأتها الرحمة، وعن مشاعر فاضت بالعطف والحنان. ومن ذلك، ما يتعلق بإطعام الأسرى، وكسوتهم، وتوفير المأوى لهم، وعدم التعرض لهم بالأذى. مع الرفق بهم، واللين معهم، واحترام مشاعرهم الإنسانية. فأين كل هذه الوصايا التي أمر بها رسول الله «ص» في التعامل مع الأسرى؟ المثير في حرق الطيار الأردني هو أن هذه العقوبة تجاوزت كل الحدود. بل إن العرب لم يجربوا هذا الأمر على عهد الجاهلية التي حاربها الإسلام. لذلك كان لا بد لهذا الأمر أن يثير حفيظة المسلمين وغير المسلمين، على الرغم من أن خصوم الإسلام على عهد الدولة الأموية اتهموا الدولة بحرق معارضيها السياسيين وهم أحياء. في حين اتهم العباسيون بالزيادة في مستوى الألم والعذاب من خلال شي معارضيهم على نار هادئة، حيث كان يربط الشخص على خشبة وتوقد تحتها نار ويدار جسده فوقها كما يدار جسد الخروف أو الغزال. غير أنها حكايات مشكوك في صحتها بالنظر للخلافات السياسية التي عاشتها دولة بني العباس، بعد أن دخل على الخط بعض المسيحيين المتشددين الذين راهنوا على تقديم صورة سيئة عن إسلام الدولة العباسية، التي كان خلفاؤها يواجهون خصومهم بالكثير من الشدة حفاظا على دولة الإسلام. اختلاف العلماء حول عقوبة شارب الخمر بين أربعين وثمانين جلدة كما اختلف فقهاء الإسلام في تحريم الخمر بنص صريح، خصوصا من القرآن، فقد اختلفوا أيضا في قضية الحد فيه، أي العقوبة التي يجب أن تنزل على شاربه. لقد نزل الحديث عن الخمر في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، أولها حينما اعتبر أن فيه منافع كثيرة، بل إن القرآن مدح مصادر الخمر. والثاني حينما دعا إلى ضرورة ابتعاد السكارى عن الصلاة. أما الثالث فقد جاء بصيغة التجنيب، الذي يقول الجمهور إنه درجة أقوى، وليس التحريم. قال تعالى في مدح مصادر الخمر في سورة النحل «ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا. إن في ذلك لآية لقوم يعقلون». وزاد، حينما أغرى المؤمنين بشراب خاص في الجنة في قوله تعالى في سورة الإنسان «إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا». وفي قوله تعالى في سورة الصافات «يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين». وحينما سئل النبي محمد «ص» عن الخمر، وهو في المدينةالمنورة، بالنظر إلى أن شرب الخمر امتد طيلة الطور المكي الذي دام ثلاث عشرة سنة حيث كان المسلمون يشربون الخمر كالمشركين. بل إن بعض المصادر تتحدث عن استمرار شربها لخمس أو ثمان سنوات بعد الهجرة.. حينما سئل، نزلت آية في سورة البقرة تتحدث عن منافعها في قوله تعالى: «يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس.. وإثمهما أكبر من نفعهما». وهو ما اعتبره الدارسون بيانا لنفع الخمر وضررها دون أن يتضمن أي حكم آخر. لم يتوقف المسلمون عن شرب الخمر، باعتبارها عادة من عادات العرب وأسلوب حياة. لكن حينما شرب بعض الصحابة وقاموا للصلاة أمهم أحدهم، وقيل إنه عمر بن الخطاب أو عبد الرحمان بن عوف، وقيل إنه علي بن أبي طالب، فقرأ آية من سورة الكافرون «قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون» بحذف «لا». وقتها نزلت الآية التي تقول في سورة النساء «يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون». بل