ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإضراب يشل المحاكم والمستشفيات وحركة عادية بباقي القطاعات
نشر في المساء يوم 30 - 10 - 2014

اختلفت استجابة البيضاويين للإضراب العام، الذي دعت إليه النقابات الثلاث، ففي الوقت الذي عرفت فيه المحاكم والمستشفيات شبه حالة شلل، عرفت قطاعات أخرى كالنقل حالة من الاستقرار بسبب عدم انضمام نقابات سيارات الأجرة إلى الإضراب، كما عرف مطار محمد الخامس حالة من الاضطراب بسبب تقليص النقابات لعدد العاملين بالقطاعات الحيوية بالمطار المذكور إلى حدوده الدنيا، من أجل تأمين سلامة الرحلات.
شلل في حركة المحاكم
عرفت مختلف محاكم الدار البيضاء أمس الأربعاء شللا تاما بسبب الإضراب العام الوطني، بعد أن دعت كل من الجامعة الوطنية لقطاع العدل التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والنقابة الديمقراطية للعدل للانخراط في الإضراب، وتنظيم وقفات احتجاجية داخل عدد من المحاكم.
وعاينت «المساء» شللا تاما بمحكمة الأسرة بحي الألفة بالدار البيضاء، إذ تجمع العشرات من المواطنين خارج المحكمة، بعد أن جرى إخبارهم بأن الموظفين بالمحكمة مضربون عن العمل.
من جهة أخرى، شهدت المحكمة الزجرية بعين السبع بدورها إضرابا في جميع المكاتب سواء الخاصة بكتاب الضبط أو نواب وكيل الملك، إذ لم يكن بالمحكمة غير رجال الأمن وبعض وكلاء الملك المداومين، نظرا لتقديم مشتبه بهم انتهت فترة اعتقالهم رهن الحراسة النظرية.
وانضمت إلى الإضراب جمعية هيئات المحامين بالمغرب التي قررت إزالة البياض من بذلة المحاماة، تعبيرا عن الاحتجاج ابتداء من يوم أمس الأربعاء إلى غاية إشعار آخر.
كما دعت إلى تنظيم وقفات بمختلف المحاكم التي يتواجد بها محامون لمدة ساعتين ابتداء من الساعة العاشرة صباحا، وحتى الساعة الثانية عشرة زوالا.
وطالب مكتب الجمعية جميع الشركاء داخل منظومة العدالة إلى تفهم مواقف المحامين ومساعدتهم بما يحول دون المساس بحقوق المواطنات والمواطنين وحرياتهم بمناسبة التعبير والدفاع المشروع من طرف المحاميات والمحامين عن مطالبهم العادلة.
اضطراب في المطار
كشف مصدر نقابي أن الإضراب الذي دعت إليه المركزيات النقابية الثلاث، أمس الأربعاء، خلف حالة من الارتباك داخل مختلف مطارات المملكة، وخاصة بمطار محمد الخامس الدولي، وأوضح حازم سعيد التسولي، الكاتب العام للمراقبين الجويين، التابع للكنفدرالية الديمقراطية للشغل، أن المطار المذكور عرف حالة من الارتباك بسبب تداعيات الإضراب، حيث لم يلتحق بالعمل أي موظف بالمصلحة، التي تشرف على عملية ركن الطائرات داخل المطار باستثناء رئيس المصلحة، الذي سيتوجب عليه تأمين عمل المصلحة لمدة 24 ساعة بسبب الإضراب.
واعتبر المصدر ذاته أن المصلحة المذكورة من بين أكثر المصالح حساسية داخل مطار محمد الخامس الدولي وداخل مطارات المملكة، مضيفا أن الإضراب شمل كذلك المراقبين الجويين، الذين قلصوا تواجدهم داخل المطار المذكور وأبراج المراقبة إلى الحدود الدنيا اللازمة لضمان أمن وسلامة الطائرات.
وأشار المصدر ذاته إلى أن جانبا كبيرا من موظفي المكاتب العاملين بالمكتب الوطني للمطارات، شاركوا في الإضراب، في الوقت الذي تم فيه تقليص عدد العاملين في مجال المطافئ، على اعتبار أن هذا المجال يعتبر من المهن الحساسة داخل المطارات والتي لا يمكن أن تنفذ الإضراب بشكل كامل، اعتبارا لأهميتها وتحسبا لأي حوادث يمكن أن تعرفها المطارات.
وذكر المصدر ذاته أن جميع المصالح الحيوية داخل مطارات المملكة تم تأمينها في الحدود الدنيا من أجل ضمان عدم وقوع أي حوادث بالمطارات المذكورة، مع حمل الشارة من طرف جميع العاملين الذين اضطروا للعمل يوم الإضراب العام.
