كان هواة الفن التشكيلي بمدينة الرباط، مساء يوم الاثنين الماضي، على موعد مع عدد من رواد التشكيل بالمغرب، والذين التقوا في معرض جماعي بكل من رواق الوداية ورواق محمد الفاسي، لعرض العشرات من اللوحات، مثلت بحق غنى وتنوع الاتجاهات والتوجهات التشكيلية لدى الفنانين المغاربة، الذين رغم انطلاقهم من نفس الأسس والمناهج التي وفرتها أبرز المدارس التشكيلية في العالم، فإن ذلك لم يمنع الفنان المغربي من ترك بصمته على موروث التشكيل العالمي راسما بذلك لوحة هي أقرب إلى اتجاه مغربي صرف. وبتواضع كبير يرفض الفنانون، المنظمون للمعرض، الحديثَ عن مدرسة مغربية مستقلة بذاتها في فن التشكيل، مبرزين أن الأمر يتعلق فقط بخلاصات وتجارب تجمع بين التشخيص والتجريد، وبين الرمز والعلامة، وحتى بين الضوء والعتمة، لتُشكل كل هذه العناصر فسيفساء تستطيع أن تلخص مجمل مكونات مشهد الفن التشكيلي المغربي، وهو ما يجسده معرض رواق الوداية، الذي يضم سبعة عشر فنانا من كل الاتجاهات. مذكور وفاتح وبلكناوي والمقداد والتومي والنافي وعميروش والأزهر وخيالي وميموني وأحرضان وبرحو والحيسن وموسيك وقديد والحراق والعمراني، هؤلاء أبوا إلا أن يدخلوا في حوار في ما بينهم لا يشبه تلك الحوارات والسجالات التي تدور بين الساسة والمسؤولين بداخل الصالونات المغلقة منها والمفتوحة على الجماهير، بل هي حوارات تخوضها لوحاتهم نيابة عنهم في إطار «حوارات فنية»، وهو عنوان معرض هؤلاء الفنانين. هي حوارات يؤطرها عشق الخط (الكرافيك) والرمز والضوء والألوان الفاتحة والداكنة أيضا، تماما كما هي حنايا القصور ودروبها عندما يخفت فيها الضوء أو ينعدم، فتبدو الصورة متناقضة في الظاهر، ولكنها في عمقها تتقاسمها رغبة هذا الفنان في حوار ذي بعدين؛ الأول مع ابن قبيلته الفنان والثاني مع المتلقي، لتصبح الرسالة الأخيرة والرئيسية هي تبادل الحديث حتى وإن كان من نوع أحاديث الريشة، لكن شريطة ألاَّ يعترف بقيود الجغرافيا والزمان. بمعرض هؤلاء الفنانين يستطيع الزائر أن يخوض، عبر عتمات الألوان والرمز والحرف أيضا غير المنتمي إلى لغة بعينها، في غياهب التاريخ البعيد، لكنه سفر تاريخي فقط لمعرفة قراءة واقعنا الحالي، بمختلف تجلياته السياسية والسوسيواقتصادية، من خلال طرح أسئلة والبحث عن الأجوبة، التي ليست بالضرورة متواجدة في عمل أحد هؤلاء الفنانين أو ضمن إنتاجات أي فن مهما كان جنسه، ولكنها حتما أجوبة تأتي من صناع القرار.