إن المنادي للصلاة ظل يقول بعد الأذان «ألا لا يقربن الصلاة سكران». أما في المحطة الثالثة، فقد شرب رجال من الأوس والخزرج وتذكروا أيامهم الدامية قبل الإسلام فتناشدوا شعرا وكاد الأمر يصل إلى عراك بين الطرفين وهما على دين الإسلام. وقتها نزلت الآيتان في سورة المائدة اللتان دعيتا لاجتناب شرب الخمر، دون أن تحرماه في قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة. فهل أنتم منتهون». بدأ الخلاف بين فقهاء الإسلام حول صيغة «اجتنبوه». ففي الوقت الذي يرى البعض أن الاجتناب دعوة للتحريم، يرى البعض الآخر أن الاجتناب هو تحبيذ للامتناع عن شرب الخمر روعيت فيه الاعتبارات الشخصية للفرد كما يذهب لذلك الباحث هادي العلوي. أما التفسير المنطقي، بحسب الذين يرون أن التجنيب لا يعني التحريم، فهو أن المحرمات في القرآن تكون جازمة اذا اقترنت بإحدى الصيغتين. أولهما أن ينطق بلفظ التحريم صراحة، كما هو الأمر مع الدم ولحم الخنزير. وكما هو الأمر مع المحارم. وثانيهما هو المتعلق بتحديد العقوبة اللازمة على مرتكب هذا الفعل، كما هو الأمر مثلا مع الزاني والزانية، وغيرها. ولأنه لا توجد صيغة صريحة للتحريم، ولا عقوبة لشارب الخمر صريحة في القرآن، فإن ذلك يعني أن الإسلام ظل مترددا في قضية تحريم شرب الخمر، كما جاء في قاموس التراث. ويضيف أصحاب هذا الرأي رواية أخرى من سورة الأنعام، والتي تصنف من ضمن الآيات التي نزلت متأخرة، تحدد المحرمات من الأطعمة في قوله تعالى «قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير». وقد اورد ابن قتيبة الدينوري في كتابه «الأشربة وذكر اختلاف الناس فيها» أن الرافضين للقول بالتحريم أن «الخمر ليست محرمة وإنما نهى الله عن شربها تأديبا كما أمر في الكتاب بأشياء ونهى فيه عن أشياء أخرى على جهة التأديب وليس منها فرض، كقوله تعالى في العبيد والإماء «فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا»، وقوله في النساء «فاهجروهن في المضاجع واضربوهن». في ظل هذا النقاش الفقهي الكبير والأكثر إثارة حول التحريم والتحليل، كان لا بد أن تثار قضية الجزاء والعقاب فيما يعرف فقهيا ب»الحد» على شارب الخمر. ويلخص مذهب أبي حنيفة النعمان المعروف بالحنفية، الأمر حينما يعتبر الخمر حراما لكن شاربها لا يعاقب إلا اذا سكر. والسكر درجة لاحقة لدرجة النشوة التي تجلب السرور والانبساط للشارب، دون أن تذهب بعقله. وهذه الدرجة هي التي سماها العرب «ليلى» قبل أن يسموا بها بناتهم. وتجزم جل الدراسات أن القرآن لم يتضمن أي عقوبة لشارب الخمر، كما كتب سعيد عشماوي في كتابه «أصول الشريعة». كما أن مصادر الحديث والسيرة النبوية لم تقدم وقائع يستفاد منها تشريع عقوبة على شارب الخمر على عهد النبي «ص». وكل ما حدث هو أن بعض صحابة الرسول «ص» اجتهدوا في الأمر. ويروى في سنن ابن داوود «عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤقت في الخمر حدا. وقال ابن عباس «شرب رجل فسكر فلقي يميل في الفج. فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما حدى بدار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فضحك وقال أفعلها. ولم يأمر فيه بشيء». وقال علي بن ابي طالب «ما كنت أدي، أي أطلب الدية، من أقمت عليه حدا، إلا شارب الخمر. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنن فيه شيئا. إنما هو شيء قلناه نحن»، كما جاء في سنن ابي داوود. ويؤكد ابن حزم، إمام مذهب الظاهرية، على عدم إقامة النبي «ص» للحد في شارب الخمر. بل إنه يعتبر ذلك مخالفة للقرآن والسنة. وروي أن عمر بن الخطاب كان يحرس ليلة فسمع صوتا قادما من داخل دار فتسور، أي أنه قفز من سور الدار، ليجد رجلا برفقة امرأة وزق خمر. فقال عمر «يا عدو الله، أظننت أن الله يسترك على معصيتك. فرد الرجل لا تعجل يا أمير المؤمنين إن كنت قد أخطأت في واحدة، فقد أخطأت أنت في ثلاث. قال تعالى «ولا تجسسوا»، وقد تجسست. وقال» واتوا البيوت من أبوابها»، وقد تسورت. وقال « إذا دخلتم بيوتا فسلموا»، وما سلمت. فقال «هل عندك من خير إن عفوت عنك. قال نعم، والله لا أعود. فقال «اذهب فقد عفوت عنك». أما قيمة الحد، فقد اختلف الفقهاء حولها ثانية بين أربعين وثمانين جلدة. كم اختلفوا حول العقوبة، هل لمجرد شرب الخمر أم لدرجة السكر. ويروى أن رجلا ساير عمر بن الخطاب في سفر وكان صائما. فلما أفطر الصائم أهوى على قربة لعمر معلقة فيها نبيذ، فشرب منها حتى سكر. فضربه عمر. فقال الرجل إنما شربت من قربتك. فقال عمر «إنما جلدتك لسكرك لا على شربك»، كما جاء في كتاب الأشربة واختلاف الناس فيها. ورغم أن عليا بن أبي طالب يقول إن النبي لم يسن حدا في شرب الخمر، فإنه قال بثمانين جلدة لشارب الخمر، تماما كما هي عقوبة المفتري. غير أن هذا الحد لا يقع إلا على من اختار شرب الخمر، كما تذهب لذلك مذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية والزيدية، عملا بالآية «ومن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه». أما السكر بالنبيذ، فيرى أبو حنيفة أنها لا تلزم الحد لأنها مأخوذة من الأطعمة الحلال التي لم تكن معتادة للإسكار مثل نبيذ الحنطة، والشعير، والذرة، والعسل، والتين، وقصب السكر، لأن الأصل فيها هو الحلال. أما السكر فطارئ عليها. ولا عبرة بالطارئ إنما العبرة بالأصل. ولأن مذهب أبي حنيفة في الخمر غير بقية المذاهب، فقد ذهب إلى إجازة المتاجرة في النبيذ. بل إن أبا حنيفة كان يرى أن شرب النبيذ من السنة، كما جاء في كتاب «قطب السرور». كما أجاز التوضؤ بالنبيذ عند عدم وجود الماء، لأن النبيذ طاهر. كيف تعامل العرب مع العقوبات الإسلامية منها الحد والقصاص من جلد ورجم وقطع للأعضاء سن الإسلام, بالاعتماد سواء على القرآن أو السنة، جملة من العقوبات التي تتباين بتباين الجرم المرتكب. وقد قسم الدارسون هذه العقوبات إلى ثلاثة مستويات هي الحد والتعزير ثم القصاص. وينفذ الجلد في نوعين من أنواع العقوبات وهي الحد ثم التعزير. أما الحد فينفذ في ثلاثة أنواع يستخدم فيها الجلد وهي الزنى والقذف ثم شرب الخمر، وإن اختلف بعض الفقهاء في عقوبة شارب الخمر. ولا يطبق العقاب إلا بعد تحقق شروط محددة مثل شهادة أربعة شهود في الزنى . أما التعزير، فهو عقوبة تأديبية لكل مخالفة ليس فيها قصاص أو حد. ويستخدم الجلد في التعزير في بعض الحالات وحسب اجتهاد الحاكم . ففي عهد الدولتين الأموية والعباسية، طبقت العقوبات لقمع المعارضين والمخالفين للرأي كما حصل مع أبو حنيفة النعمان من قبل والي العراق الأموي