«حسن ومرقص» الذي يعرض حاليا بالقاعات السينمائية كوميديا خفيفة حول المشكلة الطائفية وليس عنها، لأنه لم يلمس جذورها السياسية والاجتماعية ودور الدولة في ذلك، دراما فجة وخالية من الإبداع رغم البذخ الواضح في الإنتاج. يعرض في القاعات السينمائية حاليا فيلم «حسن ومرقص» للنجمين عادل إمام وعمر شريف، من إخراج إمام رامي وتأليف يوسف معاطي. يعالج الفيلم مسالة الطائفية في مصر، وهو مأخوذ عن فيلم عرض في الأربعينيات يحمل نفس العنوان مضافا إليه كوهين، في إشارة إلى الطائفة اليهودية، وكان من إخراج فؤاد الجزائري، والذي تناول القضية من وجهة نظر اجتماعية وليس دينية، كما هو الحال في «حسن ومرقص»، حيث يعرض حكاية رجلي دين الأول مسيحي، جسد الدور عادل إمام، واسمه بولس يعيش مع زوجته وابنه الجامعي ويحمل رؤية موضوعية عن الديانات، وهو ما لم يرض المتعصبين المسيحيين، فحاولوا اغتياله بتفجير سيارته، وهو في طريقه نحو منزله صحبة ابنه، كان قبلها قد انتهى من حضور مؤتمر لرجال الدين من كلا الطائفتين تناول مسألة الوحدة الوطنية، وفي مشاهد هذا الجزء سيرصد المخرج، من خلال حوارات رجال الدين الفردية من كل طائفة بعض مظاهر الخلاف، ففي مقابل حوار بين رجلي دين مسيحيين يتحدثان عن عدم حصولهما على حق بناء الكنائس أو ترميمها وعدم حصول أبنائهما على وظائف عليا في الدولة، يدور حوار آخر بين رجلي دين مسلمين حول غنى المسيحيين، حيث لا تجد شحاذا مسيحيا حسب إحدى الشخصيتين. الشخصية الرئيسية الثانية، عمر شريف الذي جسد دور مسلم يزاول مهنة عطار، سيرفض تولي إمارة جماعة إرهابية كان شقيقه أميرا لها وقتل في مواجهة مع رجال الأمن، وحين رفض هذا العرض قامت هذه الجماعة بتفجير محل العطارة الذي كان يشكل مصدر رزقه. الوضع الجديد الذي أصبح يتهدد الشخصيتين الرئيسيتين «حسن ومرقص» جعل الدولة تتدخل عبر جهازها الأمني لحمايتهما، وذلك بدعوتهما إلى تغيير مسكنيهما ودينيهما، بالتنكر في صفة مغايرة مناقضة لهويتهما الدينية الأصلية، فأصبح عادل إمام مسلما وأصبح عمر الشريف المسلم المتدين مسيحيا. الفيلم يتتبع حياة الأسرتين بشكل متواز، خاصة الشخصيتين الرئيسيتين، وذلك باعتماد التقابل بينهما، باستثناء رحلة عادل إلى المنيا التي يقابلها غياب كامل لعمر الشريف لمدة عشرين دقيقة تقريبا، ليعود المخرج من جديد إلى تبني نفس الأسلوب بدون خيط رابط، فقد وجد عادل إمام نفسه بهذه القرية يعامل كشيخ إسلامي فرض عليه أن يقدم فتاوى في أمور الدين مع أنه مسيحي لا يفقه شيئا في مقتضياته الشرعية، وزادت شعبيته حين بدأ الناس يؤمون بيته للتبرك. في سياق هذه المفارقات سيتم اعتقاله، من باب الشك في انتمائه إلى تنظيم القاعدة لتشابه الأسماء، حيث كان يحمل اسما مستعارا نسب إليه من طرف الأجهزة الأمنية. أمام واقع الحيرة سيضطر عادل إمام صحبة عائلته إلى الانتقال إلى الإسكندرية، ونفس الأمر بالنسبة لعائلة عمر الشريف المهددة بالقتل، لتجد العائلتان نفسيهما تقطنان في عمارة واحدة بمحض الصدفة، وتعيشان طقوسهما الدينية الخاصة في الداخل وتظهران بروح شخصيات أخرى في الخارج، في سياق مفارقات مضحكة، ومن خلال علاقة الجوار سيحب ابن عادل إمام ابنة عمر الشريف ظنا منه أنها مسيحية ويفكر في الزواج بها بعد انتهاء الظروف الطارئة، وقد أحبته هي بدورها اعتقادا منها أنه مسلم، إلا أنه سرعان ما سيتم الكشف عن حقيقة العائلتين، ويبرز التنافر بينهما ويسود حوار طويل عن الطائفية والحواجز بين الطائفتين، إلا أن أحداثا طائفية في المدينة ستعيد العلاقة بينهما، عندما يقوم عادل إمام بإنقاذ زوجة عمر الشريف وابنته من حريق نشب بسبب الأحداث، وعندما يقوم عمر الشريف بإنقاذ زوجة عادل إمام من بين متعاركين من أبناء الطائفتين. الفيلم حاول أن يعالج قضية حساسة، لكنها معالجة ظلت محصورة في جانبها الديني، وأغفلت أبعادها السياسية والاجتماعية، وبذلك سقط في السطحية، حتى وإن اختار أسلوبا كوميديا فبناؤه الدرامي كان فجا وأحداثه غير مبررة، وانعدمت فيها الحبكة الدرامية، ولم يقدم تفسيرا لاختيارات الأبطال غير المنطقية، إذ يتم مثلا حجزهم لدى الشرطة أكثر من مرة، دون أن يعرف المتفرج السبب، كما غلب التصنع على التقابلات بين المواقف، فصلاة «تبريك المنازل» التي هي حقيقة عادية عند المسيحي المتدين، اقتضت منه استحداث قراءة القرآن وإطلاق البخور عند الجار المسلم، وعلى هذا المنوال سار الفيلم، فإذا قال المسلم نكتة وجب على المسيحي أن يقول مثلها، وإذا وقع للعائلة المسيحية حادث تجده يتكرر للمسلمين دون تأخر وهكذا دواليك... والأنكى أن المخرج والمؤلف أقحما في الفيلم أحداثا طائفية ليس لها من مبرر، يخرج الطرفان ليتقاتلا لأن شيوخ المساجد وقساوسة الكنائس دعوهما إلى ذلك لنعيش أجواء مشاهد العنف المتبادلة وغير المبررة أو المنطقية بالمرة، لا لشيء إلا لخلق دواعي التصالح بين العائلتين، جراء عمليات الإنقاذ المتبادلة بينهما، في خضم عالم متصارع كانتا تعيشان فيه فتلحق الإصابة بوجه المسيحي ثم المسلم، وقد استعار المؤلف رسم هذه الأحداث من واقعة معروفة كانت الإسكندرية حقلا لها بعد عرض مسرحي فيه إساءة للمسلمين. هذا الافتعال في رسم الأحداث دون إسنادها بسببية منطقية أفقد القالب الكوميدي الذي قدمت في إطاره الحكاية إقناعيتها، رغم الأداء الجيد لممثلين من عيار عادل إمام وعمر الشريف.