فشل إضراب الطاكسيات
باستثناء انخراط مستخدمي شركة النقل «مدينة بيس» ومستخدمي «الطرامواي» في الإضراب العام، لم تشهد حركة النقل اضطرابا كبيرا، بسبب عدم استجابة الجمعيات والنقابات المستقلة الممثلة لسائقي سيارات الأجرة وكذا عدم استجابة مستخدمي شركات النقل الخواص، للدعوة. في حين اقتصر الأمر على مشاركة المهنيين المنتمين للنقابات التابعة للمركزيات الثلاث الداعية للإضراب.
وبرر مصطفى شعون، الكاتب العام الوطني للنقابة المغربية لمهنيي النقل عدم الانخراط في الإضراب الذي دعت إليه المركزيات النقابية الثلاث، بكون النقابات المستقلة لقطاع الطاكسيات غير معنية بالمشاركة فيه، من منطلق أنه لا يجب استعمال ورقة الطاكسيات في الصراع مع الحكومة، مشددا بالمقابل أن القطاع يعيش العديد من المشاكل الاجتماعية التي حان الوقت لإيجاد الحلول المناسبة لها.
شعون أضاف في تصريح استقته «المساء» أنه «كان من الأجدر أن تنفتح المركزيات الداعية إلى الإضراب على النقابات المستقلة، من أجل دمج مطالبها في المطالب التي رفعتها إلى الحكومة وجعلت منها مبررا لتنفيذ إضراب أمس، مضيفا أن النقابات المستقلة تحتفظ لنفسها بالحق في خوض كافة الأشكال النضالية دفاعا عن مطالبها الاجتماعية التي لم تتحقق في عهد الحكومة».
من جهته كشف محمد الحراق، الكاتب العام للنقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة، التابعة للكونفدرالية الديموقراطية للشغل أن عدم انخراط عدد من مهنيي سيارات الأجرة بالدار البيضاء في الإضراب يرجع إلى كون القطاع يضم العشرات من النقابات التي تم خلقها، من أجل كسر وحدة الصف بين المهنيين، مضيفا أن من كانوا وراء خلق هذه النقابات يعون جيدا الدور الذي تلعبه هذه النقابات في كسر أي خطوة نضالية.
الحراق -الذي قلل من شأن عدم انخراط النقابات والجمعيات المستقلة في الإضراب العام الوطني- أضاف في تصريح استقته «المساء» أن عدد سيارات الأجرة في مدينة الدار البيضاء يقارب 15 ألفا موزعة بين سيارات الأجرة من الحجم الكبير والصغير، ينضوي أقل من نصفها في إطار نقابات تابعة للمركزيات الكبرى، في حين تم خلق العشرات من التنظيمات الموازية التي تصف نفسها بالمستقلة والتي يليق وصفها ب «قوات الاحتياط»، إذ يتم استدعاؤها في مثل هذه المحطات لضرب وحدة صف المهنيين وإضعاف تماسكهم وانخراطهم في المحطات النضالية. وللأسف، يضيف، فالمواطن المغربي لم يع جيدا مغزى الدعوة إلى الإضراب العام الذي أريد له إسماع صوت المواطنين، الذين أنهكتهم القرارات اللاشعبية للحكومة الحالية التي أتت على الأخضر واليابس».
شلل في المستشفيات
باستثناء مصالح المستعجلات والإنعاش، عرفت المراكز الصحية والمستشفيات العمومية في الدار البيضاء شللا تاما بسبب الإضراب العام الذي دعت إليه النقابات، الذي جاء كتعبير منها على حالة الاحتقان التي يعيشها موظفو القطاع الصحي بمختلف فئاتهم وتخصصاتهم، والذي احتجت فيه النقابات المذكورة على سوء التسيير والتدبير والقرارات التي وصفت من قبلها ب»الانفرادية»، التي تتخذ دون استشارة الشركاء الاجتماعيين.
وفي هذا الصدد، صرح بابا نويتي، الكاتب الجهوي للجامعة الوطنية للصحة في الدار البيضاء، التابعة للاتحاد العام للشغالين، أن الإضراب سيشكل وسيلة قوية للضغط على الحكومة للتراجع عن مجموعة من القرارات التي اتخذتها والتي تمس بالمكتسبات التي حققتها الشغيلة لسنوات، فضلا عن أنها تمس بالقدرة الشرائية للمواطنين الذين يعتبرون المتضرر الأساسي من الزيادات التي تعرفها المواد الاستهلاكية والماء والكهرباء.