حين رفض ابو حنيفة العمل معه. فأمر الوالي بجلده مائة جلدة . وكما حصل لمالك أبن أنس حين أفتى بعدم صحة بيعة الخليفة المنصور فتم جلده بسبب ذلك. أما في عهد الأمويين، فقد ظهر ابتكار جديد تم تطبيقه في بعض الحالات وهو سكب الماء البارد على الشخص الذي تعرض للجلد لمضاعفة الألم . ثاني العقوبات هي الرجم. وهي عقوبة تطبق ضد الزاني المتزوج ويدفن فيها جسده الى النصف، ثم يرشق بالحجارة حتى الموت . غير أن هذه العقوبة كانت محل خلاف بين المسلمين. فمنهم من لا يأخذ بها لوجود نص قرآني يحدد عقوبة الجلد للزنى مع عدم وجود نص قرآني يتحدث عن رجم الزاني . أما من يؤيدون هذه العقوبة، فإنهم يعتمدون على أحاديث وروايات تثبت تطبيقها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وشكلت عقوبة قطع الأعضاء، هي الأخرى، واحدة من العقوبات التي تم إعمالها. وتطبق عقوبة قطع اليد، حسب الشريعة الأسلامية، في حق السارق في حال توفر الشروط. ويقطع فيها كف اليد من المفصل. غير أن هناك اختلافا في تطبيق هذه العقوية. فهناك من يرى بعدم جواز قطع اليد في حال توبة السارق عن فعلته. وهناك من يرى بوجوب قطع اليد حتى لو تاب السارق. ويرى الشيعة أنه لا يجب قطع كف السارق بالكامل، إذ يقتصر القطع على أربعة أصابع في حال توفر شروط إقامة حد السرقة. لأن الكف من مواضع السجود فلا يقطع كاملا بل يقطع منه جزء وهو أربعة أصابع . أما ما يتعلق بعقوبة قطاع الطرق، فتمتد إلى قطع اليدى اليمنى مقابل القدم اليسرى، من خلاف، في حال توفر شروط تنفيذ هذه العقوبة. لكن في العصرين الأموي والعباسي كتب بعض الدارسين أن التهم كانت تلقى على المعارضين ليتم تقطيع أوصالهم ليس بسبب مخالفتهم للشريعة، بل بسبب معارضتهم للدولة. واشتمل قطع الأعضاء اليدين والرجلين واللسان والأنف والأذن والعضو التناسلي للرجل فضلا عن قلع الأسنان . وفي العصر العباسي تم تطوير قطع الأعضاء، إذ لم تكن تقطع اليد أو الرجل دفعة واحدة بل على مراحل لتعريض الشخص لألم البتر أكثر من مرة. وفي مراحل متطورة لم يكن يستخدم السيف الحاد، بل كانت تستخدم أداة حديدية أقل حدة من السيف. كانت عقوبة سلخ الجلد واحدة من الطرق التي اعتمدها بعض خلفاء بني العباس كما هو الأمر مع المعتضد بالله العباسي، الذي نفذها في حق أحد قادة الخوارج الذي تم أسره وسلخ جلده . واستخدم أيضا من قبل المعز الفاطمي حين ألقى القبض على الفقيه أبو بكر النابلسي. كان التعطيش، أيضا، واحدا من أساليب العقاب. إذ قيل إن جيش يزيد ابن معاوية، استعمله في مواجهة أتباع الحسين بن علي حين تمت محاصرة المعسكر في كربلاء، ومنع عنه الماء. ويعتبر هذا الفعل شذوذا عن الأعراف الأخلاقية لدى المحاربين، فمن المعيب في عرف المحاربين منع الماء عن الخصم أو ترويع الأطفال أو الإساءة للنساء أو طعن الخصم من الخلف أو الاجهاز على جريح، فهناك أعراف متبعة في القتال تعتبر خطوطا حمراء . واستخدم التعطيش، أيضا، من قبل الدولة البويهية بحق أشخاص هجموا على الحجاج وقتلوا بعضهم وفر من بقي منهم إلى الصحراء وماتوا عطشا. فقام الوزير البويهي فخر الملك بالقبض عليهم وربطهم قرب سيل ماء من باب إذاقتهم أشد درجات العذاب حيث إنهم يرون الماء ولا يستطيعون شربه وماتوا عطشا. هي بعض نماذج