شيوخ وعجائز أولئك الذين استضافوا «المساء» جاهرين بالعنف والجور الذي طالهم في أراضيهم السقوية، البالغة مساحتها 1400 هكتار والمغروسة ب182 ألف شجرة زيتون، إنتاجها السنوي يقدر ب10.920.000.00 درهم، ولديهم حكم نهائي صدر في الحادي عشر من يونيو 2013 مؤيد بقرار استئنافي، والقاضي بتسليمهم 1400 هكتار وبحقهم في تحفيظها. بعيون مشرقة وابتسامات تخفي خلفها الألم الكبير، جراء مشوار طويل من المعاناة، استقبل أبناء وحفدة قدماء عساكر آيت سغروشن المنضوون تحت جمعية بالاسم ذاته «المساء» التي حملوها تظلمهم ودعواتهم لأجل إنصافهم وتمكينهم من أرضهم، كونهم الأحق بها من غيرهم من الغرباء بحكم قضائي، حاولوا مرارا تنفيذه بالدخول إليها، غير أنهم ضرب شيوخهم واعتقل بعض من أبنائهم وجرحت نساؤهم. نظموا وقفات، بعثوا بمراسلات، نددوا في بيانات وطالبوا بحقهم المشروع في تمكينهم من أراضيهم وتحفيظها أكثر من مرة، وجدوا في «المساء» ضالتهم، حيث حملوها رسالتهم التظلمية مذيلة بملفات وأوراق ثبوتية وأحكام قضائية لعلها تجد طريقها إلى أذن مسؤول يرأف بحالهم وحال عجزتهم وأبنائهم وأراملهم اللواتي يشتغلن عمالات في أراضيهن. «ماما حدو السكوري» سيدة في الثمانينات من عمرها، بدأت حديثها ل»المساء» بتنهيدة عميقة، «أبلغ من العمر ثمانين سنة ولازلت أشتغل في أراضي الزيتون التي هي أرضي ومنحها المغفور له محمد الخامس لقدماء عساكر آيت سغروشن جزاء على نضالهم واستماتتهم في وجه المستعمر الفرنسي». وتضيف «ماما حدو» «زوجي عسكري، وهو من قدماء عساكر آيت سغروشن، أصيب بإعاقة، ولدي أبناء عاطلون عن العمل، أما أنا فأشتغل في أرضي لحساب الغير في أشجار الزيتون». وتقول: «أنا خادم في بلادي، أعمل بمبالغ زهيدة جدا، ولا بديل لي من أجل تحصيل لقمة عيشي وزوجي الذي يعاني من إعاقة وأبنائي العاطلين عن العمل..»، مستنكرة بغضب «هذه الأرض التي هي عبارة عن مشروع فلاحي سقوي، بها أشجار الزيتون، منحت لقدماء العساكر اعترافا بمجهود اتهم، فلم يحرموننا منها؟؟؟». ويضم «أوقسو محمد» (74 سنة)، وهو من الورثة وذوي الحقوق، صوته لصوت «ماما حدو» ويرفع نداءه من خلال «المساء» ويقول: «نلتمس من السلطات المعنية بقضيتنا، تمكيننا من حقنا في إتمام عملية التحفيظ المجمدة منذ 15 سنة وتسليم عقد التخلي عن 1400 هكتار لفائدة جمعية قدماء آيت سغروشن تنفيذا لظهير 26 يناير 1953 وقرار محكمة النقض بتاريخ 11/6/2013». والمطلب ذاته أكده «سعيد أغرابي» وزاد في تصريحه ل»المساء» «أردنا فقط عقد التخلي وتحفيظ أراضينا ونحن نتولى مهمة إيجاد حل مع السكان بالسكن دون استغلال الأرض، لأنهم لا يملكونها»، وأضاف أن والده كان ضمن الجيش الفرنسي وعاش القهر وتكبد المحن مع المستعمر، مما جعله يفر إلى جبال الريف لأجل المقاومة وتركنا نحن 7 أبناء، عاطلين عن العمل في انتظار أن يظهر حقنا وحق والدنا فيما منحه لنا المغفور له محمد الخامس من الأرض التي تغنينا عن الاشتغال عند غيرنا». وقال عسو بن حمد آيت علي المرس: « كان والدي مجاهدا، ونحن أبناؤه نعاني اليوم، حيث مكننا القضاء من حقنا بناء على أدلة وظهير شريف، لكن هناك من يتاجر بأرضنا التي تضم 8000 شجرة زيتون، إلى جانب وجود شق من ذات الأرض فارغا، لكن لم يتركوننا نستغله، بحجة تجنب الفوضى والمواجهة بيننا وباقي السكان». وأردف أوعبد النبي حمو «لا نتهم أحدا ولا نريد شيئا غير حقنا في الأرض وتحفيظها.. الحق حقنا ولكن حين نطالبهم بالتحفيظ نتلقى الصد والتعنيف وحتى الاعتقالات..». وبالنسبة لل200 أسرة التي توجد على أرضنا، نحن -يوضح الحسن أوعبد النبي (رئيس جمعية قدماء عساكر آيت سغروشن)- لا نية لنا في طردهم، ونضمن لهم حق البقاء