وأضاف النويتي أن مختلف المصالح والأقسام بالمستشفيات العمومية متوقفة عن العمل، ماعدا قسمي المستعجلات والإنعاش مراعاة لمصالح المرضى.
واعتبر النويتي في تصريح ل»المساء» أن الإضراب سيعطي أكله رغم ما وصفه ب»تعنت» الحكومة في الاستجابة لمجموعة من المطالب الأساسية للعاملين بالقطاع الصحي، معتبرا أن الإضراب العام هو تلبية لنداء المصلحة العامة من أجل وضع برامج تلبي حاجيات المواطنين، ومضيفا أن الحكومة بقراراتها تناقضت مع وعودها وبرامجها الانتخابية.
من جهته، عبر بلعيد حليش، نائب الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة العمومية، العضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل، عن تفاؤله بنتائج الإضراب العام، مؤكدا استجابة مختلف الموظفين الذين لم يلتحقوا بأماكن عملهم في المراكز الصحية والمستشفيات التي أغلقت بها قاعات التشخيص والجراحة العامة، باستثناء موظفي الحراسة والإلزامية، الذين، يقول، إنهم يعملون كسائر أيام العطل.
وأوضح بلعيد ل»المساء» أنهم، باعتبارهم نقابات، لم يكن لهم خيار آخر سوى الانخراط في الإضراب بعدما وصل حوارهم مع الحكومة إلى الباب المسدود، خاصة بعد صدور مجموعة من القرارات التي عبروا عن رفضهم لها، ومع ذلك الحكومة سائرة نحو تطبيقها، مضيفا أيضا أن مجموعة من الاتفاقات التي جمعت المركزيات النقابية، والتي يهم بعضا منها الجانب المتعلق بالقطاع الصحي، ظلت عالقة، مما شكل في نظره استفزازا حقيقيا لهم دفعهم إلى خوض هذا الإضراب.
توقف الدراسة بالجامعات
خاض أساتذة التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني-عين الشق إضرابا عاما، استهله الأساتذة المنضوون تحت لواء النقابة الوطنية للتعليم العالي بوقفة جماعية، ذات بعد رمزي، امتدت طيلة نصف ساعة، أمام بناية رئاسة
الجامعة.
وعبر المضربون خلال الوقفة عن استيائهم من السياسة العمومية في تدبير الجامعة المغربية، وقد حدد بيان لنفس المنظمة دوافع الانخراط في هذا الإضراب العام، والتي تمثلت–حسب البيان- في الإجهاز على مكتسبات المأجورين في التقاعد، والتدمير الممنهج للتعليم العمومي والجامعة المغربية. وصرح محمد حمزة، القيادي بالنقابة الوطنية للتعليم العالي، ل»المساء» قائلا: «السيد الوزير لا يريد إشراك أي أحد في تدبير التعليم العالي، فرض قانونا يرمي إلى تصفية الجامعة المغربية، وترحيل التكاوين الجامعية صوب مؤسسات وليدة مؤدى عنها، وهو الأمر الذي من شأنه تعميق الفوارق الطبقية وإنتاج جامعة تعمل بسرعتين، واحدة عامة وأخرى خاصة».
بدورها، كانت المدرسة العمومية على موعد مع إضراب عام، حيث عبر أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي عن انضباط نقابي لقرار المركزيات النقابية المنضوون تحتها، وهي الاتحاد المغربي للشغل، والكنفدرالية الدمقراطية للشغل، إلى جانب الفدرالية الدمقراطية للشغل.
إضراب باهت بالعاصمة.. والنقابات تفشل في فرض حالة الشلل
حركة طبيعية في قطاع سيارات الأجرة والتراموي واختفاء معظم حافلات النقل الحضري
م. الحجري- خ.عليموسى- م.السجاري
فشلت المركزيات النقابية والأحزاب التي دعت إلى الإَضراب العام في فرض حالة الشلل، التي توعدت بها، في العاصمة الرباط، بعد أن شهد يوم أمس الأربعاء، حركة عادية في عدد من القطاعات الأساسية التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين ومنها قطاع النقل والخدمات، فيما سجلت نسبة متفاوتة للإضراب في قطاع الصحة، باستثناء قطاع التعليم العمومي الذي شهد تجاوبا كبيرا مع الإضراب.