التعذيب التي كتب بعض الدارسين أنها استعملت في عهد الدولة الإسلامية، خصوصا حينما انتقل الحكم إلى دولتي بني أمية وبني العباس. لذلك كان لا بد أن تتطور الأساليب بالنظر لأن المخافات لم تكن تعني فقط تعاليم الدين الإسلامي، ولكنها امتدت إلى معارضة الحكم غير أن الحرق لم يكن من الأساليب المستعملة في تعذيب أو التخلص من الخصوم، على الرغم من أن البعض تحدث عن أن هذا الأسلوب استعمله بعض خلفاء الدولة العباسية في مواجهة خصومهم السياسيين. القصاص في القرآن الكريم تحدثت عنه سور البقرة والمائدة والنساء والفرقان والانعام والإسراء ظل الإعدام أو القتل من العقوبات المشينة التي حاربتها جل الحضارات، حيث وصلت اليوم إلى إلغائها بالنظر للبشاعة التي تخلفها. وفي عهد البدايات الأولى للإسلام، سار المسلمون على هدي حديث نبوي شريف يقول فيه الرسول»ص» «أعف الناس قتلة أهل الإيمان». أي أن المؤمن إذا اضطر إلى القتل، نفذه بأقل الوسائل إيلاما. وقد استنتج منه ابن تيمية أن القتل المشروع هو ضرب الرقبة بالسيف ونحوه لأن ذلك أوحى أنواع القتل. وهو يقصد بذلك أن هذه الطريقة هي أسرع بحيث لا يتعذب المحكوم به. وينبني على هذا أن الإعدام يجب أن ينفذ بالسيف مادام الوسيلة الأقل إيلاما. فإذا وجدت وسيلة أخرى حلت محله، وهو المستفاد من الحديث. لقد ظل نظام العقوبات الإسلامي يجمع بين الردع العام والردع الخاص. وأن عقوبة الإعدام مشروعة من عند الله تعالى، وأنها صالحة لكل زمان ومكان. أما القول بإلغاء عقوبة الإعدام، فهو يؤدي إلى فساد النظام الاجتماعي، وهو مخالف لصريح القرآن والسنة ومنقول الإجماع ومقتضى العقل السليم؛ لما يترتب على ذلك من فساد اجتماعي وتعطيل أحكام الشريعة الصريحة. لذلك تذهب جل الدول الإسلامية إلى أنه لايجوز لأي دولة أن تلغي تشريع الإعدام لأنها تحقق الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية. ثم إن عقوبة الإعدام موجودة في الشريعة الإسلامية في حال ثبوت جريمة القتل ضد شخص ما. كما أنها تحدث بشروط معينة و صارمة عند ثبوت حالات معينة من الزنى، والردة. وهذا حسب قول رسول الله، صل الله عليه وسلم : « لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة». زد على ذلك أن عقوبة الإعدام موجودة فى الشرع، ويؤكدها قوله تعالى «وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون» . أما ما يرتبط بالتعذيب بقطع اليدين والرجلين، فإن ابن تيمة أوله برفع المدان على مكان عال ليراه الناس ويشتهر أمره بينهم. أما رجم الزاني والزانية المحصنين. أي المتزوجين، فهو عادة ذات أصل سومري وكانت تفرض على المرأة المراهطة، وانتقلت إلى المسلمين عن طريق التوراة. ينص هذا الحكم على الرجم حتى الموت، وكانت عقوبة الزانية المحصنة حبسها في منزلها حتى الموت. وقد أثار حكم الرجم التباسات ناشئة عن بشاعته من جهة، وعدم النص عليه في القرآن من جهة أخرى. فأنكره فريق من المسلمين من بينهم الخوارج. وتساهل آخرون في تنفيذه. وقد جاء حكم القصاص في القرآن مبثوثا في عدة سور هي سورة البقرة، التي يقول فيها تعالى « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم». ثم يضيف في نفس سورة البقرة : «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون». وفي