لأول مرة، يحكي البشير الهسكوري، المستشار الدبلوماسي في صندوق النقد العربي في أبوظبي، مرفوقا بشقيقه صالح، أستاذ الرياضيات في جامعة الأخوين، سيرة والدهما، احمد بن البشير الهسكوري، الرجل الثاني داخل قصر الخليفة، مولاي الحسن بن المهدي، والذي كان يلقب ب»البحر» والحاكم الفعلي. على «كرسي الاعتراف»، يحكي الهسكوري كيف وضع السلطان مولاي عبد العزيز ابنته، للا فاطمة الزهراء، بين يدي والده وهو يقول له: «بنتي في حجرك وفي حجر الله يا بن البشير»، وكيف رفض محمد الخامس زواجها من مولاي الحسن، وبالمقابل اعترف بابنٍ لمولاي عبد العزيز ظل ينكر نسبه إليه. في هذا الحوار الاستثنائي، نتعرف على خفايا التنافس على العرش، والصراع الذي عاشه الخليفة مولاي الحسن، بين الوفاء للسلطان محمد بن يوسف، وتأييد صهره محمد بن عرفة، وكيف أن الصدر الأعظم، المقري، انتقل إلى طنجة ليقول لبن البشير: «عافاك قل لصاحبك لكلاوي يرجع لعقلو». في «كرسي الاعتراف»، يحكي الهسكوري صراع والده مع المقيم العام الإسباني، الجنرال غارسيا بالينيو، الذي اتهمه بمحاولة قتله، وكيف أرسل الجنرال فرانكو ابنته كارمن إلى بن البشير لتلطيف الأجواء. في هذا الحوار، نكتشف أسرار دعم بلبشير للمقاومة الجزائرية بالسلاح، وعلاقته ببوضياف وبن بلة وفرحات عباس، وكيف أنجز وثائق مغربية مزورة لبومدين وأدخله مستشفى بنقريش للعلاج من مرض السل. كما نطلع، حصريا، على عشرات الرسائل المتبادلة بين بن البشير وأمين الحسيني والتي يعترف فيها الأخير للأول بدعم المقاومة الفلسطينة بالمال. - توقفنا في حلقة أمس عند إصرار علال الفاسي على مقابلة الخليفة وهو بلباس عصري، وليس باللباس المخزني، وكيف أن والدك أشار على الخليفة بأن يرتدي بدوره لباسا عصريا. لكن الصورة التي رشحت عن ذلك اللقاء تظهر والدك وعبد الله كنون بلباس تقليدي «مخزني»؛ ألم يكن والدك يرتدي لباسا عصريا؟ نعم، ففي ذلك اللقاء الذي احتضنه القصر الخليفي بتطوان ظهر الخليفة وعلال الفاسي وعبد الخالق الطريس بلباس عصري «كوستيم»، فيما ظهر والدي وكنون بلباس تقليدي. ولعلمك، فوالدي لم يكن يرتدي اللباس العصري إلا خلال زياراته غير الرسمية لإسبانيا، فحتى أثناء زيارة الخليفة لمدريد في لقاءات رسمية كان والدي يحرص على الظهور بلباس مخزني جلباب وسلهام و»كومية» (خنجر)، ولم يصبح والدي يرتدي اللباس العصري إلى بعد ذهابنا إلى إنجلترا (رفقة مولاي الحسن بن المهدي الذي عين غداة الاستقلال سفيرا للمغرب في لندن). - ما هي الترتيبات التي قام بها والدك استعدادا لاستقبال محمد الخامس في تطوان، خصوصا وأن هذا الأخير خاطب والدك أثناء استقباله بعد عودته إلى المغرب وهو يقول له: «أ بن البشير.. ردّو بالكم البلدية خصها تكود د المغاربة، وميكونش فيها السبليون منين نجي لتطوان»؟ من بين الأمور التي حرص والدي على تصفيتها غداة الاستقلال مسألة جمع السلاح، وقد كان ينسق هذا الأمر مع ادريس المحمدي (وزير الدولة في حكومة البكاي التي تشكلت في 7 دجنبر 1955)، وقد أخبر والدي المحمدي بأنه سوف لن يسلمه الأسلحة التي كانت تحت أيدي المقاومين في تطوان فقط، بل سيسلمه أيضا أسلحة الجنرال أودونيل «Leopoldo O Donnell y Jorí» (قائد الجيوش الإسبانية خلال حرب تطوان ما بين 1859 و1860). وكان الجنرال أودونيل قد أقام في دار المخزن من 1960 إلى