الطاكسيات تخرق الإضراب
الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحا من يوم الإضراب العام، غير أن القنطرة الحسنية الرابطة بين الرباط وسلا ظلت وفية لعادة الزحام الشديد الذي اختلطت فيه حافلات الموظفين بسيارات الأجرة والسيارات الخاصة، ووحدها حافلات شركة «ستاريو» للنقل الحضري غابت عن التشكيلة بعد أن أعلنت أربعة مكاتب نقابية عن إضراب لمدة يومين مع استثناءات قليلة سجلت بتمارة.
طوابير طويلة من العربات اصطفت للمرور من هذه القنطرة، التي تعد بمثابة معبر حدودي بين العاصمة الرباط وجارتها سلا، حيث اختفت ملامح الإضراب العام من قطاع النقل، بعد أن شوهدت حافلات للنقل عبر الطرق، وعربات متوسطة الحجم لنقل الخضر والبضائع إضافة إلى اصطفاف عشرات من سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة أمام مراكز التنقيط «البونتاج» تمهيدا للشروع في عملها الصباحي في إجراء روتيني يتم كل يوم.
غياب مظاهر الإضراب عن قطاع النقل لم يمنع مصالح الأمن والسلطات من القيام باحترازات أمنية مشددة، مراعاة للذكريات السيئة لعدد من الإضرابات العامة التي لم تمر بسلام، إذ سالت فيها الدماء وأزهقت فيها الأرواح، حيث نزل عدد من كبار المسؤولين الأمنيين بولاية أمن الرباط إلى محطة سيارات الأجرة بباب شالة فيما تم وضع تعزيزات من قوات التدخل السريع ونشر عدد من عناصر شرطة المرور.
يقول سائق سيارة أجرة صغيرة بمدينة سلا إنه خرج للعمل لسببين، أولهما أنه غير مقتنع بالوجوه التي اختفت وراء قناع الإضراب ودعت إليه، وثانيا لأنه تنتظره أفواه جائعة في البيت ولابد من السعي وراء «الروسيطة» التي تظل وحدها قادرة على تمكينه من شراء الزيت والدقيق ودفع الفواتير، أما كلام السياسيين فلم يعد ينطلي على أحد.
حتى إضراب حافلات النقل الحضري، التي تؤمن النقل بين مدن تمارة والرباط وسلا، لم يؤثر بشكل كبير على تنقل المواطنين بفضل جيش من الخطافة الذين استفادوا، منذ وقت طويل، من سياسية «تغماض العينين» التي تمارسها السلطة، قبل أن يتضاعف عددهم صباح أمس بفعل «همزة» الإضراب العام التي زادت من عدد الزبائن ومنحتهم فرصة للعمل تحت حماية الأمن والسلطة.
الترامواي القادم من فرنسا ظل أيضا محايدا وبعيدا عن الإضراب وكأنه لا يفهم لعبة السياسة، حيث اشتغل بوتيرة عادية وبقي خارج دائرة الغضب الذي دعت إليه النقابات والأحزاب رغم أن مستخدميه مستاؤون من إدارتهم ويحملون منذ مدة شارة احتاج حمراء.
إضراب المستشفيات
في القطاع الصحي، عاينت «المساء» استمرارية عمل مختلف المصالح الاستشفائية بشكل عادي، باستثناء جناح الفحوصات بمستشفى ابن سينا. وضعية تخالف ما صرح لنا به الكاتب العام لإحدى نقابات الصحة، الذي اعتبر أن هناك «شللا» في المستشفيات، باستثناء مصالح المستعجلات بمستشفى ابن سينا والولادة، ومركز تحاقن الدم.
الساعة التاسعة والنصف بمستعجلات ابن سينا. جميع الأطر الطبية وشبه الطبية تسهر على تقديم الخدمات للوافدين على هذه المصلحة الحيوية دون توقف. بعضهم كان يحمل الشارة الحمراء، تعبيرا منهم عن الانخراط في الإضراب العام. أما بعض المصالح الإدارية التابعة لهذا القسم، ومنها مكتب الدخول والفوترة، فكانت معطلة وفقا ما عايناه إلى حدود الساعة العاشرة من صباح أمس.
انتقلنا إلى عدد من المصالح الطبية، ومنها قسم جراحة العظام، حيث عاينا استمرار الأطباء في تقديم خدماتهم. أحد العاملين في المؤسسة أكد أنه لا يمكن توقيف العمل في المصالح الطبية، «فهناك مرضى يرقدون داخل المستشفى، والأطباء والممرضون يشتغلون بالتناوب».