فيها والسكن لا غير، شريطة تمكيننا من تحفيظ أرضنا وعدم استغلالهم لخيراتها التي هي حق لنا بالأدلة والأحكام القضائية». وفي السياق ذاته، أكد احمد التفاحي (فاعل جمعوي) ل»المساء» أن قدماء عساكر آيت سغروشن عانوا الكثير من أجل أرضهم، والذين هم الأحق بها من غيرهم، ولا زالوا ينتظرون تنفيذ حكم قضائي يمكنهم، ليس اعتباطا، من ملكيتهم للأرض، وإنما بناء على أدلة وظهير شريف، هذا الأخير الذي لا يمكن أن يلغيه إلا ظهير شريف مماثل ولا يسري عليه التقادم». للصبر حدود بعد صدور حكم نهائي عن محكمة النقض بتاريخ 11 يونيو 2013 تحت عدد 2 3 /12 المؤيد للحكم الابتدائي تحت عدد 42/2007 مرورا بقرار محكمة الاستئناف تحت عدد 10/2011، وهو الحكم الذي يقضي بتسليم الأراضي المتنازع عليها إلى أصحابها، أي قدماء عساكر آيت سغروشن، قرر هؤلاء تصعيد النضال بعد انتظار دام 16 سنة على هذا الحكم القضائي، وبعد استنفاذهم لكافة الخطوات القانونية والإدارية لحل القضية حلا عادلا. وقرر قدماء عساكر آيت سغروشن بتاريخ 05/05/2014، تنظيم وقفة احتجاجية بالرباط، حيث احتشد العشرات، نساء ورجالا، رافعين شعارات يطالبون من خلالها بتسليم الأراضي إلى أصحابها. وبعد عودتهم من الرباط، حيث تظاهروا بدون تحقيق أي تقدم يذكر، اتخذت جمعية قدماء عساكر آيت سغروشن، في خطوة تصعيدية، قرار خوض اعتصام مفتوح في الأراضي التي سلبت منهم، بعدما استنفدوا، كما جاء في بيان صادر عنهم جميع الطرق القانونية، وبعد نهج الإجراءات وخوض كل أشكال النضال السلمي والحضاري، وفي ظل تعنت السلطات المختصة في التكفل الجدي بتنفيذ منطوق الأحكام، وأمام استهتارها بمقتضيات الظهير الشريف والأحكام القضائية، قرروا تنظيم مسيرة سلمية تحت شعار : «الفاتحون» بتاريخ 23/08/2014 للاستقرار بالأرض المتنازع عليها واستغلال خيراتها بوصفها ملكا لهم، كما ينص على ذلك الظهير الشريف والحكم القضائي النهائي الصادر بشأنها، مطالبين بتنفيذه، والرامي إلى إفراغ أراض فلاحية مخولة لقدماء عساكر آيت سغروشن بظهير ملكي. مواجهات عنيفة بعد تنفيذ جمعية قدماء عساكر آيت سغروشن للاعتصام في أرضهم التي منحت لهم بحكم قضائي، وقع اصطدام بين الأسر التي تستقر في الأرض وقدماء عساكر آيت سغروشن، مما تسبب في سقوط ضحايا، نقلوا إثر ذلك إلى مستشفى سكورة، والحالات الحرجة منهم إلى المستشفى الجامعي بفاس، كما اعتقل بسبب ذلك 9 أفراد ليتم الإفراج عنهم فيما بعد. وأضاف أعضاء من المنتمين إلى جمعية قدماء عساكر آيت سغروشن في تصريحاتهم ل«المساء» أن عناصر القوات العمومية تدخلت بشكل عنيف لتفكيك اعتصام قدماء عساكر آيت سغروشن وأبنائهم وحفدة وأرامل المتوفين منهم، مما أسفر عن سقوط ضحايا في صفوف المعتصمين، ويتعلق الأمر بكل من: عبد النبي لحسن، عبد النبي حمو، محمد بوجبر، علي أقسو وعلي أشهبون. للحكاية تاريخ تقديرا وتكريما لقدماء عساكر آيت سغروشن على مجهودهم ونضالهم ضد الاستعمار الفرنسي من أجل نيل الحرية والاستقلال، أصدر المغفور له محمد الخامس ظهيرا يتم بموجبه فصل قطعة أرضية مساحتها 1400 هكتار عن حكم النظام الغابوي، قصد تسليمها لإدارة الأملاك المخزنية من أجل تقسيمها على قدماء عساكر آيت سغروشن، حيث جاء في الفصل الأول من الظهير الصادر سنة 1953 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 2015 بتاريخ 26 يناير 1956 ما يلي : «يعلن أنه من المصلحة العمومية فصل اثنتي عشرة قطعة أرضية مجموع مساحتها نحو ألف وأربعمائة هكتار (1400 هكتار) عن حكم النظام الغابوي قصد تسليمها إلى إدارة الأملاك الخاصة بالدولة الشريفة من أجل إنشاء تجزئة معدة لتنصيب قدماء عساكر آيت سغروشن، وتلك القطع هي من غابة وادي كيكو المخزنية من ناحية فاس ومحدودة بخط أحمر في التصميم الملحق بأصل ظهيرنا الشريف هذا». كما جاء في الفصل الثاني ما يلي: «يؤذن لإدارة الأملاك الخاصة بالدولة الشريفة في أن تتخلى لجماعة قدماء آيت سغروشن عن القطع الأرضية الاثنتي عشرة المشار إليها في الفصل السابق ذكره بثمن قدره عشرة فرنكات للهكتار، أي بثمن إجمالي قدره أربعة عشر ألف فرنك والسلام». ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف أصحاب الحق عن المطالبة بحقهم عبر عدة كتابات وشكايات ومراسلات موجهة إلى كل الأشخاص والجهات التي يفترض أن لها صلة بالموضوع، إلى أن استنفد هذا المنطق قدرته على إثارة القضية وحلها حلا نهائيا. بعد ذلك لجأت جمعية قدماء عساكر آيت سغروشن، باعتبارها أول شخص معنوي يتولى تدبير الملف، إلى عرض القضية على العدالة، حيث أمضت الجمعية أزيد من عشر سنوات من النضال داخل أروقة المحاكم ليتوج مجهودها بصدور حكم نهائي عن محكمة النقض بتاريخ 11 يونيو 2013 تحت عدد 2/312 المؤيد للحكم الابتدائي تحت عدد 42/2007 مرورا بقرار محكمة الاستئناف تحت عدد 10/2011، وهو الحكم الذي يقضي بتسليم الأراضي المتنازع عليها إلى أصحابها، أي قدماء عساكر آيت سغروشن. نضال متواصل هم إذن أبناء وحفدة قدماء عساكر آيت سغروشن، آباؤهم وأجدادهم من المقاومين الذين ناضلوا ووقفوا في وجه المستعمر الفرنسي وتكبدوا المحن، حيث اشتغلوا في أراضيهم عبيدا للمستعمر، جوعى وعراة، ولم يستسلموا. منهم من أصيب بعاهات جراء الأحداث التي وقعت خلال فترة الكفاح الوطني، ومنهم من توفي وترك خلفه أبناء، أرامل وحفدة واصلوا النضال وعاشوا المعاناة، لكن في عهد الاستقلال، بسبب أرضهم التي يحاربون من أجلها سنوات، بالرغم من أن القضاء أنصفهم، لكنهم مازالوا يعنفون وينكل بهم، ويتجرعون المرارة من أجل تمكينهم من حقهم في ترابهم، اعتقلوا، ضربوا، اعتصموا وتقاضوا في المحاكم ومازال مشوارهم ونضالهم من أجل الأرض مستمرا، إيمانا منهم بأن حقهم في الأرض لن يضيع ماداموا به مطالبين.. الحسن أوعبد النبي :لا سبيل لنا لتنفيذ الحكم الذي يمكننا من أرضنا قال الحسن أوعبد النبي (رئيس جمعية قدماء عساكر آيت سغروشن) في تصريح ل»المساء»: «الحق بين أيدينا، لكن حرمنا منه بالرغم من أننا نتوفر على حكم قضائي يمكننا، حيث تعرض قدماء عساكر آيت سغروشن وأبناؤهم وأراملهم إلى الاعتداء، حينما قمنا باعتصام بأرضنا يوم 24 غشت 2014، مطالبة منا بتنفيذ الحكم القضائي لمحكمة النقض والصادر في11 يونيو 2013، والرامي إلى إفراغ أراض فلاحية مخولة لنا نحن قدماء عساكر آيت سغروشن بظهير ملكي، حيث ترتب على الحادث هجوم أفراد قبيلة آيت سعيد على المعتصمين بالحجارة، تسبب في سقوط ضحايا، نقلوا على إثره إلى مستشفى سكورة والحالات الحرجة منهم إلى المستشفى الجامعي بفاس، وكذا كان تدخل عنيف لعناصر القوات العمومية في صفوف المعتصمين، مما أسفر عن ضحايا في صفوفهم، واعتقل على إثر ذلك 9 من أفراد قبيلتنا ليتم الإفراج عنهم فيما بعد». وواصل الحسن أوعبد النبي حديثه: «نظمنا مسيرات عديدة ووقفات لكن لم نجد طريقا يمكننا من أراضينا التي منحت للمجاهدين آبائنا وأجدادنا من طرف المغفور له محمد الخامس وبمقتضى ظهير 1953 بالجريدة الرسمية». ويختم رئيس جمعية قدماء عساكر آيت سغروشن «الحق بين أيدينا في أحقيتنا لفي مشروع فلاحي موهوب تقدر مساحته ب 1400 هكتار سقوية مغروسة ب182000 شجرة زيتون وإنتاجها السنوي محدد في 10.920.000.00 درهم، غير أنه لا سبيل لنا لتنفيذ الحكم القضائي الذي هو لصالحنا ويمكننا قانونا من أرضنا بعد انتظارنا له لما يزيد عن 16 سنة، ومازلنا ننتظر ونناضل لأجل تنفيذه...».