غاية 1961، وعندما غادر بسرعة رفقة جنوده في 1961 تركوا أسلحتهم في دار المخزن. وقد تم نقل أسلحة جيش التحرير وأسلحة أودونيل، التي أشرف والدي على جمعها، إلى الرباط. - اِحك لنا عن زيارة محمد الخامس لمدريد والتي منها سيتوجه إلى تطوان في أبريل 1956.. الإسبان بدؤوا «يجرجرون» استقلال المنطقة الخليفية بعد استقلال «المنطقة الفرنسية» في 2 مارس 1956. وقد كانت الجامعة العربية ترد على إسبانيا التي كانت تطالبها بالاعتراف بعضوية كاملة للمغرب، بالقول إن الجامعة لن تفعل ذلك إلا بعد حصول المغرب على استقلال كامل يجعل شماله وجنوبه موحدين في بلد كامل السيادة. لقد كان فرانكو في حيص بيص من أمره، إذ كانت عليه ضغوط عربية وأخرى أمريكية، لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت تسعى إلى إقامة قواعدها في المغرب. وفي هذا السياق، جاءت زيارة محمد الخامس لمدريد، حيث وقع البيان المشترك بين المغرب وإسبانيا يوم 6 أبريل 1956 واضعا حدا للحماية الإسبانية على المنطقة الخليفية؛ وفي يوم 9 أبريل 1956 نزل بتطوان. لقد كان والدي هو من أشرف على ترتيب زيارة محمد الخامس لمدريد، من الجانب المغربي. وقد أصرّ فرانكو على ألا تكون زيارة محمد الخامس على متن طائرة فرنسية، ولذلك وضع طائرته الشخصية رهن إشارة محمد الخامس حين بعثها إلى الرباط لتحمله والعائلة الملكية إلى مدريد. - والدك هو الذي كان ينسق بين محمد الخامس وفرانكو في هذا الموضوع؟ معلوم. لقد كان على اتصال يومي بالسي احمد بنمسعود، الكاتب الخاص لمحمد الخامس.. - من كان يفاوض والدك من الجانب الإسباني؟ الجنرال أمزيان، ورئيس البيت المدني للجنرال فرانكو، الماركيز دي ويطور دي سانتيان (El marqués de Huétor de Santillán). وقد قام والدي بزيارتين لمدريد للوقوف بنفسه على ترتيبات زيارة محمد الخامس تلك.. حيث سافر، في المرة الأولى، ليتفق مع الرئاسة الإسبانية على بعض تفاصيل استقبال وإقامة ملك المغرب، وبعدها بعث بوفد يضم أعيان تطوان إلى مدريد؛ وفي المرة الثانية، صاحب الخليفة مولاي الحسن بن المهدي الذي كان الجنرال فرانكو قد دعاه إلى حفل عشاء رسمي في قصر لا مونكلوا، لتوديعه إثر انتهاء مهامه كخليفة على المنطقة «الإسبانية». وقد حضر هذا العشاء، إلى جانب الخليفة وزوجته للافاطمة الزهراء ابنة السلطان مولاي عبد العزيز، والدي ووالدتي، وباقي أفراد العائلة الخليفية. وقد كانت هذه الزيارة قبل حلول محمد الخامس بإسبانيا بيومين، وبعدها تم تحويل الخليفة والوفد المرافق له من قصر لامونكلوا إلى فندق ريتز. - هل علم محمد الخامس بهذا الاستقبال الذي خص به فرانكو مولاي الحسن بن المهدي وأفراد عائلته لتوديعهم؟ الخليفة ووالدي هما من استقبلا محمد الخامس وحكومته بعد نزوله في مطار مدريد. وقد اتفق والدي مع الإسبان على الترتيبات البروتوكولية.. بحيث تم الاتفاق على أن تحمل السيارة الأولى على متنها محمد الخامس والجنرال فرانكو، وأن تضم السيارة الثانية ولي العهد (الحسن الثاني) بصفته رئيس أركان الحرب، ومونيوس غرانديس (وزير الدفاع) ومدير فرانكو. لكن بقي سؤال منتصبا: أين سيركب مولاي الحسن بن المهدي؟ «وهنا وحلات».. وكانت تلك ثانية مسألتين بروتوكوليتين استعصى حلهما في بداية هذه الزيارة.. فيما كانت الأولى تتعلق بالأوسمة التي ستوشح بها إسبانيا محمد الخامس.