بيد أن جناح الفحوصات، وهو البناية التي تتمركز فيها مختلف التخصصات، عرفت شللا تاما، إذ تم إغلاقها في وجه المرضى، وهو ما أثار حالة من الغضب، خاصة وأن عددا منهم قطع مسافة طويلة للوصول إلى الرباط. مواطن قادم من مدينة ورزازات صرخ في وجه أحد رجال الأمن الخاص قائلا: «هادشي حرام، أنا جاي من ورزازات وعندي رونديفو مع الطبيب»، ليرد عليه رجل الأمن الخاص: «ماعندي ماندير ليك راه اليوم الإضراب».
وعاينت «المساء» مغادرة بعض الأطر للبناية. أحد العاملين في المستشفى ألح على تسجيل حضوره، وكان يخاطب بعض زميلاته بالقول: «بما أنكم جيتو تخدمو، راه خاصكو تسجلو الحضور».
«المساء» انتقلت أيضا إلى مستشفى الولادة. هنا عاينا أيضا استمرارية العمل في مختلف المصالح الاستشفائية، مع تسجيل إضراب عدد مهم من الإداريين. عند مدخل المستشفى التقينا مجموعة من الأطر الذي يحملون الشارة الحمراء.
طرحنا السؤال عن حجم الإضراب فكان رد عضو بإحدى النقابات: «جميع المصالح الاستشفائية تشتغل... هذه أرواح المواطنين، ولا يمكن إغلاق أي مصلحة، أما الأطر الطبية وشبه الطبية التي أرادت الانخراط في الإضراب فقد وضعت الشارة».
ليلة بيضاء
في الساعات الأولى من صباح يوم أمس التحقت قيادات الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بمقرهم المركزي في الرباط، وفي مقدمتهم الكاتب العام الجديد الكافي الشراط.
بعدها تدخل القيادية خديجة زومي وهي منشغلة بالحديث في الهاتف «بالنسبة الأقاليم الأخرى ما الذي حدث بها؟»، تقول زومي ، لتضيف «اعتقلوه واش ديالنا هذا»، ويبدو من حديثها أن الأمر يتعلق بسائق أجرة ينتمي لنقابة الاستقلاليين».
لكبير الدويري، من الموظفين العاملين بالنقابة، يتلقى معطيات ويدونها بجدول قسمه إلى الاتحاد والقطاع والنسبة والملاحظات، قال إنه يملأ الوثائق بكل المعلومات التي ترده من الأقاليم بهدف تجميع المعطيات وتسليمها للمسؤولين.
وفي حديثه ل»المساء» أوضح الكافي الشراط، الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين، أنهم تلقوا المعطيات الأولية والتي تفيد أن نسبة الإضراب بقطاع التعليم ناجح جدا، وكذلك الأمر بالنسبة للصحة والنقل الحضري ببعض المدن ومنها فاس الذي قال إن الحركة بها متوقفة 100 في المائة مثل جرادة ومكناس والدار البيضاء التي أكد أن الإضراب بها ناجح بنسبة مائة في المائة.
وأوضح الشراط أن برنامجهم اليومي يتضمن تجميع المعلومات من الاتحادات والنقابات الوطنية ونسبة الإضراب والقطاع المضرب والملاحظات، ليتم تجميع المطعيات بمجملها وإخراج النسبة العامة للإضراب.
الشراط أكد لنا أنهم قضوا الليلة بالمقر من أجل إعداد الوثائق والطاقم الذي يتلقى المعطيات وأن هناك خلية كبيرة تشتغل»، وإلى حدود الساعة العاشرة صباحا ظل في الطابق السادس بمقر النقابة موظفان إدرايان إلى جانب المسؤولين على المستوى المركزي لا يتجاوز عددهم العشرة، بينما الطوابق الخمسة الأخرى فارغة باستثناء المنظفات اللواتي يسهرن على نظافة المقر. هذا هو واقع المقر المركزي لنقابة الاستقلاليين، وعلى بعد عدة أمتار يقع المقر الجهوي للاتحاد المغربي للشغل، قدم عدد كبير من مناضلي ومسؤولي النقابة، استجابة للنداء الذي وجهته النقابة والذي مفاده أن المقر سيكون قبلة للراغبين من المناضلين للالتحاق به، المسؤولون مكلفون بتلقي المعطيات من الفروع المحلية التابعة للجهة، رنين الهواتف لا يتوقف من أجل معرفة ما يقع على المستوى الجهوي.
رشيد المنياري، الكاتب العام للاتحاد الجهوي لنقابات الرباط وسلا وتمارة، قال، في تصريح ل»المساء» إن المعطيات الأولى أن الإضراب ناجح في عدد من القطاعات والمنشآت مثل ريضال الذي قال إن الإضراب به نجح بنسبة 100 في المائة، باستثناء مصالح المداومة لمديرية الماء والكهرباء والتطهير ومراكز توزيع الكهرباء ومحطات معالجة المياه وخزانات المياه من الإضراب، التي لا يمكن لها أن تضرب.
