بعث عبد الواحد الراضي، وزير العدل والكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، منتصف الأسبوع الماضي بلجنة من أطر مصلحة التقنيات والمعلوميات بإدارته المركزية بالرباط لتفقد أشغال مشروع تزويد كل من المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بفاس بتقنيات معلوماتية تعول عليها وزارة العدل في تمتين أواصر التواصل بين المواطنين وجهازهم القضائي. اللجنة ذاتها تعمل على وضع اللمسات الأخيرة لربط المحكمتين بعالم الشبكة العنكبوتية، بغرض ربط هذا الجهاز بمحيطه الخارجي وتمكين المتتبعين والمعنيين من معطيات وأرقام حول الملفات القضائية التي تروج في ردهات محاكم المملكة. وتقول المصادر إن هذا المشروع، الذي يندرج في إطار ما يعرف بخطة إصلاح القضاء في المغرب، يحظى بدعم مادي من لدن الاتحاد الأوربي. لكن عمل أطر اللجنة، التي لا تزال تواصل عملها، يثير في أوساط أغلب الموظفين بمحكمة الاستئناف بفاس الكثير من السخرية والاستخفاف. ففي الوقت الذي كان فيه أعضاء اللجنة يهمون بولوج المحكمة طبقا للتوقيت الإداري المعمول به، لمواصلة عملهم في هذه المحكمة بشارع الحسن الثاني، أكبر شوارع المدينة، وقف عدد من الموظفين بالمحكمة على الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الأربعاء الماضي للاحتجاج على “غزو” الفئران والجرذان لمكاتبهم. المحتجون طالبوا كذلك بتوفير الحد الأدنى من إمكانيات العمل، بما فيها توفير حافلات للنقل تليق بالمقام، عوض الاستمرار في استعمال حافلتين مهترئتين تشبهان حافلات النقل الحضري بالمدينة، ولا توصلان الموظفين من منازلهم إلى مقر العمل إلا منهكين و”مدوخين”. ويضطر هؤلاء الموظفون، في غياب أي مقصف داخل المحكمة، إلى مغادرة مكاتبهم في وقت الغداء على دفعات، وتعطى لهم ساعة من الزمن لتدبير شأنهم مع الغداء والالتحاق مجددا بالعمل. ويضطر بعضهم إلى استعمال المكاتب، حيث تتكوم الملفات القضائية للمواطنين وشكاواهم، لنشر وجبات غذائية يأتون بها تجنبا لتجاوز الوقت المسموح به للغداء وتفاديا لركوب حافلتي المحكمة. ويبدو أن تزويد هذه المحكمة بأجهزة الحاسوب وربطها بالشبكة العنكبوتية سيتبخر بعد أسابيع قليلة فقط من صرف المجهودات والميزانية، فقرار التحويل المؤقت لمقر المحكمة إلى حي السعادة، غير بعيد عن المحكمة الابتدائية، قد اتخذ ولا ينتظر سوى التفعيل. وتقول المصادر إن هذا القرار له ارتباط وثيق بأشغال الترميم الجارية في فضاء هذه المحكمة. ويرتقب أن تستغرق هذه الأشغال أكثر من سنتين. وبالتغيير المؤقت لمقر المحكمة، ستنقل ملفاتها وأجهزتها إلى المقر الجديد، في انتظار أن تعود مجددا إلى مكاتبها، هذا إن لم يضع بعضها في الطريق، سواء ذهابا أوإيابا. ومن المرجح أن يزور وزير العدل عبد الواحد الراضي فاس، بعد انتهاء عمل لجنته التقنية والإعلامية في محكمتيها لتدشين مشروع ربطها بالتقنيات الجديدة للإعلام والاتصال، وسيجد أن موظفيه الصغار يشتكون من هجوم الفئران على مكاتبهم واكتساح الغبار لملفاتهم التي تلطخها كذلك في بعض الأحيان مواد التغذية التي يأتون بها في غياب مقصف بسيط. كما سيقرأ في وجوه وأجساد بعضهم علامات إنهاك ألحقها بهم استعمال يومي لحافلتين مهترئتين، وحينها سيعيد التفكير مليا في خططه من أجل إصلاح القضاء، وسيتأكد حينها بأن هذا الإصلاح ليس هو فقط أجهزة الحاسوب والإنترنت، وإنما الاستثمار في الموارد البشرية العريضة للوزارة، التي تعاني من تدهور أوضاعها وإهمال المسؤولين لحالتها وركوب البعض منها لموجة البيع والشراء في ملفات المتقاضين، مما يعقد تقدم أي مشروع لإصلاح جهاز يقدم على أنه من الأجهزة الحساسة في المغرب التي تنخرها الرشوة والمحسوبية والزبونية ووجود تعليمات وتبعية في أوساط شريحة منه.