سورة المائدة قوله: «وكتبنا عليهم فيها إن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون». وفي سورة النساء قوله تعالى: «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما». ثم في نفس السورة «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما». وفي سورة المائدة : «من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون». ثم قوله «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم». وفي سورة الأنعام : «قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون». وفي سورة الإسراء قوله تعالى: «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا». وفي سورة الفرقان قوله تعالى: «والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما». التعذيب السياسي على عهد بني أمية وبني العباس يذهب جل الدارسين لتاريخ التعذيب السياسي عند المسلمين إلى عهد الخلفية معاوية بن أبي سفيان، الذي كان يملك قاعدة شعبية متينة في الشام ساعدته على أن يشتهر بالحلم المأثور عنه. لكن تشبثه بالسلطة، بعد تنازل الحسن بن علي، أثار في وجهه عدة إشكالات، حينما أقام سلطته الفردية المطلقة، في ظل معارضة أهل العراق، المتمسكين بالولاء لعلي بن أبي طالب وأولاده. لقد وظف معاوية عددا من أتباعه لتنفيذ سياسته في مواجهة الخصوم. وكان من بين هؤلاء زياد بن أبيه، الذي أظهر مواهب نادرة في صدر الإسلام، وصار قدوة لمن بعده من الولاة والحكام المسلمين. وهو مشرع عدة أمور سارت عليها السلطة الإسلامية فيما بعد، مثل منع التجول، والقتل الكيفي، أو ما كان يعرف بالقتل على التهمة، أو على الظن. وقتل البريء لإخافة المذنب. ويروى السمعاني في الأنساب، أن زياد أمر بقطع اللسان كأسلوب جديد ومبتكر لفن التعذيب. ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: «تشبه زياد بعمر فأفرط، وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس». وأوجه الشبه، هو شدة عمر بن الخطاب، التي استوحاها زياد في حكم العراق. ومن المعروف مع ذلك أن شدة عمر لم تقترن بحالات قتل كيفي، أو تعذيب، وإنما كانت نوعا من الحزم والضبط جعلته مهيباً في عيون الناس. لكن شدة عمر هذه، تحولت عند زياد إلى أبعد من ذلك حيث استوحاه الحجاج ومضى فيه إلى مداه الأبعد. والحجاج نسخة متطرفة من زياد. وعلى يده أصبح الخوف حالة يومية شاملة يعيشها الناس على اختلاف فئاتهم ولمختلف الأسباب من سياسية وعادية. وقد أنشأ سجن الديماس المشهور. ويقال إنه كان بلا سقوف. وقدر عدد من كان فيه، بعشرة آلاف من الرجال والنساء. وكان التعذيب يطبق على الأسرى والمعتقلين تبعاً لحالاتهم. لكن الشكل السائد لعقوبة الحجاج، كان هو القتل الكيفي بوسيلته الشائعة وهو قطع الرأس بالسيف. وأضاف الحجاج الصلب بعد القتل للأشخاص الذين لهم وزن في حركة المعارضة. وكان من ضحايا هذا الإجراء ميثم الثمار، من أصحاب علي بن أبي طالب المقربين. استمرت سياسة التعذيب بعد استراحة قصيرة في خلافة عمر بن عبد العزيز، لتأخذ مدى جديدا على يد هشام بن عبد الملك في الشام وولاته في الأقاليم. وطبق هشام بنفسه طريقة القتل بقطع الأيدي والأرجل في بعض الحالات المشددة ومنها إعدام غيلان بن مسلم الدمشقي بتهمة القول