هذا حال بعض مقرات النقابات المشاركة في الإضراب العام الذي دعت إليه ثلاث نقابات مركزية وانخرطت فيه باقي النقابات باستثناء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، لكن خارج أسوار النقابات تبدو الحركة بالعاصمة عادية لكل المرافق، ولا أثر لأي إضراب على أرض الواقع، فسيارات الأجرة متوفرة بكثرة، والمواطنون يمارسون أنشطتهم بشكل عادي، يقول أحد المواطنين.
هذه هي الكلفة الاقتصادية للإضراب العام
عبد الرحيم ندير
حذر اقتصاديون مغاربة من أن نجاح الإضراب العام الذي نظمته المركزيات النقابية يمكن أن تكون له نتائج وخيمة على الاقتصاد الوطني، نتيجة ضياع مئات الآلاف من أيام العمل، وكذا تكبد القطاعات الاقتصادية لخسائر كبيرة جدا، جراء الشلل الذي يمكن أن يصيب مرافق القطاع العام والشركات الخاصة.
وقال الطيب أعيس، الخبير الاقتصادي ورئيس جمعية «أمل للمقاولات»، في تصريح ل»المساء»، إن الإضراب العام تكون له عادة تكلفة اقتصادية باهظة، بالنظر إلى الشلل الذي يصيب مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية والمرافق التابعة للقطاع العام، مشيرا إلى أنه يصعب عادة تقييم هذه التكلفة، إلا أنها يمكن أن تصل، في حال نجاح الإضراب 100 في المائة، إلى ما يوزاي يوما واحدا من الناتج الداخلي الخام الوطني.
غير أن أعيس اعتبر أن الإضراب العام الحالي يمكن ألا يؤدي إلى هذا المستوى من الخسائر، بالنظر إلى ضعف مشاركة القطاع الخاص، وكذا تخوف عدد من موظفي الدولة من خسارة أجرة يوم واحد، بسبب نهج الدولة لسياسة الاقتطاع من أجور المضربين.
كما أشار أعيس، من جهة أخرى، إلى أن هذا الإضراب كان من الممكن أن يفيد البلاد والاقتصاد الوطني إذا كان مبنيا على أسس سليمة، وقادرا على معالجة الاختلالات الاجتماعية، كما حدث في الإضراب العام لسنة 1981، مؤكدا أن الإضراب الحالي يعتبر سياسيا، وكان من الممكن تفاديه، لأن الأمور لم تصل إلى الباب المسدود، خاصة على مستوى معالجة ملف التقاعد.
ورغم صعوبة تحديد الكلفة الاقتصادية للإضراب العام، فإن بعض الخبراء يلجؤون إلى قياس مستوى استهلاك الكهرباء في يوم الإضراب من أجل قياس نسبة الاستجابة للإضراب، وبالتالي تقييم الخسائر الناجمة عنه، لكن هذه الطريقة تنجح فقط بالنسبة للقطاع الصناعي، عبر حساب استهلاك الضغط العالي.
وتكون الخسائر واضحة بشكل أكبر في القطاعات الخدماتية التي لا تستطيع عادة استدراك ما فاتها، مثل قطاعات النقل والموانئ والمطارات والطرق السيارة، حيث تتكبد هذه القطاعات خسائر تقدر بملايير الدراهم في كل يوم إضراب.
أما في القطاع العمومي، فتعتمد الدولة على معايير أخرى لتحديد الخسائر الناجمة عن الإضرابات، أهمها عدد أيام العمل الضائعة، التي تؤدي خزينة الدولة أجورها دون أن يشتغل فيها المضربون، حيث قدرت وزارة العدل، مثلا، كلفة إضراب موظفيها خلال سنة 2012، بأزيد من 10 ملايين و877 ألف درهم٬ فيما فاق عدد ساعات العمل الضائعة 472 ألف ساعة. كما تقدر كلفة إضراب يوم واحد في الجماعات المحلية بحوالي 7 ملايين درهم، مع ضياع حوالي 250 ألف يوم عمل.
وتتكبد صناديق الدولة خسائر باهظة، هي الأخرى، في أيام الإضراب، إذ تتوقف هذه الصناديق عن جمع الموارد المالية المتأتية من الضرائب والرسوم والواجبات التي يلزم المواطنون بأدائها مقابل الاستفادة من بعض الخدمات العمومية.