بالقدر. وبنفس التهمة أعدم خالد القسري، عامله على العراق، والجعد بن درهم. وقد نفذ الإعدام ذبحا. وطبق حاكم خراسان، طريقة قطع الأيدي والأرجل والصلب على أتباع الحارث بن سريج الثائر على الأمويين في المشرق. أما على عهد دولة بني العباس، فقد عانى الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور من معارضة شديدة من نفس الجماعات التي عارضت الأمويين كالشيعة، والإمامية والزيدية، والخوارج والمعتزلة، ومن فرق ظهرت فيما بعد ضمت الشيعة الإسماعيلية ولواحقها وفروعها المختلفة، والخرمية والزنج، فضلا عن المنافسين للخلفاء والخارجين عليهم طمعا في السلطان. حيث اتبع لقمعها نفس الأساليب ولكن بعد تطويرها. ويحكي أبو الفرج الإصفهاني في «مقاتل الطالبين» كيف أن المنصور قتل بعض العلويين بدفنهم أحياء. وتطور القتل بالتقطيع إلى زيادة في عدد الأوصال المقطعة، فبعد أن كانت الأيدي والأرجل تقطع دفعة واحدة، صارت تقطع إلى عدة أوصال ويضم إليها أجزاء أخرى من الجسم. وقد أبلغها الرشيد إلى أربع عشرة قطعة، مع تطوير في الوسيلة تضمنت استعمال مدية غير حادة بدلاً من السيف. وبلغ القتل تحت التعذيب أشنع حالاته بعد الحقبة العباسية الأولى. المثير هو أن التعذيب السياسي ظل مقتصرا على الصراع الداخلي دون العلاقات الخارجية إلا في النادر. وكان هناك تمييز ملحوظ في المعاملة بين أسرى الحرب من الكفار، وأسرى الحرب من المسلمين. وكان الأسير الكافر يستقر أو يفادى أو يقتل بالوسائل الاعتيادية تبعا لأحكام الشريعة في أسرى الحرب. ولم تجر العادة على قتله تحت التعذيب. حينما نسترجع ما كان يعيشه أهل الجاهلية، نكتشف أن التعذيب لم يكن مألوفا وقتها، بالنظر لقيم البداوة المناهضة للتنكيل. وقد ظهرت منه بوادر في المدن التجارية وجهت تحديدا ضد العبيد. ففي بداية الدعوة الإسلامية بمكة وجد تجار قريش حاجة لإرهاب عبيدهم ومواليهم الذين أسلموا فعذبوهم ليرجعوا عن الإسلام. وكانت وسيلتهم في ذلك هي التشميس الذي يعتمد على شمس الجزيرة الحارقة، فكانوا يكبلون الضحية ويلقونه في الشمس بعد إلباسه أدرع الحديد أو وضع جندلة على ظهره أو صدره ويترك على هذا الحال ساعات غير محددة قد تستمر مادامت شمس النهار في عنفوانها، وظهر التشميس أيضا في صدر الإسلام لتعذيب الممتنعين عن دفع الخراج. ويتفاوت مفعول هذه الوسيلة تبعاً لشدة حرارة الشمس، فهي في العراق والجزيرة أوجع للضحية، وفي بلاد الشام أقل إيلاما. إن التشميس هو أقدم وسائل التعذيب وهو وسيلة مشتركة بين الجاهلية والإسلام، قبل اللجوء إلى أساليب أخرى كحمل الرؤوس المقطوعة، والتي بدأها الأمويون في زمان معاوية، إذ يقال إن أول رأس حمل في الإسلام، هو رأس عمرو بن الحمق، أحد أتباع علي بن أبي طالب، وقد قتله زياد بن أبيه. ومن الحوادث المشهورة في هذا الباب حمل رأس الحسين وأصحابه بعد معركة كربلاء، وقد ثبتت الرؤوس على الرماح وسير بها من كربلاء إلى الكوفة حيث قدمت لحاكمها عبيد الله بن زياد، ثم استأنفوا السير بها إلى دمشق لتقديمها إلى الخليفة الأموي. ولم تتكرر هذه الطريقة على عهد العباسيين، إلا أنها انتشرت في الأندلس أيام ملوك الطوائف. ومن المبرزين فيها المعتمد بن عباد صاحب أشبيلية الذي أقام في قصره حديقة لزرع الرؤوس المقطوعة.