وتبقى هذه المعطيات تقريبية، إذ لا تمكن من احتساب كلفة الإضراب العام بدقة، وقد كان من المفروض منذ حكومة عباس الفاسي أن يتم إعداد دراسة حول التكلفة الاقتصادية للإضرابات، حيث كان صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد حينذاك، قد كلف مكتبا للدراسات باستنتاج الآثار الجانبية للإضرابات لمعرفة عدد أيام العمل التي يتم إهدارها، وكم يكلف ذلك من مبالغ مالية، لكن شيئا من ذلك لم يتم.
وحتى يمكن معرفة الكلفة التقريبية للإضراب العام، تشير التقديرات الحكومية الفرنسية إلى أن تكلفة آخر إضراب عام في البلاد تراوحت بين 200 و 400 مليون يورو يوميا. وأشارت صحيفة (لوفيغارو)، بناء على تلك التقديرات، إلى أن تكلفة ثمانية أيام من الإضرابات حتى الآن تراوحت بين مليار و600 مليون، وثلاثة مليارات و200 مليون يورو. وأكدت وزارة الاقتصاد الفرنسية أن الخسائر شملت «ساعات العمل الضائعة والخسائر التي تكبدتها القطاعات المختلفة»، بالإضافة إلى «الضرر الأخلاقي» الذي وقع لتشويه صورة فرنسا في الخارج.
ويعود آخر إضراب عام عرفه المغرب إلى 14 دجنبر من سنة 1990، حيث شهد ذلك اليوم أحداثاً دامية في مدينة فاس، غير أن المغاربة يحتفظون بذكرى مؤلمة عن الإضراب العام الذي شهده المغرب سنة 1981، حيث جاء بعد الإعلان عن زيادات في الأسعار، في سياق أزمة اقتصادية واختبار قوة بين السلطة السياسية
والمعارضة.
وتجدر الإشارة إلى أنه اعتمادا على التجارب الدولية المقارنة٬ واستحضارا لتوصيات لجنة الحرية النقابية التابعة لمنظمة العمل الدولية٬ فإن الإضراب لا يمكن تنظيمه إلا بعد المفاوضة الجماعية التي تؤدي حتما إلى تنظيم عادل لممارسة حق الإضراب، وهو ما تشير إليه صراحة الاتفاقية رقم 98 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بالحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية والتي صادق عليها المغرب سنة 1957.
وتوصي منظمة العمل الدولية من خلال لجنتها المتخصصة– لجنة الحرية النقابية- في حالة الإضراب، بضرورة توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، ولكن لا يعني هذا أن يؤدي المرفق كامل خدماته المعتادة خارج فترات الإضراب.
مبديع يؤكد فشل الإضراب و الاقتطاع من الأجور وحصاد يرفض البوليميك
عبد الرحيم ندير
حذر اقتصاديون مغاربة من أن نجاح الإضراب العام الذي نظمته المركزيات النقابية يمكن أن تكون له نتائج وخيمة على الاقتصاد الوطني، نتيجة ضياع مئات الآلاف من أيام العمل، وكذا تكبد القطاعات الاقتصادية لخسائر كبيرة جدا، جراء الشلل الذي يمكن أن يصيب مرافق القطاع العام والشركات الخاصة.
وقال الطيب أعيس، الخبير الاقتصادي ورئيس جمعية «أمل للمقاولات»، في تصريح ل»المساء»، إن الإضراب العام تكون له عادة تكلفة اقتصادية باهظة، بالنظر إلى الشلل الذي يصيب مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية والمرافق التابعة للقطاع العام، مشيرا إلى أنه يصعب عادة تقييم هذه التكلفة، إلا أنها يمكن أن تصل، في حال نجاح الإضراب 100 في المائة، إلى ما يوزاي يوما واحدا من الناتج الداخلي الخام الوطني.
غير أن أعيس اعتبر أن الإضراب العام الحالي يمكن ألا يؤدي إلى هذا المستوى من الخسائر، بالنظر إلى ضعف مشاركة القطاع الخاص، وكذا تخوف عدد من موظفي الدولة من خسارة أجرة يوم واحد، بسبب نهج الدولة لسياسة الاقتطاع من أجور المضربين.
كما أشار أعيس، من جهة أخرى، إلى أن هذا الإضراب كان من الممكن أن يفيد البلاد والاقتصاد الوطني إذا كان مبنيا على أسس سليمة، وقادرا على معالجة الاختلالات الاجتماعية، كما حدث في الإضراب العام لسنة 1981، مؤكدا أن الإضراب الحالي يعتبر سياسيا، وكان من الممكن تفاديه، لأن الأمور لم تصل إلى الباب المسدود، خاصة على مستوى معالجة ملف التقاعد.
ورغم صعوبة تحديد الكلفة الاقتصادية للإضراب العام، فإن بعض الخبراء يلجؤون إلى قياس مستوى استهلاك الكهرباء في يوم الإضراب من أجل قياس نسبة الاستجابة للإضراب، وبالتالي تقييم الخسائر الناجمة عنه، لكن هذه الطريقة تنجح فقط بالنسبة للقطاع الصناعي، عبر حساب استهلاك الضغط العالي.
وتكون الخسائر واضحة بشكل أكبر في القطاعات الخدماتية التي لا تستطيع عادة استدراك ما فاتها، مثل قطاعات النقل والموانئ والمطارات والطرق السيارة، حيث تتكبد هذه القطاعات خسائر تقدر بملايير الدراهم في كل يوم إضراب.
أما في القطاع العمومي، فتعتمد الدولة على معايير أخرى لتحديد الخسائر الناجمة عن الإضرابات، أهمها عدد أيام العمل الضائعة، التي تؤدي خزينة الدولة أجورها دون أن يشتغل فيها المضربون، حيث قدرت وزارة العدل، مثلا، كلفة إضراب موظفيها خلال سنة 2012، بأزيد من 10 ملايين و877 ألف درهم٬ فيما فاق عدد ساعات العمل الضائعة 472 ألف ساعة. كما تقدر كلفة إضراب يوم واحد في الجماعات المحلية بحوالي 7 ملايين درهم، مع ضياع حوالي 250 ألف يوم عمل.
وتتكبد صناديق الدولة خسائر باهظة، هي الأخرى، في أيام الإضراب، إذ تتوقف هذه الصناديق عن جمع الموارد المالية المتأتية من الضرائب والرسوم والواجبات التي يلزم المواطنون بأدائها مقابل الاستفادة من بعض الخدمات العمومية.
وتبقى هذه المعطيات تقريبية، إذ لا تمكن من احتساب كلفة الإضراب العام بدقة، وقد كان من المفروض منذ حكومة عباس الفاسي أن يتم إعداد دراسة حول التكلفة الاقتصادية للإضرابات، حيث كان صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد حينذاك، قد كلف مكتبا للدراسات باستنتاج الآثار الجانبية للإضرابات لمعرفة عدد أيام العمل التي يتم إهدارها، وكم يكلف ذلك من مبالغ مالية، لكن شيئا من ذلك لم يتم.
وحتى يمكن معرفة الكلفة التقريبية للإضراب العام، تشير التقديرات الحكومية الفرنسية إلى أن تكلفة آخر إضراب عام في البلاد تراوحت بين 200 و 400 مليون يورو يوميا. وأشارت صحيفة (لوفيغارو)، بناء على تلك التقديرات، إلى أن تكلفة ثمانية أيام من الإضرابات حتى الآن تراوحت بين مليار و600 مليون، وثلاثة مليارات و200 مليون يورو. وأكدت وزارة الاقتصاد الفرنسية أن الخسائر شملت «ساعات العمل الضائعة والخسائر التي تكبدتها القطاعات المختلفة»، بالإضافة إلى «الضرر الأخلاقي» الذي وقع لتشويه صورة فرنسا في الخارج.
ويعود آخر إضراب عام عرفه المغرب إلى 14 دجنبر من سنة 1990، حيث شهد ذلك اليوم أحداثاً دامية في مدينة فاس، غير أن المغاربة يحتفظون بذكرى مؤلمة عن الإضراب العام الذي شهده المغرب سنة 1981، حيث جاء بعد الإعلان عن زيادات في الأسعار، في سياق أزمة اقتصادية واختبار قوة بين السلطة السياسية
والمعارضة.
وتجدر الإشارة إلى أنه اعتمادا على التجارب الدولية المقارنة٬ واستحضارا لتوصيات لجنة الحرية النقابية التابعة لمنظمة العمل الدولية٬ فإن الإضراب لا يمكن تنظيمه إلا بعد المفاوضة الجماعية التي تؤدي حتما إلى تنظيم عادل لممارسة حق الإضراب، وهو ما تشير إليه صراحة الاتفاقية رقم 98 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بالحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية والتي صادق عليها المغرب سنة 1957.
وتوصي منظمة العمل الدولية من خلال لجنتها المتخصصة– لجنة الحرية النقابية- في حالة الإضراب، بضرورة توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، ولكن لا يعني هذا أن يؤدي المرفق كامل خدماته المعتادة خارج فترات الإضراب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.